في الوقت الذي ساد فيه الأوساط الإسرائيلية الرسمية تشاؤم إزاء فرص نجاح التحرك الذي يقوده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الكونغرس لإحباط تمرير الاتفاق الذي وقّعته الدول الكبرى وإيران حول الملف النووي، دعا أهم مراكز التقدير الاستراتيجي في تل أبيب إلى استباق الفشل المتوقع بالتوصل إلى اتفاقٍ موازٍ مع الإدارة الأميركية يضمن مواجهة "الثغرات" التي رصدتها إسرائيل في الاتفاق النووي.
وحث "مركز أبحاث الأمن القومي"، في ورقة تقدير موقف صادرة عنه، دوائر صنع القرار في تل أبيب على ضرورة أن يستند الاتفاق الأميركي الإسرائيلي الموازي إلى ما جاء في الرسالة التي بعثها الرئيس الأميركي باراك أوباما أخيراً إلى النائب الديمقراطي اليهودي جيرال ندلر، والتي تضمنت شرحاً مسهباً لمخططات إدارته لتعزيز القدرات العسكرية والاستراتيجية لإسرائيل بعد التوصل للاتفاق مع إيران.
وأشارت الورقة التي نُشرت في العدد 740 من مجلة "مباط عال"، الصادرة عن المركز، إلى أن الخطوط العامة التي اشتملت عليها الرسالة تمثّل مرتكزاً للنقاش مع الإدارة الأميركية حول سبل مواجهة المخاطر التي ينطوي عليها الاتفاق مع إيران. وأكدت الورقة التي أعدّها مدير المركز الجنرال عاموس يادلين، الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، على أن الاتفاق الموازي سيضمن تحقيق المصالح الحيوية لإسرائيل في المستقبل، وينزع فتيل الأزمة مع الإدارة في واشنطن.
وشددت الورقة على أن أهم نقطة يجب أن يتضمنها الاتفاق الموازي يُفترض أن تتعلق بطبيعة الرد الأميركي على أي خرق إيراني للاتفاق النووي، ولجوئها لإنتاج سلاح نووي قبل الموعد المحدد لانتهاء العمل بالاتفاق. ونوّهت الورقة إلى ضرورة أن يتطرق الاتفاق الموازي إلى جملة من الإجراءات التي يتوجب اتخاذها من أجل منع إيران من مواصلة "تدخلاتها الضارة" في المنطقة، لا سيما التصدي لأي محاولة إيرانية للمسّ بمصالح إسرائيل في المنطقة.
كما أكدت الورقة ضرورة أن تحرص القيادتان الأميركية والإسرائيلية على إظهار قوة التحالف الاستراتيجي بين البلدين أمام العالم، وعلى وجه الخصوص أمام القوى المختلفة في المنطقة، وأن يجد التأييد الذي تحظى به إسرائيل في الكونغرس ولدى الرأي العام الأميركي ترجمته في سلوك الإدارة الأميركية تجاه تل أبيب. ودعت الورقة إلى تشكيل هيئة تقدير استراتيجي مشتركة لتقييم المخاطر التي ينطوي عليها السلوك الإيراني وتداعياته وسبل الرد عليه.
اقرأ أيضاً: نتنياهو يجدد نشاطه ضد الاتفاق النووي
ويأتي هذا الاقتراح في الوقت الذي كشفت فيه صحيفة "ميكور ريشون" اليمينية، أن التقديرات السائدة في ديوان نتنياهو بشأن نتائج الحملة التي يشنّها بالتعاون مع الجمهوريين في الكونغرس ضد الاتفاق النووي، متشائمة إلى حد كبير. ونقلت الصحيفة عن مصدر في الديوان قوله إن فرص تمكّن الجمهوريين من تجنيد العدد الكافي من أعضاء الكونغرس لإحباط تمرير الاتفاق تبدو ضعيفة إلى حد كبير.
ومما زاد من إحباط نخب اليمين الحاكم في تل أبيب، التحوّل الذي طرأ على مواقف عدد من أبرز قادة اليهود الأميركيين بعد الخطاب الذي ألقاه أوباما عبر "الفيديو كونفرنس" أمام مؤتمر عقد الأسبوع الماضي، إلى جانب خروج عدد من النخب الجمهورية ضد موقف الهيئة البرلمانية للحزب من الاتفاق. فقد أقر المدير العام لسابق لـ"الرابطة ضد التشهير" أبراهام فوكسمان، الذي يعارض الاتفاق مع إيران بشدة، بالوقع "العميق" للخطاب الذي ألقاه أوباما، مشيراً إلى أن أهم ما أقدم عليه أوباما هو توجهه للرأي العام الإسرائيلي بشكل مباشر لطمأنته.
في حين أن رئيس الحركة الإصلاحية اليهودية في الولايات المتحدة الحاخام ريك جيكوبس، امتدح أوباما، مشدداً على أنه أظهر احتراماً كبيراً لليهود في الولايات المتحدة وحرصاً على النقاش معهم بشأن الاتفاق، لا سيما تأكيد التزامه بالحفاظ على أمن إسرائيل وسلامتها، إلى جانب إعلان حرصه على الحفاظ على طابع العلاقات الخاصة مع إسرائيل.
وقد أبدت الأوساط الإسرائيلية اهتماماً خاصاً بدعوة الجنرال برنت سكوكورفت، الذي عمل مستشاراً للأمن القومي في عدد من الإدارات الجمهورية، إلى التسليم بالاتفاق النووي وعدم الاعتراض عليه، بسبب المكانة التي يحظى بها سكوكورفت كمرجعية أمنية بارزة. كما لاقى المقال الذي نشره كل من دينس روس، الذي عمل كمستشار لشؤون إيران في إدارة أوباما، والجنرال ديفيد بترايوس، الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، في "واشنطن بوست" أخيراً، اهتماماً خاصاً في تل أبيب. فقد شدد روس وبترايوس على أنه يتوجب التعاطي مع الاتفاق بوصفه "حقيقة ناجزة".
من جهته قال الكاتب الإسرائيلي شلومو شامير، إن الكلمة التي ألقاها أوباما أمام اجتماع قادة المنظمات اليهودية، أسهمت بشكل كبير في سحب الذرائع من معارضي الاتفاق مع إيران لمواصلة حملتهم ضده. وفي مقال نشرته صحيفة "معاريف"، عد شامير الكلمة بأنها "ضربة قاضية" للمحاولات الهادفة لإحباط تمرير الاتفاق، لافتاً إلى أنه على الرغم من أن قيادات يهودية ستواصل التحريض على الاتفاق، إلا أنها باتت تعي أنها لا تملك المسوغات الموضوعية للاعتراض على الاتفاق بعد أن عدد أوباما "بكفاءة كبيرة" المسوغات التي دفعته للتوقيع على الاتفاق.
اقرأ أيضاً: معارك "كونية" في الكونغرس الأميركي لحسم مصير الاتفاق النووي