وبحسب مقال "ميديا بارت"، الذي وقّعه فبريس عرفي، فقد رفع مواطن ليبي يعيش في كندا دعوى قضائية في باريس، بتهمتي التعذيب والإرهاب في حق حفتر، أحد وجوه ليبيا ما بعد معمر القذافي، الذي التقاه الرئيس ماكرون في يوليو/ تموز 2017، والذي تلقّى، مؤخراً، العلاج، في فرنسا.
ويؤكد الليبي، صاحب الدعوى، الذي فقَدَ أمه وأربعة من إخوانه وأخواته في ليبيا، أن قوات حفتر ترتكب جرائم ضد المدنيين، تحت غطاء "محاربة التنظيمات الإرهابية".
وقد عاد حفتر إلى بنغازي في 26 إبريل/ نيسان الماضي، بعد أن قضى أسبوعين وهو يتلقى العلاج في فرنسا، بسبب مشاكل في القلب.
وبُعيْد نزوله من الطائرة، خاطب قادة قواته بقوله: "بمقدوري أن أؤكد لكم أني في صحة جيدة".
وفي اليوم نفسه، وقَّع المواطن الليبي علي حمزة، في بلدة ميسيسوغا في ضاحية تورونتو، في كندا، على شكوى بالتعذيب والإرهاب، نقلها، في اليوم نفسه، محاموه إلى مدعي الجمهورية في باريس.
وعلى الرغم من أنها شكوى ضد مجهول، لكنها تستهدف، بشكل صريح، تجاوزات اتُّهِم حفتر ورجاله بارتكابها، ما بين 2016 و2017، في ليبيا.
ويؤكد المشتكي، وهو مهندس كيمياء، يؤازره مكتب في نيويورك (Wright Law Firm PLLC)، والمحامية الفرنسية راشيل لندن، أنه فقد أمه وأربعة من إخوانه وأخواته أثناء حصار قنفودة، وهو حيّ في جنوب غرب بنغازي، متهماً قوات حفتر بقتلهم.
حفتر، وهو قائد سابق في الحملة الليبية لجيش القذافي، تحوّل إلى "معارضة" القذافي في ثمانينيات القرن الماضي، ثم أقام في المنفى في الولايات المتحدة، وعاد إلى ليبيا سنة 2011، من أجل "دعم الخروج" على القذافي، ثم وصل، بعد سنوات عدة، إلى قيادة "جيش" مدعوم من برلمان طبرق، إلا أنه تم استثناؤه من التحالف الذي شكّل حكومة الوفاق الوطني الليبية، التي اعترف بها مجلس الأمن، في ديسمبر/ كانون الأول 2015، باعتبارها "الحكومة الشرعية الوحيدة في ليبيا".
ويجمع حفتر من حوله شبكة متنافرة من قوات قبَلية و"قذافيين سابقين" و"مناهضين للإسلاميين"، كما يقدم نفسه على أنه "صمام أمان في وجه المتطرفين"، وهو مدعومٌ، بشكل رسمي، من العديد من القوى الإقليمية، وعلى رأسها مصر والإمارات.
ويُدير حفتر، الذي حظي بالاستقبال في كثير من الدول، من بينها فرنسا، بيد من حديد، الأراضي الخاضعة له، ويُدين معارضوه، بشكل منتظم، نزوعاته التسلطية، وبشكل خاص في عملية "الكرامة"، التي أطلقها في ربيع 2014، والتي تحوم حولها شبهات "جرائم حرب"، كما أشارت إلى ذلك المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بن سودا.
وتتركز الوقائع التي تتوجه إليها الشكوى التي سجلت في باريس على سنتي 2016 و2017، و"تتضمن حملة حفتر غارات عمياء، وعمليات قتل واختطاف"، كما كتب علي حمزة في شهادته التي تصل إلى ست صفحات، والتي ضمّها إلى الشكوى. وتُتهم قوات حفتر بأنها "نشرت الرعب في أحياء عدة من بنغازي، وأنها لم تميّز بين مسلحين وبين مدنيين أثناء العمليات العسكرية".
ويحكي علي حمزة، في الشكوى التي تقدم بها، كيف أن عائلته، التي كانت تقطن في حيَّيْن من أحياء بنغازي (الليثي وبوعطني)، اضطرت للجوء إلى حي آخر في مدينة قنفودة، بعد قصف متواصل لقوات حفتر.
وكتب: "في يوليو/ تموز 2016 قصف حفتر، دونما تمييز، السكان اللاجئين في قنفودة، بمن فيهم عائلتي". ثم أضاف: "كثيراً ما استطعتُ أن أتحدث إلى أفراد من عائلتي، الذين حدثوني عن قيام أعضاء منظمة حفتر الإرهابية بمراكمة 14 جثة على كومة قمامة. وقد تمّ اختطاف هؤلاء الأشخاص ثم تصفيتهم، بعد أن ربطوا أيديهم وأرجلهم".
وقد حال حصارُ قنفودة من طرف قوات حفتر دون إجلاء المدنيين، وحال، أيضاً، دون دخول الطعام والأدوية ومواد الإغاثة، كما أدانته منظمة "أمنيستي الدولية".
وفي هذا الصدد، يقول علي حمزة "أصدر حفتر الأوامر بحملة قصف وغارات عمياء ضد منازل المدنيين، وعلى مدرسة ومسجد وعيادة في قنفودة".
وقد حاولت عائلة المشتكي، في 10 ديسمبر/ كانون الأول، الهرب للمرة الأولى من قنفوذة، ولكنها تراجعت بعد غارات جديدة لقوات حفتر.
وأخيراً، التجأت أمّ علي حمزة واثنان من إخوانه، في نهاية شهر يناير/ كانون الثاني 2017، وفي ظروف "شديدة اليأس"، إلى شقة غير مسكونة في كتلة بنايات في طور التشييد في قنفودة، تسمى بلوك 12. ووصف علي حمزة ظروف العائلة القاسية بقوله: "اضطرت عائلتي لأكل العشب وقشور الشجر من أجل البقاء على قيد الحياة. لم يكن لديهم ماء بارد. وقد أصدر حفتر الأمر للقناصة من النخبة بمهاجمة أي شخص يحاول التحرك على أنقاض المدينة. وقد اشتد الوَهَنُ بأعضاء عائلتي، بحيث إنهم بالكاد يستطيعون المشي. وقد كانوا تحت رحمة الهجمات المتكررة للمدفعية والغارات الجوية من حولهم".
ويتهم حمزة بأن أحد إخوانه تم اغتياله يوم 26 فبراير/شباط من قبل رجال حفتر، ثم استهدفوا بلوك 12 يوم 28 فبراير/ شباط.
وفي 2 مارس/ آذار، توفيت إحدى أخواته، بعد إصابتها بجروح. وبعد ستة أيام من الحادثة، نشرت منظمة "هيومن رايتس واتش" رسالة مفتوحة موجهة إلى حفتر تطالبه فيها بأن "يحترم المدنيين"، لكنها ظلت من دون جواب.
وفي 18 مارس/ آذار، حاولت عائلات عدة نجت من الهجمات على بلوك 12 الفرار أثناء الليل في ثلاث سيارات، إلا أن "رجال حفتر أطلقوا النار على هذه السيارات بالرشاشات والأسلحة الثقيلة"، كما يقول علي حمزة، وإن أمه وأحد إخوانه وإحدى أخواته ماتوا في الهجوم، أما أخته الثانية، التي تلقت رصاصة في عظم ساقها، فقد تم اعتقالها وظلت، خلال أسابيع عدة، في سجن تحت مراقبة قوات حفتر، وقد وصفت مَشَاهد التعذيب الذي تعرضت له وهي "تتلقى الضربات على مكان الجرح بأنبوب فولاذي"، مشيراً إلى أنها "تعيش، الآن، متخفية، منذ إطلاق سراحها".
وقد أرفق علي حمزة إلى شكواه صُوَر جثث أفراد عائلته القتلى في ليبيا.
من جهته، أكّد جاسون رايت، المحامي الأميركي لعلي حمزة، أن عائلة موكّله ليست لها أي علاقة بالتنظيمات المتشددة.
وقد دانت الخارجية الأميركية، مرتين، سنة 2016 ثم 2017، تصرفات قوات حفتر، واتهمتها بـ"الفشل في تأمين ممر آمن للمدنيين، وفي وقف الاشتباكات، كما تعهَّد بذلك"، وأكدت أنها "قتلت واعتدت على مدنيين".
يشار إلى أن وزير الخارجية الفرنسي، جان - إيف لودريان، امتدح، أمام لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) في يوليو/ تموز 2017، عمل قوات حفتر.
وقال الوزير الفرنسي، الذي التقى شخصياً حفتر، مرات عديدة: "يمكن أن نعتبر أن خطر "داعش" تم إبعادُهُ تقريباً، على الرغم من أن قسماً من مقاتلي هذا التنظيم استطاعوا التشتت في الأراضي الليبية الواسعة. ولكن الفوضى لا تزال باقية".