أكثر من رسالة حملتها نتائج الانتخابات الأوروبية في فرنسا، والتي تصدّرها حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف برئاسة مارين لوبان، بحصوله على 23.31 في المائة من الأصوات، متقدّماً على قائمة "الجمهورية إلى الأمام" (حزب الرئيس إيمانويل ماكرون) المتحالفة مع "مودم" (الوسط) والتي حصلت على 22.41 في المائة من الأصوات، وهي نتيجة يُتوقع أن تكون لها ارتدادات كبيرة على الساحة السياسية وربما على بقاء الحكومة الحالية. ولن تكون تداعيات هذه النتائج مقتصرة على هذه الحزبين، بل إنها ستطاول كل الأطياف اليسارية واليمينية، والتي صُعق بعضها بتراجع كبير غير متوقع، لعل أبرزها حزب "الجمهوريون" اليميني، وحركة "فرنسا المتمردة" اليسارية المتشددة. والمفارقة الكبرى التي كشفت عنها الانتخابات الأوروبية، أن استطلاعات الرأي، مهما حاولت أن تكون دقيقة، فهي لم تتوقع مطلقاً "الإنجاز" الكبير لحزب الخضر الذي حل ثالثاً، ولا "الانهيار" المدوّي لـ"الجمهوريون" و"فرنسا المتمردة" بقيادة جان لوك ميلانشون.
وتعني هذه النتائج أن المبارزة لا تزال مستمرة بين لوبان وماكرون، بل إنها ستحتدم أكثر مع تكريس "التجمع الوطني" كحزب المعارضة الرئيسي، الذي يقود معارَضة سياسات ماكرون، ويجذب إلى جعبته "التصويت المفيد"، سواء تعلق الأمر بأنصار ميلانشون أو أنصار حزب "الجمهوريون".
ومن الواضح أن هذه النتائج شكّلت خيبة أمل لماكرون، وهو الذي عوَّل صراحة على تصدّر الانتخابات لتعزيز خطابه الأوروبي، و"وضع حد لخطابات كراهية الاتحاد الأوروبي، التي تعبّر عنها الأحزاب القومية والشوفينية"، على حد قوله. هذا الأمر عبّر عنه صراحة رئيس الحكومة إدوار فيليب، الذي اعتبر أن الحصول على المرتبة الثانية ليس انتصاراً. ولكن الرئيس الفرنسي لا يريد أن يبدو وكأنه يخضع لإملاءات هذه النتيجة، ولا لمطالبات لوبان له بحل البرلمان. وهو ما أكدته متحدثة باسم الحكومة، معلنة أن الرئيس يواصل ثقته في حكومته، الماضية في الاتجاه الذي أطلقه ماكرون.
مقابل هذه الصفعة التي تلقاها الرئيس وحكومته، كان مناصرو البيئة (الخضر) وخلافاً لكل التوقعات، يحلون في المرتبة الثالثة، متخطين حزباً كبيراً هو "الجمهوريون"، وكل أحزاب اليسار الباقية، ويصبحون ثالث قوة سياسية في فرنسا، وأكبر حزب يساري، على الرغم من أنهم بدأوا يبتعدون عن التصنيفات. وبينما كانت حركة "السترات الصفراء" في غالبيتها تنتقد الاتحاد الأوروبي، كانت فرنسا تشهد تظاهرات أخرى، لا تقل قوة، للشباب الفرنسي من أجل المناخ، ولم تكن تجد حرجاً في إيصال خطابها إلى الاتحاد الأوروبي، ومن داخل مؤسساته. وفهِم المرشح الإيكولوجي (الخضر)، يانيك جادو، قوّة هذه التظاهرات، وعوّل عليها، من خلال خطاب اتسم بكثير من الموضوعية والنضج، مع استمرار التذكير بأن خطابه ليس وليد اليوم. وهذا ما فهمه الشباب الفرنسيون، الذين قرروا التصويت في الأسبوع الأخير فقط من الحملة الانتخابية. وجاء تصويتهم بشكل حاسم للإيكولوجيين، فحصل جادو على ربع أصوات الشباب، وفق ما أظهرته النتائج.
اقــرأ أيضاً
في المقابل، كان حزب "الجمهوريون" يعيش زلزالاً حقيقياً. وبينما كان الحزب اليميني يتوقع التخلص من تبعات ما تعرّض له على يدي ماكرون، الذي استنزف قيادييه واستمال الكثير من أنصاره، وكان يأمل باستعادة تأثيره على الخارطة السياسية، باعتباره البديل لماكرون، إذ به يتعرض لـ"صدمة" غير مسبوقة، بحصوله على أقل من تسعة في المائة من الأصوات. وهكذا أصيب هذا الحزب الذي كان يؤدي دوراً مهماً داخل الحزب "الشعبي الأوروبي"، بشلل كبير، وهو ما سيحد من تأثيره الأوروبي.
ومن نتائج الصدمة أن أصواتاً من داخل الحزب بدأت تطالب القيادة بأن تكون في مستوى المسؤولية. وفي هذا الصدد، دعت القيادية فاليري بيكريس، صباح أمس الإثنين، لاستقالة رئيس الحزب لوران فوكييه، واستخلاص الدروس، واتّباع سياسة جديدة تنفتح على الوسط وعلى قواها الفاعلة، ومن بينها "اتحاد الديمقراطيين المستقلين"، الذي يقوده جان كريستوف لاغارد. ولا يبدو من حل أمام الحزب سوى استعادة بعض القيادات فيه التي جمّدت نشاطها، والتوقف عن مجاراة اليمين المتطرف، وعن التأسف على النزيف الذي سبّبه ماكرون.
على المقلب الآخر، يبدو أن نتائج الانتخابات ستبدد أوهام ميلانشون ببناء اليسار على طريقته، إذ حصلت حركته "فرنسا المتمردة" على 6.31 في المائة فقط من الأصوات. وتأتي هذه النتيجة استكمالاً لتراجعه في الانتخابات التشريعية السابقة، والتي جعلته بسبب روح الهيمنة التي عبّر عنها في تواصله مع مكوّنات اليسار الأخرى، يفشل في استعادة إنجازه في الدورة الأولى من رئاسيات 2017. ولكن الهزيمة في الانتخابات الأوروبية لها طعمٌ آخر، خصوصاً أنه عبّر فيها عن انفتاح على المجتمع المدني، من خلال اختيار شابة قادمة من المجتمع المدني على رأس لائحته.
وكانت الصدمة كبيرة لأن الدفع بـ"فرنسا المتمردة" كقاطرة لليسار لم تؤدِ نتيجتها، ليس فقط لأن الخضر حقق نتائج باهرة، بل أيضاً لأن حصيلة الحركة متساوية تقريباً مع الاشتراكيين، في الأصوات المعبّر عنها، ومتساوية في عدد النواب الذين حصل عليهم كل طرف في البرلمان الأوروبي (6 مقاعد)، وهو ما يطرح تساؤلات عن مشروعية سعي ميلانشون لقيادة اليسار وفرض أفكاره فيه، ليصبح بالتالي مضطراً للتعامل مع الاشتراكيين إذا ما أراد تحقيق نتائج إيجابية في الاستحقاقات المقبلة.
وفي ما يخص الحزب الاشتراكي، فقد نجحت خطة أمينه العام، أوليفيه فور، في التحالف مع رئيس حركة "ساحة عامة" رفاييل غلوكسمان، في تجنيب الحزب الاشتراكي الاختفاء من البرلمان الأوروبي، على الرغم من احتجاج قيادات سياسية في الحزب على التحالف مع مفكر انتقل بسرعة من الليبرالية ودعم الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن في حربه على العراق، إلى اليسار والإيكولوجيا.
ولا شك في أن تحقيق الاشتراكيين نتيجة متساوية مع "فرنسا المتمردة"، وفي ظل فشل الحزب الشيوعي وحركة "أجيال" في إيصال أي نائب إلى استراسبورغ (مقر البرلمان الأوروبي)، فإن ذلك سيعزز موقفهم التفاوضي في أفق وحدة اليسار، مع حركة ميلانشون، التي ستبدأ جدياً في التساؤل عن أسباب إخفاقاتها، وإن كان لذلك علاقة بمزاج ميلانشون، أو كما فسّره نائبه، أليكسي كوربيار، بفشل الحركة في إقناع الناخبين الشعبيين في التصويت، أم أنه يتوجب على ميلانشون أن يغادر الساحة ويتركها للشباب، خصوصاً أن الحركة لن تجد صعوبة في العثور على بديل، ومن بينهم النائب والإعلامي والمخرج السينمائي فرانسوا روفان، باعتراف ميلانشون نفسه.
وتعني هذه النتائج أن المبارزة لا تزال مستمرة بين لوبان وماكرون، بل إنها ستحتدم أكثر مع تكريس "التجمع الوطني" كحزب المعارضة الرئيسي، الذي يقود معارَضة سياسات ماكرون، ويجذب إلى جعبته "التصويت المفيد"، سواء تعلق الأمر بأنصار ميلانشون أو أنصار حزب "الجمهوريون".
مقابل هذه الصفعة التي تلقاها الرئيس وحكومته، كان مناصرو البيئة (الخضر) وخلافاً لكل التوقعات، يحلون في المرتبة الثالثة، متخطين حزباً كبيراً هو "الجمهوريون"، وكل أحزاب اليسار الباقية، ويصبحون ثالث قوة سياسية في فرنسا، وأكبر حزب يساري، على الرغم من أنهم بدأوا يبتعدون عن التصنيفات. وبينما كانت حركة "السترات الصفراء" في غالبيتها تنتقد الاتحاد الأوروبي، كانت فرنسا تشهد تظاهرات أخرى، لا تقل قوة، للشباب الفرنسي من أجل المناخ، ولم تكن تجد حرجاً في إيصال خطابها إلى الاتحاد الأوروبي، ومن داخل مؤسساته. وفهِم المرشح الإيكولوجي (الخضر)، يانيك جادو، قوّة هذه التظاهرات، وعوّل عليها، من خلال خطاب اتسم بكثير من الموضوعية والنضج، مع استمرار التذكير بأن خطابه ليس وليد اليوم. وهذا ما فهمه الشباب الفرنسيون، الذين قرروا التصويت في الأسبوع الأخير فقط من الحملة الانتخابية. وجاء تصويتهم بشكل حاسم للإيكولوجيين، فحصل جادو على ربع أصوات الشباب، وفق ما أظهرته النتائج.
في المقابل، كان حزب "الجمهوريون" يعيش زلزالاً حقيقياً. وبينما كان الحزب اليميني يتوقع التخلص من تبعات ما تعرّض له على يدي ماكرون، الذي استنزف قيادييه واستمال الكثير من أنصاره، وكان يأمل باستعادة تأثيره على الخارطة السياسية، باعتباره البديل لماكرون، إذ به يتعرض لـ"صدمة" غير مسبوقة، بحصوله على أقل من تسعة في المائة من الأصوات. وهكذا أصيب هذا الحزب الذي كان يؤدي دوراً مهماً داخل الحزب "الشعبي الأوروبي"، بشلل كبير، وهو ما سيحد من تأثيره الأوروبي.
ومن نتائج الصدمة أن أصواتاً من داخل الحزب بدأت تطالب القيادة بأن تكون في مستوى المسؤولية. وفي هذا الصدد، دعت القيادية فاليري بيكريس، صباح أمس الإثنين، لاستقالة رئيس الحزب لوران فوكييه، واستخلاص الدروس، واتّباع سياسة جديدة تنفتح على الوسط وعلى قواها الفاعلة، ومن بينها "اتحاد الديمقراطيين المستقلين"، الذي يقوده جان كريستوف لاغارد. ولا يبدو من حل أمام الحزب سوى استعادة بعض القيادات فيه التي جمّدت نشاطها، والتوقف عن مجاراة اليمين المتطرف، وعن التأسف على النزيف الذي سبّبه ماكرون.
على المقلب الآخر، يبدو أن نتائج الانتخابات ستبدد أوهام ميلانشون ببناء اليسار على طريقته، إذ حصلت حركته "فرنسا المتمردة" على 6.31 في المائة فقط من الأصوات. وتأتي هذه النتيجة استكمالاً لتراجعه في الانتخابات التشريعية السابقة، والتي جعلته بسبب روح الهيمنة التي عبّر عنها في تواصله مع مكوّنات اليسار الأخرى، يفشل في استعادة إنجازه في الدورة الأولى من رئاسيات 2017. ولكن الهزيمة في الانتخابات الأوروبية لها طعمٌ آخر، خصوصاً أنه عبّر فيها عن انفتاح على المجتمع المدني، من خلال اختيار شابة قادمة من المجتمع المدني على رأس لائحته.
وفي ما يخص الحزب الاشتراكي، فقد نجحت خطة أمينه العام، أوليفيه فور، في التحالف مع رئيس حركة "ساحة عامة" رفاييل غلوكسمان، في تجنيب الحزب الاشتراكي الاختفاء من البرلمان الأوروبي، على الرغم من احتجاج قيادات سياسية في الحزب على التحالف مع مفكر انتقل بسرعة من الليبرالية ودعم الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن في حربه على العراق، إلى اليسار والإيكولوجيا.
ولا شك في أن تحقيق الاشتراكيين نتيجة متساوية مع "فرنسا المتمردة"، وفي ظل فشل الحزب الشيوعي وحركة "أجيال" في إيصال أي نائب إلى استراسبورغ (مقر البرلمان الأوروبي)، فإن ذلك سيعزز موقفهم التفاوضي في أفق وحدة اليسار، مع حركة ميلانشون، التي ستبدأ جدياً في التساؤل عن أسباب إخفاقاتها، وإن كان لذلك علاقة بمزاج ميلانشون، أو كما فسّره نائبه، أليكسي كوربيار، بفشل الحركة في إقناع الناخبين الشعبيين في التصويت، أم أنه يتوجب على ميلانشون أن يغادر الساحة ويتركها للشباب، خصوصاً أن الحركة لن تجد صعوبة في العثور على بديل، ومن بينهم النائب والإعلامي والمخرج السينمائي فرانسوا روفان، باعتراف ميلانشون نفسه.