دلالات قرار مجلس الأمن بشأن اليمن
يجسد القرار (2216) الذي تبناه مجلس الأمن (تحت الفصل السابع)، في 14 أبريل/نيسان الجاري، بشأن اليمن، جدلية التدخل العربي والدولي، في سياق الربيع العربي الذي حلت الحروب والصراعات محل انتفاضاته الديمقراطية في دوله، لتبقى الحالة التونسية استثناء للقاعدة. ويذكّرنا هذا بالحالتين الليبية والبحرينية. ففي ليبيا، طالبت دول عربية بالتدخل الدولي وشرعنته ومولته، لكن مشاركتها العسكرية فيه كانت رمزية. فجاء التدخل غربياً بغطاء عربي. وتذرعت الأمم المتحدة والقوى المتدخلة بمبدأ مسؤولية الحماية، فكان التدخل في ليبيا ضد النظام لحماية الشعب. لكن هذا الالتزام الأخلاقي انقلب رأساً على عقب في البحرين، عندما تدخلت دول خليجية، بقيادة السعودية، لحماية النظام من الشعب. وبين الحزم "التغييري" في ليبيا والحزم "المحافظ" في البحرين، وجدت الدول المتدخلة نفسها في مأزق في سورية، لأن الدول الإقليمية والقوى الدولية غير متفقة على الحسم بين الحزمين. فالدول العربية التي تدخلت، وشرعنت التدخل في ليبيا، تريد تكرار التجربة في سورية، لكنها لم تفلح في إقناع حلفائها الغربيين بمغامرة عسكرية هناك، لاعتبارات تخص المصالح الغربية، والعلاقة مع إسرائيل، وأيضاً لموقف روسيا. وهذه الأخيرة لم تعارض قرار مجلس الأمن الذي أستُغل للتدخل في ليبيا. وبالتالي، استخلصت العبرة من الحالة الليبية، لذا تعارض أي قرار بشأن سورية، ليس بالضرورة حباً بها، ولكن كرهاً للذين "خدعوها" بشأن ليبيا. بيد أن تطور الأحداث في ليبيا، وانتكاسة التدخل، في نهاية المطاف، جعل روسيا لا تتشفى فقط في الدول المتدخلة، بل تستخدم ذلك حجةً للدفاع عن موقفها حيال سورية، موقف تدعم مع تصلب عود الحركات الجهادية التي بدأت تغير من موقف دول غربية من نظام الأسد.
أما في اليمن، فالتدخل عربي، اكتسى، فيما بعد، طابعاً شرعياً دولياً مع قرار مجلس الأمن الذي منحه سنداً قانونياً. وفي القرار تناقض في المفردات، فهو يوكل مهمة تسهيل الانتقال الديمقراطي في اليمن لدول غير ديمقراطية، بل ومعادية للديمقراطية في الداخل، وفي التخوم الإقليمية. كما أنه يدافع عن عقد مؤتمر سلام في الرياض حول الأزمة اليمنية، يجمع الأطراف السياسية اليمنية. بينما السعودية، التي تقود "عاصفة الحزم" لا تقف على المسافة نفسها من كل الأطراف اليمنية. فهل يمكن تسوية الأزمة اليمنية بإقصاء أطراف معينة لدواع سياسية و/أو مذهبية. وبما أنه يشكل سنداً قانونياً وغطاء سياسياً للتدخل العربي، اتخذ القرار الأممي موقفاً واضحاً من الحوثيين، ومن الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، وأتباعه، ومن إيران المساندة لهم.
والملاحظ، أيضاً، أن القرار يستند إلى مناولة سياسية وعسكرية، بمنحه الكلمة الفصل للدول الخليجية، حيث شدد، أكثر من مرة، على ضرورة تنفيذ المبادرة الخليجية. ومن ثم، هو يمنح دول الخليج دوراً أساسياً، إن لم نقل حصرياً في إيجاد حل للأزمة اليمنية. وهنا، تناقض آخر في القرار، لأنه من بين أسباب وصول اليمن إلى ما هو عليه اليوم، المبادرة الخليجية التي سعت إلى نزع فتيل الأزمة، عقب الانتفاضة الشعبية في اليمن، بالدفع نحو سحب البساط من تحت أقدام المطالبين بالديمقراطية، واختزال التسوية في تغيير داخل النظام، وليس بناء نظام ديمقراطي. والملاحظ، أيضاً، حديث القرار الأممي عن الشرعية في اليمن، في الوقت الذي يكلف فيه دولاً، وقفت ضد الشرعية في مصر. فالأطراف العربية المتدخلة في اليمن، بدعوى رفض الانقلاب الحوثي، دعمت الانقلاب في مصر.
لكن، ماذا عن موقف روسيا؟ يثير امتناعها عن التصويت على القرار 2216 تساؤلات حول مغزى موقفها، بالنظر لعلاقتها بإيران والأزمة السورية. يمكن أن نسوق هنا عدة تفسيرات. أولاً، ليست الأزمة اليمنية ضمن الأوليات الإقليمية لروسيا في المنطقة العربية. ثانياً، روسيا معنية بالأزمة السورية في الشرق الأوسط، وبالأزمة الأوكرانية على حدودها وهي، بالتالي، في غنى عن فتح جبهة سياسية ثالثة مع دول إقليمية وقوى غربية. ثالثاً، يبدو أنها تريد أن تكون منسجمة في مواقفها، فهي تقول بعدم الانقلاب على السلطة في سورية حجة لها، ولا تريد أن تُحسب حجة عليها في اليمن، إن هي عارضت القرار الأممي. رابعاً، يبدو أنها لا تعتبر المعادلة اليمنية أساسية في علاقتها مع إيران، وبالتالي، امتناعها لا يرضي، بالضرورة، إيران، لكنه لا يغضبها بالضرورة. فروسيا أشادت بالاتفاق النووي الذي اعتبرته إقراراً غير مشروط بحق إيران في امتلاك النووي المدني، وها هي تعلن عن رفع الحظر على بيع إيران صواريخ متقدمة. خامساً، تقوم السياسة الدولية على المقايضة. وبالتالي، من غير المستبعد أن تقايض روسيا سورية باليمن، بشكل أو بآخر، وأن تتصرف حيال الأزمة اليمنية وعيونها على سورية، خصوصاً وأن التدخل العسكري العربي في اليمن والإجماع الدولي حوله يخففان الضغط، ولو إلى حين، على نظام الأسد.
في الأخير، يمكن القول إن القرار الأممي يسعى، أيضاً، إلى سد ثغرة في المبادرة الخليجية لعام 2011، وهي تصفية إرث نظام علي عبد الله صالح، وقبول فكرة تغيير النظام، وليس فقط التغيير داخل النظام. فهذه المبادرة أجلت، عملياً، البت في "بقايا النظام" السابق، خوفاً من الديمقراطية. وبما أن مجلس الأمن سلمها زمام الأمور العسكرية والسياسية في البلد، فإن هناك مخاطر أن تقيم دول خليجية نظاماً سياسياً على المقاس في اليمن، يكون بين المنزلتين: لا هو تسلطي (كما كان الوضع في السابق) ولا هو ديمقراطي (كما كان يطمح إليه اليمنيون الذين انتفضوا في 2011). وحينها، ستكون مسؤولية مجلس الأمن ثقيلة، لأنه سلم مستقبل بلد منهار لدول غير ديمقراطية، علماً أن فاقد الشيء لا يعطيه.