21 فبراير 2018
دستور مغربي حزين
مرّت خمس سنوات على كتابة دستور الربيع المغربي في أعقاب حراكٍ شبابي في المملكة، يطالب بملكيةٍ برلمانية على الطراز الأوروبي، وبإصلاحاتٍ عميقة لجهاز الدولة ومؤسساتها. وعلى الرغم من أن شباب "20 فبراير" رفضوا الجلوس إلى طاولة اللجنة الملكية الاستشارية لكتابة الدستور، وتمسّكوا بانتخاب لجنةٍ تأسيسية لكتابة الدستور، فإن صوتهم كان حاضراً، وظلّ طيفهم في غرف اجتماعات اللجنة التي كلفها الجالس على العرش بكتابة دستور جديد لجيل جديد من أبناء مملكته.
جعل دستور الملك محمد السادس ثوابت المملكة أربعة، بعدما كانت ثلاثة (الإسلام، الملكية، الوحدة الترابية)، فأضاف إليها الاختيار الديمقراطي. ولهذا دلالة سياسية ودستورية عميقة، وإنْ لم تستقر نتائجها ميدانياً بعد، ثم أعطى المشرّع الدستوري جزءاً مهماً من صلاحياتٍ كثيرة كانت في حوزة الملك للحكومة ورئيسها، وللبرلمان، ولمؤسسات الحكامة ومجال عملها الذي اتّسع، حتى أصبحنا أمام نظامٍ فريد، لا هو ملكية برلمانية على الطراز الأوروبي، حيث الملك يسود ولا يحكم، ولا هو نظام ملكي مطلق على الطراز الشرقي، حيث الملك سلطة وحيدة ومطلقة، لا يشرك أحداً في تدبير شوون الحكم، إلا للاستشارة أو التنفيذ.
وللخروج من هذا الالتباس في المغرب، والذي اقتضته ضرورة التدرّج في الإصلاحات، جاء شعار "التأويل الديمقراطي للدستور" منهجيةً قانونيةً وسياسيةً للدفع بالنص الدستوري إلى أقصاه، ولاستخراج ممارسةٍ سياسيةٍ وأعراف دستورية جديدة، تكمل النص الدستوري الذي لم يقدر على الذهاب إلى أبعد حد في ربط المسؤولية بالمحاسبة، وفي الفصل بين السلطات، وفي إعطاء ممثلي الشعب سلطةً كاملة في إدارة البلد، وغيرها من مشمولات الدساتير التي تؤسس لديمقراطية كاملة.
للأسف، وجد دستور 2011 نخبة سياسية محافظة و(تقليدانية)، كان آخر همها تطوير المتن الدستوري، والاحتكام إلى نصوصه في إدارة السلطة واقتسامها. ويُقصد بالنخبة السياسية هنا الحكومة ورئيسها، والمعارضة وزعماؤها، ونخبة القصر ومستشاريها. أجمع هؤلاء موضوعياً على تخفيض سقف الدستور، وحتى تجميده أحياناً، واللجوء إلى التوافقات الهشّة والأعراف التي ترسّخت قبله.
كان رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران وأصحابه في حزب العدالة والتنمية مشغولين، طوال هذه المدّة، بالتطبيع مع القصر، وتثبيت أرجلهم في سفينة الحكومة المترّنحة. ولهذا، جعلوا من الدستور ورقةً العبور إلى قلب النظام، فتخلوا تارةً عن الاحتكام إليه، وأولوه تارةً بطريقة غير ديمقراطية، حيث تنازل رئيس الحكومة للملك عن صلاحيات كثيرة، أعطاه إياها الدستور، مخافة الاصطدام بالقصر أو اتهامه بالسعي إلى الهيمنة على الحياة السياسية. وكان زعماء المعارضة اليسارية واليمينية مهمومين بإضعاف الحكومة ورئيسها، ورأوا في الدستور خصماً لهم، لأنه يقوّي صندوق الاقتراع وسلطته، وما دام هذا في صالح بنكيران وإسلامييه الآن، فالأفضل تأويل الدستور بطريقة "لاديمقراطية"، حتى لا يستفيد منه حزب العدالة والتنمية. واستعملت المعارضة، وفي إطار شعار "معارضة الحكومة وموالاة الحكم"، الدستور ورقةً للتقرّب من القصر، وطلب الإسناد منه، بوعد أنها إذا وصلت إلى الحكومة، فإنها ليس فقط ستؤول الدستور بشكل غير ديمقراطي، بل ستجمّده كلياً، وترجع إلى دستور 1996 الذي يعطي سلطاتٍ شبه مطلقة للملك.
أما مستشارو القصر الذين كانوا مكلفين بمراقبة تنزيل الدستور وقوانينه التنظيمية، والسهر على ضمان عدم المسّ بصلاحيات الجالس على العرش، فكان هاجسهم مراقبة الدينامية الجديدة، ومدى تأثيرها على صلاحيات الملك القديمة في الدستور الجديد. ولأن السلطة مسكونةٌ دائماً بالخوف من التجاوز، وعدم القدرة على التحكّم في سير الأمور، نسي الجميع أن الدستور الجديد كان تعاقداً جديداً بين الملك وشعبه، ولم يكن أداةً تكتيكية للخروج من عاصفة الربيع.
النتيجة أن الحياة السياسية المغربية، وعلى الرغم من الدينامية التي عرفتها، لم تكن الوثيقة الدستورية دليل السلطة الوحيد في رسم اختصاصات الحكومة والقصر، بل كانت هناك أعراف وتوافقات غير ديمقراطية، أخذت مكان الدستور، وهذا ما تضرّرت منه مسيرة الإصلاحات السياسية التي تعرف صعوداً ونزولاً، حسب ميزان القوى في الداخل والخارج.
جعل دستور الملك محمد السادس ثوابت المملكة أربعة، بعدما كانت ثلاثة (الإسلام، الملكية، الوحدة الترابية)، فأضاف إليها الاختيار الديمقراطي. ولهذا دلالة سياسية ودستورية عميقة، وإنْ لم تستقر نتائجها ميدانياً بعد، ثم أعطى المشرّع الدستوري جزءاً مهماً من صلاحياتٍ كثيرة كانت في حوزة الملك للحكومة ورئيسها، وللبرلمان، ولمؤسسات الحكامة ومجال عملها الذي اتّسع، حتى أصبحنا أمام نظامٍ فريد، لا هو ملكية برلمانية على الطراز الأوروبي، حيث الملك يسود ولا يحكم، ولا هو نظام ملكي مطلق على الطراز الشرقي، حيث الملك سلطة وحيدة ومطلقة، لا يشرك أحداً في تدبير شوون الحكم، إلا للاستشارة أو التنفيذ.
وللخروج من هذا الالتباس في المغرب، والذي اقتضته ضرورة التدرّج في الإصلاحات، جاء شعار "التأويل الديمقراطي للدستور" منهجيةً قانونيةً وسياسيةً للدفع بالنص الدستوري إلى أقصاه، ولاستخراج ممارسةٍ سياسيةٍ وأعراف دستورية جديدة، تكمل النص الدستوري الذي لم يقدر على الذهاب إلى أبعد حد في ربط المسؤولية بالمحاسبة، وفي الفصل بين السلطات، وفي إعطاء ممثلي الشعب سلطةً كاملة في إدارة البلد، وغيرها من مشمولات الدساتير التي تؤسس لديمقراطية كاملة.
للأسف، وجد دستور 2011 نخبة سياسية محافظة و(تقليدانية)، كان آخر همها تطوير المتن الدستوري، والاحتكام إلى نصوصه في إدارة السلطة واقتسامها. ويُقصد بالنخبة السياسية هنا الحكومة ورئيسها، والمعارضة وزعماؤها، ونخبة القصر ومستشاريها. أجمع هؤلاء موضوعياً على تخفيض سقف الدستور، وحتى تجميده أحياناً، واللجوء إلى التوافقات الهشّة والأعراف التي ترسّخت قبله.
كان رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران وأصحابه في حزب العدالة والتنمية مشغولين، طوال هذه المدّة، بالتطبيع مع القصر، وتثبيت أرجلهم في سفينة الحكومة المترّنحة. ولهذا، جعلوا من الدستور ورقةً العبور إلى قلب النظام، فتخلوا تارةً عن الاحتكام إليه، وأولوه تارةً بطريقة غير ديمقراطية، حيث تنازل رئيس الحكومة للملك عن صلاحيات كثيرة، أعطاه إياها الدستور، مخافة الاصطدام بالقصر أو اتهامه بالسعي إلى الهيمنة على الحياة السياسية. وكان زعماء المعارضة اليسارية واليمينية مهمومين بإضعاف الحكومة ورئيسها، ورأوا في الدستور خصماً لهم، لأنه يقوّي صندوق الاقتراع وسلطته، وما دام هذا في صالح بنكيران وإسلامييه الآن، فالأفضل تأويل الدستور بطريقة "لاديمقراطية"، حتى لا يستفيد منه حزب العدالة والتنمية. واستعملت المعارضة، وفي إطار شعار "معارضة الحكومة وموالاة الحكم"، الدستور ورقةً للتقرّب من القصر، وطلب الإسناد منه، بوعد أنها إذا وصلت إلى الحكومة، فإنها ليس فقط ستؤول الدستور بشكل غير ديمقراطي، بل ستجمّده كلياً، وترجع إلى دستور 1996 الذي يعطي سلطاتٍ شبه مطلقة للملك.
أما مستشارو القصر الذين كانوا مكلفين بمراقبة تنزيل الدستور وقوانينه التنظيمية، والسهر على ضمان عدم المسّ بصلاحيات الجالس على العرش، فكان هاجسهم مراقبة الدينامية الجديدة، ومدى تأثيرها على صلاحيات الملك القديمة في الدستور الجديد. ولأن السلطة مسكونةٌ دائماً بالخوف من التجاوز، وعدم القدرة على التحكّم في سير الأمور، نسي الجميع أن الدستور الجديد كان تعاقداً جديداً بين الملك وشعبه، ولم يكن أداةً تكتيكية للخروج من عاصفة الربيع.
النتيجة أن الحياة السياسية المغربية، وعلى الرغم من الدينامية التي عرفتها، لم تكن الوثيقة الدستورية دليل السلطة الوحيد في رسم اختصاصات الحكومة والقصر، بل كانت هناك أعراف وتوافقات غير ديمقراطية، أخذت مكان الدستور، وهذا ما تضرّرت منه مسيرة الإصلاحات السياسية التي تعرف صعوداً ونزولاً، حسب ميزان القوى في الداخل والخارج.