خلال أيام، قد يُحرم الدمشقيون وزوار العاصمة السورية دمشق من زيارة محل "بوظة بكداش" أشهر محلات البوظة الشرقية وأقدمها في سورية، والذي يقبع وسط سوق الحميدية الشهير. وذلك عقب قرار صادر عن محافظة دمشق التابعة لحكومة النظام بإغلاق المحل بالشمع الأحمر، والذي ينتظر تنفيذه خلال الأيام المقبلة، في حال لم يتوصل أصحاب المحل لتسوية مع السلطات.
المبررات جاءت على لسان مدير الشؤون الصحية في محافظة دمشق، ماهر ريا، في تصريحات أدلى بها لإحدى وسائل الإعلام المحلية، متهماً المحل بارتكاب مخالفات صحية، كانعدام النظافة واستخدام حليب البودرة المصنع وخلط فستق العبيد مع الفستق الحلبي، وهو ما لا يبدو مقنعاً للكثيرين، خصوصاً أن القرار صادر من نظام "يخلط الجندي السوري مع الجندي الإيراني والأفغاني والباكستاني واللبناني والعراقي والروسي، ويغضب لخلط الفستق الحلبي مع العبيد" كما جاء على لسان أحد المعترضين على القرار.
ويعود المحل العريق إلى فترة الحكم العثماني للمنطقة، تأسس على يد محمد حمدي بكداش عام 1895، وكان أول محل في سورية يقوم بصناعة البوظة وبيعها، وقد ساهم بتصدير هذه الصناعة التي لاقت استحساناً كبيراً في ذلك الحين إلى العديد من المدن والمناطق المحيطة، في الوقت الذي لم يكن هناك أي آلات لصنع البوظة. ويشتهر المحل ببيع للبوظة اليدوية التقليدية حتى هذا اليوم، والمعروفة ببوظة "الدق"، والتي تحتوي على السحلب والمستكي.
ويرتبط اسم المحل الذي يصل عمره اليوم لأكثر من قرن من الزمن، ويديره الجيل الثالث من العائلة المؤسسة، ارتباطاً وثيقاً بسوق الحميدية، فما إن تسأل أي زائر لدمشق عن المعالم التي يرغب بزيارتها في دمشق، سيجيب "سوق الحميدية وبوظة بكداش".
عادة ما يتناول رواد هذا المكان الحلويات والبوظة الشامية على إيقاع الدقات الخشبية، حيث يقوم صانعو البوظة بدقها بطريقة يدوية، أمام أعين الزبائن والمارة، مستعينين بسواعدهم القوية ومدقات خشبية ضخمة، في مشهد استعراضي محبب، يظهر مهاراتهم اليدوية في صناعة البوظة في الوقت الذي تعتمد فيه معظم المحال الأخرى على الآلات، وهو ما يضفي على البوظة نكهة مميزة وقواماً مطاطياً.
وتعد زيارة "بوظة بكداش" أحد الطقوس التي يداوم عليها الكثير من الدمشقيين أسبوعياً، ومنهم محمد (31 عاماً ـ دمشق) والذي يصف نفسه بأنه مدمن على ارتياد هذا المحل، قائلاً "في كل يوم جمعة أخرج مع زوجتي وطفلي لنمشي في شوارع دمشق القديمة ونأكل المثلجات لديه، من المعروف أن معظم المطاعم في دمشق غالية جداً ولا قدرة لجميع الدمشقيين على ارتيادها، أما بكداش فهو من الأماكن الشعبية التي تعج بالزبائن في كل الأوقات، صيفاً شتاءً"، ويضيف "ارتباطنا بهذا المحل يعود لسمعته الجيدة ولذة حلوياته وأسعاره المعقولة".
وساهم المحل بتدريب المئات من صانعي الحلويات في المنطقة، ومنهم شكري الذي عمل لمدة سنتين في المحل قبل أن يتقن الصنعة ويسعى لافتتاح محله الخاص عام 2005. يقول "منذ ذلك الوقت كان الناس يأتون من كل المحافظات السورية لزيارة المحل وتذوق الحلويات والبوظة فيه، ومن الطبيعي أن يغضب الكثيرون لإغلاقه، فكل من يقصدون دمشق القديمة وسوق الحميدية لا بد أن يقصد بكداش". ويضيف "المبررات المقدمة ليست منطقية، الأولى أن يعملوا على توفير كميات الحليب الكافية في الأسواق قبل أن يعاقبوا على استخدام الحليب الصناعي.
نسمع كثيراً عن ضغوط يتعرض لها أصحاب المحلات في المناطق المزدحمة في دمشق، ليبيعوا محلاتهم بغرض استثمارها من قبل أياد إيرانية في البلاد، لا يجرؤ أصحاب هذه المحلات على تأكيد الأمر علناً، لكنه محتمل جداً، ومن غير المستبعد أن يكون الأمر مجرد استفزاز من قبل الشؤون الصحية للحصول على رشوة كبيرة".
ولطالما كان المحل عامل جذب سياحي، يقصده الكثير من الزوار من داخل سورية وخارجها. وبالرغم من تواضع وبساطة تصميمه الداخلي، وطابعه الشعبي المميز، واكتظاظه شبه الدائم بالزبائن، فقد استقبل على مدار السنوات الماضية العديد من الشخصيات السياسية العربية والأجنبية الشهيرة، والتي يجد الزبائن صوراً لبعضهم معلقة على جدران المحل، منهم العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وملك المغرب محمد السادس، والسلطان عبد الحميد خلال فترة الحكم العثماني، إضافة إلى عدد من الشخصيات الفنية والوجوه التلفزيونية، وأشهرهم أم كلثوم وعبد الوهاب.
ونظراً لشهرة المحل وارتباط السوريين به تم افتتاح العديد من المحلات التي تحمل الاسم نفسه في العديد من الدول العربية والأجنبية، كتركيا والأدرن ولبنان.