دعوات إلى حفلة الفناء

21 يوليو 2015
مقطع من "نموت خارج السيطرة"، أحمد السوداني/ العراق
+ الخط -

تزامن المعرض المقام حالياً في غاليري "ساتشي" اللندني مع صدور كتاب يحمل عنوان المعرض نفسه، وهو"ميت: الاحتفاء بالفناء" مطلع حزيران/ يونيو الماضي. الكتاب لتشارلز ساتشي، أما الأعمال، التي يستمر عرضها حتى 26 الشهر الجاري، فجمعت جنسيات من مختلف بلاد العالم، وكان موضوعها الأساسي هو الميّت.

صدر كتاب ساتشي بغلاف ذي لون رخامي قاسٍ كأنه شاهدة قبر، وجاءت لغته تهكمية تارة واحتفائية تارة أخرى وهي تروي حكايات عن الموت والموتى والمقابر وحوادث وقصصاً غريبة من التاريخ. لكن ربما لا يمكن وصف اللوحات التي قدّمها المعرض بالطريقة نفسها، وإن كان بعضها يتضمن تجسيداً كرنفالياً مفزعاً للجسد الميت، بيد أنّ معظمها تناول الميت بلغة بصرية عنيفة لونيّاً وتكوينيّاً.

من بين الأعمال العربية المعروضة، لوحات للفنان العراقي، أحمد السوداني (1975)، بعناوين فظّة مثل "نموت خارج السيطرة" أو "لم يعد لك يدان". في العملين يتحوّل البشر إلى كتل غير واضحة المعالم، ثمة فوضى وتعمّد لاستخدام الفحم وألوان الباستيل الشاحبة في لوحة مُفقرة الألوان وترابية الطابع. تستعير لوحة "نموت خارج السيطرة" بعضاً من خصال لوحات غويا الشهيرة عن الحرب الأهلية الإسبانية، وفيها جانب من ملحمة "غارنيكا" لبيكاسو.

"مدام بلافستكي"، غوشكا ماكوغا/ بولندا

وربما تكون تجهيزات البولندية، غوشكا ماكوغا، (1967)، مما يجدر التوقف عنده بين أعمال 28 من فناني المعرض. لننظر إلى عملها، "مدام بلافستكي"، وهي شخصية حقيقية لامرأة كانت مقربة من الفنانين الطلائعيين في روسيا القرن التاسع عشر.

نحتت ماكوغا الجسد من الخشب وألبسته المخمل الأرجواني، اللون الذي كانت تلبسه الساحرات أو النساء في الحداد في العصر الفكتوري. ليس بعيداً عن أعمالها إن وصفت بأنها فن مظلم، يصل هذا الانطباع للمتلقي من أجوائها التي تنتمي إلى عصور أخرى، وفي حين يفترض أن الجسد المنحوت لميت، تخففه الفنانة من ثقل الموت والحياة في آن، فيرتفع على كرسيين ويظل طافياً في الهواء كأنه ليس ميتاً بل مسحوراً.

معظم الأعمال تنهمك في تآكل الجسد، بالملامح المهترئة بعد الموت، بعضها يفضل اللحظة الفاصلة للمنتحرين، ها هو المصور الروسي، فكنتي لينين، (1971)، يضع كل موديلاته على حافة النافذة.

المثير في سلسلة صوره المعنونة "جيران" أن الأشخاص كلهم ينظرون إلى الأسفل، والأسفل هو الحي الذي يقطنون فيه، المكان المألوف، رغم ذلك يطغى الفزع على ملامحهم، المكان مألوف والحياة ربما مكررة ومألوفة أيضاً، لكن الوقوف على الحافة هو اللحظة الفاصلة بين الوجود والعدم.

دلالات
المساهمون