ولم تتردد وسائل الإعلام، إضافة إلى الناشطين ومواقع التواصل الاجتماعي، في وصف المراسم التي أقيمت في دمشق بـ"غير المسبوقة"، في ظلّ مشاركة لافتة من مناصري النظام، من سورية ولبنان والعراق وإيران، فضلاً عن عناصر المليشيات التي تقاتل إلى جانب قوات النظام. وبدا لافتاً رفع لافتات في الشوارع إحياء للمناسبة، تزامناً مع مجالس عزاء، ومسيرات لطم، رُفعت فيها أعلام خضراء، وسط الموسيقى والأناشيد الدينية في العديد من الأماكن.
وتابعت قناة "الكوثر" القريبة من إيران، مراسم الإحياء في أحياء الجعفر الصادق وزين العابدين وحي الأمين، إضافة إلى حيّ السيدة زينب في ريف دمشق.
وكانت مراسم إحياء عاشوراء تجري، خلال السنوات الماضية خارج دمشق وبشكل محدود وخجول، ومن دون تغطية إعلامية، لكن يبدو أن الدور الفاعل الذي تقوم به المليشيا المسلّحة إلى جانب قوات النظام، أعطى زخماً للحضور الشيعي في دمشق، وبات هذا الحضور بشقيه الديني والمسلّح مظهراً اعتياديّاً على الرغم من التذمّر الخفي للسكان الدمشقيين الذين لم يعتادوا على هذه المظاهر، وعلى اللهجات الغريبة وحتى اللغات الأجنبيّة للوافدين الجدد.
وقال متحدثون في تقارير، بثتّها قناة "الكوثر"، إنّهم استطاعوا إحياء بعض الفعاليات "بفضل دماء الشهداء الذي ضحوا بأنفسهم دفاعاً عن مرقدَي السيدة زينب والسيدة رقية".
وتشارك مليشيات مسلّحة، مثل "أبو الفضل العباس" و"عصائب الحق" و"أبو ذر الغفاري" فضلاً عن "حزب الله" اللبناني و"حزب الله" العراقي وقوات من الحرس الثوري الإيراني في القتال إلى جانب قوات النظام، سواء في دمشق وريفها، أم في بقيّة المدن السورية.
وإضافة إلى قوات الأمن السوريّة، انتشر مسلحون من "اللجان الشعبيّة"، وهي مليشيات تشكّلت في أحياء دمشق، لحماية أماكن إحياء المراسم وتفتيش الأفراد والسيارات خشية وقوع تفجيرات بين المحتفلين.
ويُلاحَظ إطلاق الشيعة تسميات جديدة على بعض أحياء دمشق التي لهم فيها بعض الوجود، إذ أطلقوا اسم "الجعفر الصادق" على حي الجورة في دمشق القديمة، و"زين العابدين" على أحد أحياء الصالحيّة في قلب العاصمة، وحي الأمين الذي كان يسمى الخراب بعد تعرّضه للتدمير إثر هزّة أرضيّة.
وبحسب كتاب البعث الشيعي في سورية 1919-2007، والذي أعدته مجموعة من الباحثين السوريين، فإن الشيعة في بلاد الشام كانوا جيوباً قليلة متفرّقة، وكانت نسبتهم حتى عام 1953 لا تزيد عن 0,4 في المائة من سكان البلاد، وكانوا "يستعملون التقية ويُصلّون في مساجد السنّة ويحضرون مجالسهم، ولم يكن أحد يستطيع أن يفرّق بينهم وبين أهل السنّة".
لكن منذ بداية السبعينيات، ومع قدوم الرئيس السوري الراحل، حافظ الأسد، إلى السلطة، دخلت أعداد كبيرة من العراقيين الشيعة إلى سورية، ومنهم حسن مهدي الشيرازي الذي كان له دور كبير في تعزيز الحضور الشيعي في سورية خلال فترة السبعينيات وإصدار فتاوى تعتبر العلويين جزءاً من الشيعة. وتُوّجت جهود الشيرازي بتأسيس أول حوزة علميّة في دمشق وسورية عام 1976، وهي التي عرفت باسم "الحوزة الزينبيّة".
وجاء التحالف بين النظام السوري والثورة الإيرانيّة بعد عام 1979 ليزيد من زخم الحضور الشيعي في سورية ولبنان، وهو ما تُوّج بتشكيل "حزب الله" اللبناني كثمرة لهذا التعاون.
لكن الأسد الأب كان حريصاً على ألا تتجاوز أفكار الثورة الإيرانيّة في سورية، أبعادها المذهبيّة إلى الأبعاد السياسيّة، وفرض في عهده قيوداً على عمل المؤسّسات الإيرانيّة والشيعية، كما عمد في مراحل مختلفة إلى إغلاق المعاهد والمؤسّسات، وحتى المراكز الصحيّة الممّولة إيرانيّاً، وحتى عام 1995 لم يكن يوجد في سورية سوى حوزتين، ليرتفع العدد بعدها إلى خمس بعد خمس سنوات.
واستمدّ المدّ الشيعي زخماً في عهد الرئيس الحالي، بشار الأسد، وانتقل التشيّع تدريجيّاً من حالته المذهبيّة إلى حالة سياسيّة وأمنيّة متغلغلة في كلّ أجهزة الدولة، خصوصاً مع تزايد التحدّيات التي تواجه النظام، والتي دفعته إلى الاعتماد المتزايد على إيران و"حزب الله".
وترافق ذلك مع انتشار ظاهرة التشيّع في العديد من المدن السورية، خصوصاً في الأوساط الفقيرة من درعا جنوباً إلى حلب شمالاً والرقة ودير الزور شرقاً، إذ تراخت المراقبة الأمنيّة أمام المؤسسات الإيرانيّة التي تعمل تحت لافتات مختلفة دعويّة وخيريّة.
وخلال الفترة الممتدّة بين 2001 و2006، تم إنشاء 12 حوزة في سورية، مثل الحوزة الحيدريّة وحوزة الإمام جواد التبريزي والإمام الصادق، والرسول الأعظم والإمام المجتبى والإمام الحسين. كما أنشئت خلال هذه الفترة ثلاث كليات للتعليم الديني، في منطقة السيدة زينب في ريف دمشق.
وافتُتحت خلال عام 2003، أول جامعة إسلامية متخصّصة في العلوم الدينيّة، وتبع ذلك تأسيس "مديريّة الحوزات العلميّة" في دمشق، والتي باشرت عملها عام 2005، خارج رقابة التعليم الديني في سورية.
وتُشكل بعض المناطق في دمشق وريفها، منطلقاً لعمليات التشيّع مثل السيدة زينب، والتي تحوّلت بالتدريج إلى أكبر مركز للطائفة الشيعية في سورية، وتضمّ أكبر حوزة في العالم بعد النجف وقم.
وفي بلدة داريا قرب دمشق، والتي تُعتبر اليوم معقلاً لقوات المعارضة، قام الإيرانيون قبل الثورة السورية ببناء قبر كبير فوق أحد القبور القديمة، واشتروا أراضي محيطة بالقبر، وبدأ الزوار الإيرانيون يتوافدون بالآلاف على المكان بعد إنشاء حسينيّة ضخمة في المكان، باسم مقام السيدة سكينة، ومنهم الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، في عام 2006.