دورتموند ما بعد كلوب..لماذا توخيل هو الرجل المناسب؟

18 ابريل 2015
+ الخط -


حينما فاز بروسيا دورتموند الألماني على ريال مدريد الإسباني بأربعة في دوري أبطال أوروبا 2013، أكد يورجن كلوب، مدرب الفريق بأن الـ"جيجن برسينج" هو صانع اللعب الأول ونجم الفريق الحقيقي، لا ماريو جوتزه، ولا ماركو رويس، وحتى الأمر لا يتعلق بالهداف البولندي ليفاندوفيسكي، الرجل الذي أمطر شباك الميرنجي بأربعة أهداف.

جيجن برسينج
"GegenPressing" كلمة ألمانية كروية بحتة، منتشرة بشدة داخل الأوساط الكروية في البوندسليجا، مثلها مثل أنصاف المسافات، وتعني الضغط من منتصف الملعب، وإغلاق كافة الطرق أمام خط الوسط، وبمجرد قطع الكرة، تبدأ المرتدة القاتلة من منطقة المناورات وحتى خط المرمى، وهذا ما فعله دورتموند أمام الريال مرتين خلال عامين متتاليين في ملعب السيجنال أيدونا بارك.

لذلك اشتهر أسود الفيستفالين بالقدرة على الدفاع أثناء الهجوم، وتطبيق كافة التركيبات الهجومية من الوضعية الدفاعية، أثناء الضغط على المنافس ومحاولة قطع الكرة منه، لذلك تكمن قيمة دورتموند في لعبة "التحولات"، التي انتشرت بشدة في السنوات الأخيرة، وأصبحت موضة حقيقية تخص الفرق الكبيرة في البطولات الأوروبية، هكذا صنع يورجن كلوب شيئاً من لا شيء.

أشياء لا تُشترى
في مقال قديم له بلاجازيتا الإيطالية، تحدث المدرب الخبير، أريجو ساكي، عن تجربة بروسيا دورتموند، وأكد أن هذا الفريق يمثل دليلاً قويّاً على استحالة شراء أسلوب ونموذج اللعب، لأن هذه الأمور الفنية غير قابلة أبداً للبيع أو الشراء. العمل الجاد، الفكر المنظم، الأفكار الجديدة، والجماعية المفرطة، أسلحة تفوق بها دورتموند على أعتى المنافسين، سواء في الدوري الألماني أو عصبة الأبطال في أكثر من موسم، ليضع نفسه رغم قلة الإمكانيات في مصاف الكبار داخل أروقة القارة العجوز.

ليس السؤال أيهما أفضل، 4-4-2 أم 4-2-1-3 ولكن في ديناميكية الفريق، ومسألة وجود رابط شامل يسير الكل على خطاه. وبمعنى آخر، الفريق يصبح لاعباً واحداً فقط، في الهجوم وفي الدفاع وفي كل الحالات. الفرق الكروية الآن قليل منها من يلعب بهذه الفلسلفة أما البقية فعملها الفردي يكون أكبر، لذلك هي فرق رائعة لكن، أبداً، لن تصل إلى مرحلة العظمة.

وبالتالي فحينما يتم تقييم تجربة يورجن كلوب مع دورتموند، فإن المقياس لن يكون أبداً عدد البطولات فقط، لأن هذه الأرقام تحفظ تلقائياً في سجلات التاريخ، لكن ستبقى طريقة اللعب خالدة في كتب كرة القدم ومراجعها الفكرية، فالمدرب غريب الأطوار صنع لنفسه ولناديه منهج خاص جداً، وصل به إلى أعلى مستوى ممكن، وحوّله إلى تجربة فريدة، يسعى الجميع إلى تقليدها أو الحد من خطورتها، وهذا هو النجاح بعينه.

وماذا بعد؟
أعلن يورجن كلوب الرحيل الرسمي بنهاية الموسم الحالي، لتنتهي المسيرة الطويلة مع دورتموند، ويبدأ الفريق الألماني في البحث عن قائد جديد، خصوصاً أن الزمن لن يتوقف بعد هذه الحقبة، وبدأت الصحف في عرض معظم المرشحين لهذا المنصب، وكانت هناك خيارات عديدة، بداية من روجير شميدت المدرب الحالي لباير ليفركوزن، كذلك مارسيلو بيلسا، رودي جارسيا، ستيفانو بيولي، وأخيراً المرشح الأوفر حظاً من وجهة نظر معظم الصحف الألمانية، توماس توخيل، المدير الفني السابق لماينز.

توخيل لا يدرب أي نادٍ حالياً، ويأتي من فريق ماينز، المكان الذي انتقل منه أيضاً يورجن كلوب قادماً إلى دورتموند، مع عامل السن الصغير والمستقبل الكبير، فإن توماس هو البديل الأكثر أماناً لكتيبة الإيدونا بارك. وبعد ابتعاده عن الملاعب وجلوسه في بيته لمدة تصل إلى 12 شهراً، فإن كل الطرق تقودنا إلى نهاية محتملة لهذا السيناريو، توخيل الاسم القادم لشغل مكان يورجن كلوب في البوندسليجا.

التكتيكي الحديث
توخيل نموذج للمدرب الشاب القادر على وضع استراتيجية تكتيكية خاصة، تضم خيارات عديدة وبدائل متنوعة، من أجل استخدامها حسب قدرات المنافس وظروف المباريات، لذلك من الصعب جداً حصره في خانة واحدة، أو التأكيد على استخدامه تكتيكاً معيناً خلال رحلته الكروية السابقة. لذلك لعب ماينز بأكثر من خطة واستراتيجية تحت قيادته خلال السنوات القليلة الماضية.

وعُرف عن أسلوب المدرب حبه للتغيير أثناء المباراة، من الدفاع العالي والضغط المتقدم إلى العودة إلى الخلف وحماية المرمى من أجل المرتدات. وأمام بايرن ميونخ الموسم الماضي، فاجأ توخيل الجميع بخاصية الضغط العالي، ووضع كامل الخطورة على دفاعات البافاري، عن طريق أربعة لاعبين دفعة واحدة في الثلث الهجومي الأخير، مع إغلاق الخط الجانبي تماماً بثنائي على كل طرف، مع ضم محاور الارتكاز إلى الطرف لمزيد من الحماية.

وخلال الشوط الثاني من نفس المباراة، تم قلب الخطة تماماً بالعودة كثيراً إلى الخلف، والتحول من 4-2-3-1 الهجومية إلى 4-5-1 الدفاعية، بوضع لاعب واحد فقط في الأمام، وإغلاق منطقة الوسط بخماسي صريح، مع مراقبة لاعب ارتكاز المنافس بشكل فردي، لمنعه من استقبال الكرات وتمريرها إلى الأمام، وحصل ماينز تحت قيادة توخيل على مراكز متقدمة بالدوري، منها الخامس والسابع في سنوات سابقة.

الخطة المتوقعة
يلعب توماس توخيل بأكثر من خطة، 4-2-3-1، 4-1-4-1، و 4-5-1 لكن في النهاية من الممكن أن ينتهي إلى طريقة دورتموند المفضلة، ألا وهي 4-2-3-1 كما فضّل كلوب، لكن مع بعض التغييرات التي تكمن في طريقة الضغط، أسلوبه، نسقه، وبالطبع توقيته أثناء المباريات، فالمدرب الحالي يورجن يفضل دائماً الدفاع المتقدم، والرغبة في قطع الكرة من منتصف ملعب المنافس لتطبيق المرتدة السريعة، مستخدماً أسلوب اللعب المباشر العمودي من الخلف إلى الأمام.

لكن توماس مختلف بعض الشيء، صحيح أنه يؤمن بالضغط والدفع إلى الأمام، لكنه براجماتي واقعي بشكل أكبر، ويفضل المزج بين النهج الهجومي والتحفظ الدفاعي في نفس الخطة، لذلك سيستمر دورتموند في تطبيق أفكاره وتقاليده الكروية المعروفة، مع تأمين دفاعي أكبر وقدرة على تسيير مجريات اللعب حسب ظروف وأجواء المنافسة، لذلك من المتوقع أن تحصل التجربة الجديدة على حقها من الوقت، لأن الأمور لن تكون على ما يرام منذ اللحظة الأولى، كل مدرب وله مفتاحه الخاص.

بعيداً عن الفنيات
نادي مثل بروسيا دورتموند له ميزانيته الخاصة، ووصل إلى المجد نتيجة جهد كبير داخل الملعب وخارجه، لأن النجاح لم يكن في طريقة اللعب والمكسب فقط، بل في تحقيق هذا المكسب بأقل قدر ممكن من الإمكانيات، لذلك يجب أن يكون المدير الفني للفريق وفيّاً ومقدراً لهذه الاستراتيجية في التفكير، الخاصة باستخدام "كرة المال" في تحديد الأولويات، وشراء الأسماء التي تفيد الخطة، ولا ترهق الإدارة المالية بأي شكل من الأشكال.

توماس توخيل مثل كلوب ومعظم المدربين في البوندسليجا، يعرف كيف يُنتج قماشة راقية بأقل التكاليف المتاحة، لأن نقص المال في النهاية يعني مزيداً من الأفكار، ورغبة أكبر في الابتكار، ومدرب في هذا السن الصغير يحتاج إلى تحديات بهذه القوة، من أجل إثبات نفسه ومساعدة بروسيا في العودة من جديد إلى منصات التتويج، حيث أن الشغف في النهاية لن ينتهي برحيل كلوب، فالحب والعشق والجنون، مشاعر يُتقنها بشدة جمهور هذا الفريق المحبوب، في انتظار تجربة جديدة أكثر جنوناً.

المساهمون