08 يناير 2019
درس من النكبة
جمال حاج علي (فلسطين)
لم يكن يوم النكبة الفلسطينية وليد لحظته، عملت دولة الانتداب البريطاني والدول الاستعمارية عقوداً؛ لتحقيق هذا الحلم الذي لم يكن لو لم تمهد له بريطانيا، أولاً من خلال وعد بلفور الذي أعطى الحق لمن لا يستحق بتملك أرض فلسطين، وثانياً العمل على تحقيق هذا الوعد من خلال إجراءات بريطانيا على الأرض، والتي لم يكن همّها سوى تحقيق مصلحة واحدة، هي إقامة وطن قومي لليهود على هذه الأرض المقدسة، فمكنت هؤلاء المستوطنين من القدوم من بقاع الدنيا والتملك وبناء مقومات الدولة ونضجها، قبل إعلان قيامها بسنوات. وفي المقابل، فقد حَرَمت الفلسطيني من هذا الحق، وضيّقت عليه سبل عيشه، وحَرمته من أبسط الحقوق السياسية، عدا عن وقوفها أمام نموه الإقتصادي، وتقدمه العلمي والثقافي.
سقطت فلسطين على حين غفلة من الأمة العربية التي كانت تصارع بقايا الاستعمار، وفي لحظةٍ، كان الشعور بالخطر محدق، لكنه لم يكن في مستوى وصول قناعة لدى الفلسطينيين والعرب، بضياع وطن كامل بيد احتلال استفاد من الواقع العربي المتهتك، ومن الواقع الدولي الداعم بعد نتائج الحرب العالمية الثانية التي سرّعت من تحقيق ذلك الحلم.
دفع الشعب الفلسطيني، وما زال يدفع، ثمن تلك المؤامرة التي حاقت به. خرج الفلسطيني من بلدته وقريته ومدينته، خوفاً على حياته وحياة أبنائه، وحرصاً على أعراض بناته وأخواته وزوجته، خرج وقد أمّن أبواب منزله، ووضع مفتاحها في جيبه، معتقداً أنّ عودته لن تطول، ومع بطش العصابات الصهيونية والدعاية التي صاحبتها، وصلت أقدام الفلسطيني إلى الدول القريبة المجاورة، حيث أقام خيامه التي تحولت إلى بيوت دائمة، وبقيت عيونه ترنو إلى بيته ووطنه، وهو لم يكن في البداية يعلم أنّ دماراً شاملاً طال مئات القرى والمدن الفلسطينية، وقد تمّ تغيير أسمائها والبناء فوق آثارها.
مرّ على هذه النكبة ثمانيةٌ وستون عاماً، قاوم فيها الشعب الفلسطيني ما استطاع، وقدّم من التضحيات من ماله وروحه ما قدّم. عاش قسوة الشتات، وتنقل من دولةٍ إلى دولة، عانى فيها فقدانه هويته الوطنية، ودفع في غربته ثمن السياسة اللعينة، وأفاق عام 1967، ليشاهد ما تبقى من أرضه، وهو يقع صيداً ثميناً بيد الاحتلال، وعلى رأس ذلك مدينة القدس. ذهبت وعود إطعام سمك البحر الجائع من لحم اليهود أدراج الرياح، عندها هام الفلسطينيّ على وجهه من جديد، ووقع أسير الحسرة واليأس والقنوط وبصورةٍ لم تحدث من قبل. مرّت هذه الأحداث على جيل شهد النكبة والنكسة، جيل كُسِر قلبه وانطوى على كسب لقمة عيشه لا يريد غيرها من دنياه.
ولكنّ إرادة الله غالبة، وعجلة التاريخ دائرة، فبعد النكسة بدأ يولد جيل فلسطينيّ جديد، راهن عليه الاحتلال بأنّه ممسوح الذاكرة، لا يعلم سوى ما يراه أمام عينيه، دولةٌ استعمارية تحكم شعباً آخر بديانة ولغة مختلفة، وعليه أن يعيش مع هذا الواقع. لم يكن الاحتلال يعلم أنّ هذا الجيل رَضع حقه مع حليب أمّه، وحفظ اسم فلسطين ومقدساتها، قبل أن يولد على هذه الأرض. فاجأ هذا الجيل آباءه وأجداده، قبل أن يفاجئ عدوه، حينما فجّر انتفاضته الأولى التي جاءت كالصاعقة على رأس الاحتلال الذي اعتقد أنه دجّن هذا الشعب، وأن الجيل الجديد لا يعرف شيئاً عن قضيته. كونت الانتفاضة الأولى عام 1987 نواة وعيّ وطنيّ، تصاعد حتى وصل إلى مستوى مواجهاتٍ لم يشهدها الاحتلال في تاريخ صراعه مع الأمة العربية جمعاء.
استطاع الجيل الفلسطيني الجديد انتزاع شيء من أرضه، وإقامة حكم فلسطيني عليها، سواء في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولم يشعر الاحتلال بتهديد كما يشعر به الآن، فبعد أن حاول دفع الفلسطيني للتهجير من أرضه وإفراغها من جديد في عام 2002، وهو عام اجتياح القوات الإسرائيلة مدن الضفة الغربية، وعام 2008 وما بعدها، وهو بداية الحروب الثلاث على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وإذا بالفلسطيني البعيد عن وطنه يعود إلى بيته في أثناء الحرب، ويتمترس فيها مقاوماً وثابتاً، فإذا ما سقط شهيداً، سقط وحاله يقول: تعلمت الدرس، لا نكبة بعد النكبة، ولا هجرة بعد الهجرة، لن أخرج إلى منافي الأرض من جديد، إلاّ لبلدتي وبلدة آبائي وأجدادي، أنا ثابت في وطني، إما الحرية والكرامة أو الموت والشهادة.
سقطت فلسطين على حين غفلة من الأمة العربية التي كانت تصارع بقايا الاستعمار، وفي لحظةٍ، كان الشعور بالخطر محدق، لكنه لم يكن في مستوى وصول قناعة لدى الفلسطينيين والعرب، بضياع وطن كامل بيد احتلال استفاد من الواقع العربي المتهتك، ومن الواقع الدولي الداعم بعد نتائج الحرب العالمية الثانية التي سرّعت من تحقيق ذلك الحلم.
دفع الشعب الفلسطيني، وما زال يدفع، ثمن تلك المؤامرة التي حاقت به. خرج الفلسطيني من بلدته وقريته ومدينته، خوفاً على حياته وحياة أبنائه، وحرصاً على أعراض بناته وأخواته وزوجته، خرج وقد أمّن أبواب منزله، ووضع مفتاحها في جيبه، معتقداً أنّ عودته لن تطول، ومع بطش العصابات الصهيونية والدعاية التي صاحبتها، وصلت أقدام الفلسطيني إلى الدول القريبة المجاورة، حيث أقام خيامه التي تحولت إلى بيوت دائمة، وبقيت عيونه ترنو إلى بيته ووطنه، وهو لم يكن في البداية يعلم أنّ دماراً شاملاً طال مئات القرى والمدن الفلسطينية، وقد تمّ تغيير أسمائها والبناء فوق آثارها.
مرّ على هذه النكبة ثمانيةٌ وستون عاماً، قاوم فيها الشعب الفلسطيني ما استطاع، وقدّم من التضحيات من ماله وروحه ما قدّم. عاش قسوة الشتات، وتنقل من دولةٍ إلى دولة، عانى فيها فقدانه هويته الوطنية، ودفع في غربته ثمن السياسة اللعينة، وأفاق عام 1967، ليشاهد ما تبقى من أرضه، وهو يقع صيداً ثميناً بيد الاحتلال، وعلى رأس ذلك مدينة القدس. ذهبت وعود إطعام سمك البحر الجائع من لحم اليهود أدراج الرياح، عندها هام الفلسطينيّ على وجهه من جديد، ووقع أسير الحسرة واليأس والقنوط وبصورةٍ لم تحدث من قبل. مرّت هذه الأحداث على جيل شهد النكبة والنكسة، جيل كُسِر قلبه وانطوى على كسب لقمة عيشه لا يريد غيرها من دنياه.
ولكنّ إرادة الله غالبة، وعجلة التاريخ دائرة، فبعد النكسة بدأ يولد جيل فلسطينيّ جديد، راهن عليه الاحتلال بأنّه ممسوح الذاكرة، لا يعلم سوى ما يراه أمام عينيه، دولةٌ استعمارية تحكم شعباً آخر بديانة ولغة مختلفة، وعليه أن يعيش مع هذا الواقع. لم يكن الاحتلال يعلم أنّ هذا الجيل رَضع حقه مع حليب أمّه، وحفظ اسم فلسطين ومقدساتها، قبل أن يولد على هذه الأرض. فاجأ هذا الجيل آباءه وأجداده، قبل أن يفاجئ عدوه، حينما فجّر انتفاضته الأولى التي جاءت كالصاعقة على رأس الاحتلال الذي اعتقد أنه دجّن هذا الشعب، وأن الجيل الجديد لا يعرف شيئاً عن قضيته. كونت الانتفاضة الأولى عام 1987 نواة وعيّ وطنيّ، تصاعد حتى وصل إلى مستوى مواجهاتٍ لم يشهدها الاحتلال في تاريخ صراعه مع الأمة العربية جمعاء.
استطاع الجيل الفلسطيني الجديد انتزاع شيء من أرضه، وإقامة حكم فلسطيني عليها، سواء في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولم يشعر الاحتلال بتهديد كما يشعر به الآن، فبعد أن حاول دفع الفلسطيني للتهجير من أرضه وإفراغها من جديد في عام 2002، وهو عام اجتياح القوات الإسرائيلة مدن الضفة الغربية، وعام 2008 وما بعدها، وهو بداية الحروب الثلاث على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وإذا بالفلسطيني البعيد عن وطنه يعود إلى بيته في أثناء الحرب، ويتمترس فيها مقاوماً وثابتاً، فإذا ما سقط شهيداً، سقط وحاله يقول: تعلمت الدرس، لا نكبة بعد النكبة، ولا هجرة بعد الهجرة، لن أخرج إلى منافي الأرض من جديد، إلاّ لبلدتي وبلدة آبائي وأجدادي، أنا ثابت في وطني، إما الحرية والكرامة أو الموت والشهادة.
مقالات أخرى
04 ديسمبر 2018
16 نوفمبر 2018
07 نوفمبر 2018