تحمل الزيارة المفاجئة لوزيري الدفاع الأميركي، آشتون كارتر، والكندي هارجت سينغ سجان، أمس إلى بغداد، رسائل عسكرية عدة باتجاه الحكومة العراقية. في البداية، عبّر التحالف الدولي عن عزمه تعزيز الدعم العسكري للجيش والشرطة العراقيين، وعن رغبته في تسريع وتيرة الاستعدادات لمعركة تحرير الموصل من سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) مع احتمال زيادة حجم مشاركة القوات الأميركية في هذه المعركة المقبلة. لكن رسائل الدعم بدت مشروطة بضرورة عدم زج مليشيات "الحشد الشعبي" في معركة الموصل، بسبب ممارساتها وتجاوزاتها في العراق، خصوصاً في أعقاب معركة الفلوجة. ويضع كثيرون الاستعجال الأميركي لإنهاء معركة الموصل بأسرع وقت ممكن، في خانة رغبة الرئيس، باراك أوباما، في تقديم إنجاز كبير لخليفته المحتملة، هيلاري كلينتون، تستطيع البدء فيه بولاية رئاسية مريحة في ملف حساس كالعراق.
وأعلنت مصادر في مكتب رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، الذي استقبل صباح أمس الوزيرين الأميركي والكندي، بشكل منفصل في المنطقة الخضراء ببغداد، أن المباحثات ركزت على الموصل واستعادتها، مضيفة أن اللقاءات السياسية ترافقت مع لقاءات بين الوفود العسكرية المرافقة للوزيرين، وقيادات عسكرية عراقية من أبرزها قيادة عملية "تحرير نينوى".
وذكر مسؤول رفيع بمكتب العبادي في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن كارتر حمل رسالة شفوية من الرئيس الأميركي، باراك أوباما، للعبادي تتضمن جملة قضايا تتعلق بالعراق، مؤكداً أن "الوزير الأميركي أبدى قلقه من استمرار انتهاكات الحشد الشعبي والقوات النظامية وانعكاس ذلك على المعارك الدائرة، وفقدان السنّة الرغبة في التعاون في الحملة ضد الإرهاب، وطالب العبادي بضبطها سريعاً"، على حد قوله، واصفاً المساعدات الأميركية بـ"السخية جدا".
كذلك، ستبدأ قوات التحالف الدولي بعمليات واسعة لاسترداد الأراضي المحيطة بالموصل تمهيداً لاقتحامها والتوسط في حل المشكلة العالقة بين بغداد وأربيل حول الموصل، حيث يصر الأكراد على ضمانات من بغداد لقاء مشاركة "البيشمركة" بالمعركة، منها ما يتعلق بملف المناطق المتنازع عليها وحل مشكلة رواتب "البيشمركة" التي تمتنع بغداد عن تسديدها منذ عامين، بسبب خلافات على حجم موازنة الإقليم السنوية.
ووفقاً لمصادر سياسية عراقية مقربة من السفارة الأميركية في بغداد تحدثت مع "العربي الجديد"، اتسمت زيارة الوزيرين الأميركي والكندي بطابع عسكري بحت، وتناولت تسريع استرداد الموصل قبل نهاية العام وتحديداً قبل الانتخابات الأميركية، واستغلال حالة التراجع لدى "داعش" واستباق أية خطورة إيرانية في التواجد من خلال مليشيات "الحشد" أو "الحرس الثوري" في قاعدة القيادة الاستراتيجية، التي تمت استعادتها.
وبذلك، تكون واشنطن قد قدمت حزمة مساعدات عسكرية كبيرة لحكومة العبادي من شأنها أن تقوي موقفه داخلياً بعد اهتزاز صورته إثر تفجيرات بغداد الدامية أخيراً، واستعداد التيار الصدري والتيار المدني لتنظيم مظاهرة، يوم الجمعة المقبل، ضد الحكومة.
الجدير بالذكر أن الوزير كارتر أعلن أمس من بغداد أن بلاده سترسل 560 جندياً إضافياً إلى العراق للمساعدة في القتال ضد "داعش"، مع الاستعداد لمعركة استعادة الموصل، وهو ما يعني، وفق المصادر العراقية، أن واشنطن قد تشارك بعدد محدود من القوات في معركة الموصل نظراً لصعوبة هذه المعركة. وهذه أكبر دفعة من الجنود والضباط تقرر واشنطن إرسالها دفعة واحدة إلى العراق منذ فترة طويلة، وهو ما يوحي باستعجال أميركي حقيقي.
بموازاة ذلك، أشارت المصادر العراقية إلى أنه لن يكون هناك أي تواجد لمليشيات الحشد (حتى الآن) في معركة الموصل، وهو ما أبلغ به العبادي من قبل الوزير الأميركي. إلا أن مواقف رئيس الوزراء العراقي المتقلبة ووقوعه تحت ضغط إيراني قد يتسبب بتغيير المعادلة، خاصة مع إصرار المليشيات على المشاركة بدعوى أنهم لن يدخلوا الموصل وسيبقون خارجها.
وتأتي تصريحات كارتر حول قاعدة القيارة العسكرية بعد وصول قوة عسكرية أميركية يوم أول من أمس إلى القاعدة، بعد انسحاب عناصر "داعش" منها، دون قتال، وسيطرة القوات العراقية عليها، وذلك بهدف معاينة القاعدة وتهيئتها لتكون منطلقاً للهجوم على الموصل، بحسب مصادر أمنية عراقية.
وتأتي زيارة المسؤولين الأميركي والكندي للعراق وسط دعوات عديدة أطلقتها منظمات محلية ودولية مختصة بحقوق الإنسان، حول الانتهاكات الكبيرة التي ارتكبت على يد قوات الأمن العراقية ومليشيات "الحشد الشعبي"، خصوصاً في معركة الفلوجة. وأكدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" على تعرض المدنيين العراقيين لانتهاكات جسيمة على يد مليشيات "الحشد"، تراوحت ما بين عمليات خطف منظمة وإعدامات ميدانية لعشرات الرجال في المناطق التي شهدت القتال، متهمةَ الحكومة العراقية بالتكتم على هذه الانتهاكات.