دليلة العبيدي... 40 عاماً من صنع الدمى في تونس

تونس

مريم الناصري

avata
مريم الناصري
09 يوليو 2020
شخصيات تونسية تراثية في دمى دليلة العبيدي
+ الخط -

البحّار والشيخ والواعظ وشخصيات تونسية عدّة، وُجد بعضها حقيقة في حقبة تاريخية ما في تونس، والبعض الآخر مستوحى من المخيال الشعبي في عدّة مناطق، لكنّ دليلة العبيدي اختارت إحياء تلك الشخصيات وتجسيدها في شكل دمى مختلفة الأحجام والأشكال، على أن تحافظ على طابع وخصوصية كلّ شخصية من خلال الحفاظ على الزي التقليدي التونسي والشكل الحقيقي للشخصية. "أمي سيسي" عجوز حاذقة نشيطة، تكنس البيوت وتمسحها، وتغسل الثياب وتكويها، وتطبخ أطعمة لذيذة، كما تعمل في الصوف أيضاً، فتغسله وتنقشه وتغزله، وتصنع منه ملابس. شخصية طريفة شهيرة في تونس، رُوجت عشرات القصص عنها. هي عجوز تلبس الزي التونسي التقليدي من "فوطة وبلوزة" أو "الحرام التونسي من الحرير" ، و"مريول فضيلة" وكانت من أشهر الشخصيات الخيالية التي تروى عنها قصص وحكايات مختلفة للأطفال. جسّدتها دليلة في شكل دمية تعرضها في جميع المعارض التي تشارك فيها. وشهدت إقبالاً كبيراً من قبل الكبار والصغار. تصنع منها عدّة نسخ قد تكون مختلفة قليلاً في الشكل أو الحجم لكنّها تحافظ على طابع الشخصية وميزاتها. 


كذلك، تصنع شخصيات عدّة على غرار البحار التونسي، وشيخ كانت تتذكره منذ كانت طفلة صغيرة كان يتنقل بين البيوت في الجنوب يرتدي العباءة التونسية الصوفية والشاشية حاملاً كيساً صغيراً، يجمع فيه بعض المساعدات على غرار القمح والشعير والزيت. وهكذا، استلهمت شكل الدمى من شخصيات حقيقية مرّت في حياتها منذ كانت طفلة أو أخرى حقيقية كانت تسمع عنها، إلى جانب شخصيات خيالية مشهورة في تونس. 

دليلة العبيدي1


في محلّها الصغير رصفت بعض أقمشتها على الرفوف، فيما جمعت في بعض الصناديق أطراف الدمى المختلفة والمصنوعة من جذوع الأشجار لا سيما شجرة الزيتون. وفي ركن صغير يجلس أحد الحرفيين الذي يساعدها في تشكيل أطراف تلك الدمى من صنع الأيدي والأرجل وجسم الدمية من أغصان الزيتون. كما تساعدها امرأة أخرى في خياطة ملابس الدمى الصغيرة. تقول دليلة إنّ "صنع الدمية الواحدة يشارك فيه خمسة أشخاص. ترسم هي الأشكال التي تريدها ويقوم أحد الحرفيين معها بتشكيل أطراف تلك الدمى فيما تقوم أخريات بخياطة شكل الفساتين أو الملابس وألوانها، بعد أن تحدّد هي شكل الملابس ونوع القماش الذي يجب أن يستعمل. وتطلب من بعض الحرفيين المختصين في صنع المظلات من السعف، صنع مظلات صغيرة الحجم لتزيين دماها. ثم تجمع هي كلّ تلك الأجزاء وتركّب شكل الدمية النهائي قبل عرضها".

دليلة العبيدي1


بدايتها مع صنع الدمى كانت عام 1976، وانطلقت من خلال برنامج تلفزيوني كان يعرض في قناة تونسية. ولم تكن غايتها من حرفتها التجارة أو تحقيق ربح مادي، بقدر ما كانت تريد إيصال رسالة أو التعبير عن قضايا من خلال تلك الدمى، لا سيما أنّها معلمة ابتدائية، وكانت تعتمد على بعض الدمى وأشكالها وقصصها لإيصال بعض الأفكار والرسائل للتلاميذ: "عندما كان الحكواتي سابقاً يسرد القصص، كان الأطفال يتخيلون الشخصيات كلّ وفق خياله، لكنّ سرد القصص غبر عرض الدمى يسهّل على الطفل فهم القصة والعبرة منها. واستيعاب شكل شخصيات القصة على غرار أم السيسي أو البحار أو المهرج أو شكل الفلاح وغيره".

دليلة العبيدي1


تصنع فساتين دماها ببقايا الأقمشة التي تشتريها من بعض الباعة، أو حتى الملابس القديمة، إلى جانب شراء خيوط مختلفة اللون والنوع سواء قطنية أو حريرية، فيما تحصل على أغصان الخشب أو الخيزران من بعض الحرفيين لاستعمالها في صنع أطراف الدمى. وبعدما كانت تصنع وجوه دماها بالجبس، أو تنحت شكل وملامح كلّ دمية ولونها، كانت هذه المادة تكسر بسرعة، فاكتشفت طريقة تستعملها هي فقط لصنع تلك الوجوه من خلال "بودرة" خشب الزيتون الرقيقة وخلطها مع نوع معين من الصمغ حتى تحصل على عجين أبيض تشكل به حجم وشكل وملامح وجوه الدمى، ليصبح صلباً بعد جفافه، ثم تلون كما تريد.


تقول دليلة إنّها تستلهم بعض ملامح الدمى التي تصنعها مما تلاحظه في الشارع في وجوه المارة في الطريق. تحاول تجسيد تلك الملامح كما هي أو كما شاهدتها في الشارع، لكنّها تتلف أحياناً ذلك الوجه الذي لم يعبّر عما أرادت هي التعبير عنه، أو لم يكن بالنتيجة التي كان لا بدّ لها من الوصول إليها. تعرض أسماء الدمى وتاريخ كلّ واحدة منها، خصوصاً تلك الشخصيات التي استنبطتها من شخصيات واقعية أو تلك الخيالية التي عرفت كثيراً في التراث التونسي. كذلك، تحفظ صور بعض دماها التي باعتها منذ سنوات في بعض المعارض سواء الوطنية أو العالمية، لا سيما بعض الدمى التي صنعت منها مجسماً وحيداً ولم تصنع غيره.


حافظت دليلة في أغلب دماها على الزيّ التقليدي التونسي، فكانت الدمى تلبس السفساري أو غطاء الرأس التونسي والشال المزركش بالورد، إلى جانب الشاشية أو المظلة المصنوعة من سعف النخيل، والبرنس الصوفي والجبة التونسية وغيرها من الملابس التقليدية التونسية التي استطاعت من خلالها ترويج دماها خصوصاً في الخارج. 

ذات صلة

الصورة
تخشى النساء على أجنتهن ومواليدهن الجدد (كارل كورت/ Getty)

مجتمع

تواجه النساء الحوامل النازحات إلى مراكز الإيواء المختلفة في لبنان خوفاً كبيراً في ظل غياب الفحوصات الدورية والاستشارات الطبية، ويقلقن على صحتهن وصحة أجنتهن.
الصورة
البنزرتي طالب الاتحاد تحفيز اللاعبين مزدوجي الجنسية (الاتحاد التونسي/العربي الجديد)

رياضة

حقق المدير الفني للمنتخب التونسي فوزي البنزرتي بداية جيدة مع كتيبة "نسور قرطاج"، بعدما حقق فوزين متتاليين، في مستهل تجربته الرابعة مع الفريق.

الصورة
سارة السويسي تونسية تمتهن صيد الأسماك. 8 أغسطس 2024 (فرانس برس)

مجتمع

تسحب سارة السويسي قاربها الصغير على شاطئ جزيرة قرقنة جنوبي تونس، حيث تمتهن بين قليلات صيد الأسماك الذي كان لزمن طويل حكراً على الرجال.
الصورة
مسيرة احتجاجية في تونس للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، 25 يوليو 2024 (العربي الجديد)

سياسة

طالبت عائلات المعتقلين السياسيين في تونس بإطلاق سراحهم بعد مضي سنة ونصف سنة على سجنهم، وذلك خلال مسيرة احتجاجية انطلقت وسط العاصمة.