في ذكرى النكبة، نكبة العرب الأولى، نكبة فلسطين، نستعيد ذاكرة عسكري هو رئيس أركان الجيش العراقي الأسبق، الفريق صالح الجبوري، ممن اشتركوا في حرب فلسطين 1948
كتب الفريق صالح صائب الجبوري مذكراته بعنوان "محنة فلسطين وأسرارها السياسية والعسكرية" عام 1965 وصدرت لأول مرة عام 1970، وأعاد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات نشر هذه المذكرات في إطار برنامجه لتقديم مذكرات وشهادات العديد من الشخصيات السياسية والاجتماعية العربية.
تولى الجبوري رئاسة أركان الجيش العراقي أواخر عام 1944 وحتى عام 1951 وشغل بعد تقاعده من الجيش وحتى قيام ثورة 12 تموز/يوليو عام 1958 مناصب وزارية عديدة. وشارك بصفة رئيس أركان الجيش العراقي في اجتماعات رؤساء أركان الجيوش العربية والعديد من اجتماعات بين الأمير عبد الإله، الوصي على العرش في العراق، والرؤساء والملوك العرب. تركز مذكراته على دور الجيش العراقي وحقيقة ما أشيع عنه "ماكو أوامر"، كما يورد في الكتاب الكثير من المراسلات والوثائق التقارير المتعلّقة بهذه الحرب.
قرر الرسميون العرب دخول الحرب يوم 15 مايو/أيار 1948 ووافقوا على الهدنة الأولى يوم 11 يونيو/حزيران، ومدتها أربعة أسابيع وحصلت اشتباكات بين الأطراف العربية بعدها إلى أن وقعت مصر وسورية ولبنان والأردن اتفاقيات للهدنة الدائمة.
اتفقت الحكومة المصرية والصهاينة على وقف القتال في7 ديسمبر/كانون الأول 1949، وبدأت محادثات في جزيرة رودس وتم التوقيع على اتفاق الهدنة في 24 فبراير/شباط 1949، بينما وقعت الحكومة الأردنية اتفاق الهدنة في 3 أبريل/ نيسان 1949 في رودس، ووقع لبنان الاتفاق في رأس الناقورة اللبنانية في 22 مارس/اذار وتأخر توقيع الهدنة السورية حتى 20 يوليو/تموز.
القوات العراقية لم تدخل بمفاوضات الهدنة وسلمت مواقعها إلى القوات الأردنية وانسحبت في أبريل/ نيسان إلى الأردن، ومن ثم إلى العراق بنهاية يوليو/تموز 1949.
قبل الحرب: الزمن يسبقنا دائماً
رغم قرار رؤساء الوفود العرب في اجتماعهم في عاليه في لبنان أوائل شهر أكتوبر/تشرين الأول 1947 تشكيل لجنة عسكرية لدراسة الوضع العسكري في فلسطين، إلا أن الاجتماع العسكري اقتصر على لبنان وسورية وفلسطين وغاب الممثلون العسكريون عن الحكومات المصرية والأردنية واليمنية والسعودية، وأوصت اللجنة بإشراك الجيوش العربية النظامية في القتال، وتشكيل قيادة عربية موحدة تخضع لها القيادة الخاصة لقوات كل بلد وأيضاً القوات الفلسطينية. إلا أن المفتي الحاج أمين الحسيني رفض تعيين شخص رشحته اللجنة العسكرية العربية، ما أخّر تعيين قائد للقوات الفلسطينية هو فوزي القاوقجي شهرين.
اتخذت الجامعة العربية في 7/ 12/ 1947 قراراً بعدم قبول التقسيم وتزويد اللجنة العسكرية بعشرة آلاف بندقية حصة كل من العراق والسعودية ومصر وسورية 500 بندقية لكل منها و300 بندقية من لبنان و200 من الأردن وثلاثة آلاف متطوع ومبلغ مليون جنيه من دون الأخذ بتوصية اللجنة العسكرية التي اتخذت من دمشق مقرا لها بإشراك الجيوش النظامية أو إلغاء امتيازات التنقيب عن النفط.
وقد سلم العراق، حسب المؤلف، حصته وزيادة من السلاح والتزمت سورية بتعهدها فبينما سلمت مصر 1200 بندقية من أصل الألفين وسلمت السعودية 1600 بندقية غير أن "أكثر من نصفها كانت غير صالحة للاستعمال بالمرة، فأعادتها اللجنة العسكرية إلى ممثل السعودية الشيخ يوسف ياسين ولم تستلم عوضها". وسلمت الأردن نصف ما تعهدت به من الأسلحة والعتاد.
ورغم أن الجامعة العربية أعادت التأكيد على قرارتها السابقة في القاهرة شهر فبراير/شباط 1948 وتشكيل لجنة عليا. إلا أن مصر واليمن غابت عنها، في حين لم يحضر ممثلا الأردن والسعودية الا جلستين، وكذلك ألغي اجتماع مقرر لرؤساء أركان الجيوش العربية حيث رأت فيه الحكومة المصرية "تهديداً للأمن الدولي" بحجة أن قضية فلسطين تبحث في مجلس الأمن.
يورد المؤلف تقريراً رفعه القائد العام لقوات فلسطين اللواء إسماعيل صفوت، يقر فيه أن القوات العربية لا تستطيع إنجاز نصر وإنما فقط إدامة القتال.. "والجيوش العربية لا تستطيع أن تكون مستعدة للعمل عند حلول موعد انتهاء الانتداب، وسيسبقنا الزمن كما سبقنا قبلا".
أصر ملك الأردن عبد الله أن يكون قائد الجيوش العربية وإلا لن يشارك جيشه بالقتال. وبالفعل تم إسناد القيادة له على أن يتولاها فعلياً عسكري محترف بعد زيارة في 28 أبريل/نيسان 1948، أي قبل النكبة بأيام، قام بها رئيسا وزراء لبنان وسورية ووفد من العراق برئاسة الأمير عبد الإله والأمين العام للجامعة العربية عبد الرحمن عزام.
وحتى الثاني أو الثالث من إبريل/نيسان لم يكن هناك قرار عملي بتوجه الجيوش النظامية إلى حدود فلسطين وبعد مناقشات في عمان تم أخذ قرار بتحشيد الجيوش المتاخمة لفلسطين في داخل أراضي كل دولة عربية وأن تبقى القوة العراقية في الأردن، وخصصت مصر لواء واحدا.
انسحاب القوات الأردنية من فلسطين
كانت القوات الأردنية موزعة في فلسطين وقائمة بمعاونة القوات الإنجليزية. وقبل انتهاء مدة الانتداب البريطاني على فلسطين يوم 15 مارس/آذار سنة 1948 وبعد انسحاب القوات الإنجليزية، سحبت القوات الأردنية أيضاً من فلسطين مما "هيأ للصهاينة فرصة ثمينة للاستيلاء على معظم الأماكن المهمة، والتجاوز على القسم العربي، وخاصة الأحياء العربية في القدس.
لو أرادت القيادة الأردنية إنقاذ الموقف في القدس واشتركت قواتها في القدس في أيامها الأولى لتغير الموقف العام تغيراً كاملاً وأصبحت القدس بأكملها بيد العرب".
بدء القتال
تقدمت الجيوش العربية، باستثناء الجيش اللبناني، يوم 15مارس/آذار 1948 مجتازة الحدود الفلسطينية لكن بدون تنسيق مع بعضها ودون التزام بقرار القيادة الموحدة، فالجيش الأردني "لم يرسل أي قوة إلى جسر الشيخ حسين في منطقة بيسان، ولا إلى جنين والعفولة".
ولم ينفّذ قائد الجيش الأردني غلوب باشا ما طلب منه مثل دخول مدينة القدس، حتى ولو كانت الأوامر صادرة عن الملك عبد الله الذي كان يتملقه كما حصل باجتماع القصر الملكي في عمان يوم 19 مايو/أيار 1948 بين الملك عبد الله والأمير عبد الإله وعبد الرحمن عزام وبحضور المسؤولين العسكريين العرب.
ماكو أوامر
يرى المؤلف أن العبارة التي اشتهرت عن الجيش العراقي ودوره "ماكو أوامر" هي "نكتة.. تنطوي على التعريض بالجيش العراقي وقادته واتهامه بأنه لم يقاتل لأنه لم تكن لديه أوامر بالقتال". ويرجعها إلى هزيمة العرب في حرب فلسطين.. ونشوء خلافات أساسية بين أنظمة الحكم في المعسكر العربي، تحولت إلى خصومات حادة، فتكتلات متناحرة تتبادل التهم والأقوال الجارحة.
كانت القوات العراقية أكبر القوات العربية التي اشتركت في حرب فلسطين، فقد أرسل العراق جميع قطعات جيشه المقاتلة ولم يبق منها شيء في العراق، كما أرسل فوجين من الشرطة أيضاً إلى فلسطين وكان يجهز لواء من المتطوعين الآشوريين
وقد قام حسب المؤلف بدوره، فحين تخاذل الآخرون "لم يقم الجيش الأردني بقيادة الفريق غلوب بتنفيذ أوامر الملك عبد الله بالتحرك نحو جسر الشيخ حسن وبيسان ومن جنين إلى عفولة، وقد حقق ذلك للصهاينة حرية العمل ضد القوات العراقية في معركة كيشر، كما عرّض جناحيها لخطر الالتفاف عليها".
وبالعكس أنجد العراقيون الجيش الأردني في باب الواد واللطرون... أما الجيش المصري فلم نعلم أنه قام بأي عمل، وكذلك الجيش السوري وجيش الإنقاذ".
ويسرد المؤلف حالات خذلان كما حصل "عندما كان موقف القوات العراقية دقيقاً جداً في منطقة جنين، لقيام الصهاينة بهجومهم القوي في أوائل يونيو/حزيران 1948، أرسلت القيادة العامة برقية إلى القوات السورية وإلى جيش الإنقاذ طلبت فيها قيامهما بحركات تعرضية في منطقة بنت جبيل لتخفيف الضغط عن القوات العراقية. ولكن لم تقم تلك القوات بأية حركة لهذا الغرض".
اقرأ أيضاً: النكبة.. جرح عصي على الالتئام
وكما فعل العراقيون مع الأردنيين كذلك فعلوا مع المصريين إذ "أرسل الجيش العراقي فوج الاحتياط الوحيد الذي بقي تحت تصرفه، عندما صار الموقف حرجاً في الجبهة المصرية في نوفمبر/تشرين الثاني 1948، وذلك للمساهمة في فك الحصار عن القوة المحاصرة في الفالوجة. وقد بقي الفوج بإمرة القيادة المصرية خمسة أسابيع إلى أن طلبت هي إعادته.
كما طلبت الجهات المصرية بإلحاح إرسال طائرات فيوري العراقية الثلاث التي كانت تعمل من مطار دمشق، وكانت هذه كل ما يملكه الجيش العراقي آنذاك، إلى مطار ألماظة، فسلمت إليهم واستعملت من قبلهم وأتلفت".
بين الهدنتين والخسارة
يورد المؤلف استنتاجاته، مدعومة بمحاضر جلسات العسكريين العرب وأيضاً بعض اللقاءات مع رؤساء الحكومات والرؤساء والملوك العرب، حيث يقول: "لم يستفد الجانب العربي من فترة الهدنة الأولى، بل وكانت وبالا عليه، فلم تتفق الحكومات العربية على خطة عمل موحدة.. وعلى العكس فإن الصهاينة استفادوا من فترة الهدنة.. وظهرت عندهم دبابات استخدموها لأول مرة".
ويورد الجبوري محضر اجتماع لمؤتمر القاهرة العسكري والذي عقد في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 1948 وقد حضرته هيئات أركان الجيوش العربية، هو يلخص أسباب النكبة فقد ثبت، حسب التقرير، أن اليهود متفوقون من حيث العدد والتسليح والسيطرة الجوية والذخيرة والاستحكامات وهذا ما أجبر القوات العربية على اتخاذ موقف الدفاع، وهذا ما سيؤدي إلى الخسارة.
الجيوش العربية:
يورد المؤلف تقريراً رفعه إلى القيادة العراقية بتاريخ 21 / 9/ 1949 بعد زيارته إلى فلسطين وتفقده للقوات العراقية هناك:
إن موقف الجيوش العربية العاملة في فلسطين في الوقت الحاضر يلخص بما يلي:
أ -الجيش اللبناني: مرابط في الناقورة داخل حدوده، لم يتمكن من دخول الأراضي الفلسطينية والتأثير على العدو ومجهوده، منذ بدء الحركات حتى الآن، وذلك بسبب قلة عدده، والنقص في التدريب والتسليح.
ب -الجيش السوري: ترابط قطعاته في منطقة جسر بنات يعقوب ولم يقم بعمل يذكر حتى الآن سوى احتلاله مستعمرة مشمار هايردن الواقعة عند الحدود، ولا يؤمل منه التوغل داخل الأراضي الفلسطينية والتأثير على الموقف العسكري العام تأثيرًا فعالاً بوضعه الحالي.
ج -الجيش العراقي: يعمل في منطقة واسعة جدًا، وترابط وحداته في جبهات متباعدة استنزفت معظم وحداته، وهو بحاجة إلى بعض أنواع الأعتدة التي أصبحت بكميات محدودة وإلى قوة جوية واسعة.
د -الجيش الأردني: يعمل في مدينة القدس ومنطقة اللطرون وباب الواد، وإنّ وحداته موزعة وليس لديه الاحتياط المطلوب للتعرض الناجح، ويفتقر إلى بعض أنواع الأعتدة أيضًا.
ه -الجيش المصري: بالرغم من أنه أكبر الجيوش العربية عددًا وعُددًا، إلا أنه لم يشرك سوى قطعات قليلة لا تتناسب وحجمه والمجهود المؤمل منه، وهو يرابط في منطقة النقب وقواته الأمامية في كل من بيت لحم، والخليل، وبيت جبرين، وأسدود. وإنه لا يفكر في استئناف القتال والتقدم أكثر من ذلك، أي إنه لن يتعاون مع القوات العربية الأخرى في الحركات المقبلة.
اقرأ أيضاًَ: الذاكرة ليست حفل تأبين
كتب الفريق صالح صائب الجبوري مذكراته بعنوان "محنة فلسطين وأسرارها السياسية والعسكرية" عام 1965 وصدرت لأول مرة عام 1970، وأعاد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات نشر هذه المذكرات في إطار برنامجه لتقديم مذكرات وشهادات العديد من الشخصيات السياسية والاجتماعية العربية.
تولى الجبوري رئاسة أركان الجيش العراقي أواخر عام 1944 وحتى عام 1951 وشغل بعد تقاعده من الجيش وحتى قيام ثورة 12 تموز/يوليو عام 1958 مناصب وزارية عديدة. وشارك بصفة رئيس أركان الجيش العراقي في اجتماعات رؤساء أركان الجيوش العربية والعديد من اجتماعات بين الأمير عبد الإله، الوصي على العرش في العراق، والرؤساء والملوك العرب. تركز مذكراته على دور الجيش العراقي وحقيقة ما أشيع عنه "ماكو أوامر"، كما يورد في الكتاب الكثير من المراسلات والوثائق التقارير المتعلّقة بهذه الحرب.
قرر الرسميون العرب دخول الحرب يوم 15 مايو/أيار 1948 ووافقوا على الهدنة الأولى يوم 11 يونيو/حزيران، ومدتها أربعة أسابيع وحصلت اشتباكات بين الأطراف العربية بعدها إلى أن وقعت مصر وسورية ولبنان والأردن اتفاقيات للهدنة الدائمة.
اتفقت الحكومة المصرية والصهاينة على وقف القتال في7 ديسمبر/كانون الأول 1949، وبدأت محادثات في جزيرة رودس وتم التوقيع على اتفاق الهدنة في 24 فبراير/شباط 1949، بينما وقعت الحكومة الأردنية اتفاق الهدنة في 3 أبريل/ نيسان 1949 في رودس، ووقع لبنان الاتفاق في رأس الناقورة اللبنانية في 22 مارس/اذار وتأخر توقيع الهدنة السورية حتى 20 يوليو/تموز.
القوات العراقية لم تدخل بمفاوضات الهدنة وسلمت مواقعها إلى القوات الأردنية وانسحبت في أبريل/ نيسان إلى الأردن، ومن ثم إلى العراق بنهاية يوليو/تموز 1949.
قبل الحرب: الزمن يسبقنا دائماً
رغم قرار رؤساء الوفود العرب في اجتماعهم في عاليه في لبنان أوائل شهر أكتوبر/تشرين الأول 1947 تشكيل لجنة عسكرية لدراسة الوضع العسكري في فلسطين، إلا أن الاجتماع العسكري اقتصر على لبنان وسورية وفلسطين وغاب الممثلون العسكريون عن الحكومات المصرية والأردنية واليمنية والسعودية، وأوصت اللجنة بإشراك الجيوش العربية النظامية في القتال، وتشكيل قيادة عربية موحدة تخضع لها القيادة الخاصة لقوات كل بلد وأيضاً القوات الفلسطينية. إلا أن المفتي الحاج أمين الحسيني رفض تعيين شخص رشحته اللجنة العسكرية العربية، ما أخّر تعيين قائد للقوات الفلسطينية هو فوزي القاوقجي شهرين.
اتخذت الجامعة العربية في 7/ 12/ 1947 قراراً بعدم قبول التقسيم وتزويد اللجنة العسكرية بعشرة آلاف بندقية حصة كل من العراق والسعودية ومصر وسورية 500 بندقية لكل منها و300 بندقية من لبنان و200 من الأردن وثلاثة آلاف متطوع ومبلغ مليون جنيه من دون الأخذ بتوصية اللجنة العسكرية التي اتخذت من دمشق مقرا لها بإشراك الجيوش النظامية أو إلغاء امتيازات التنقيب عن النفط.
وقد سلم العراق، حسب المؤلف، حصته وزيادة من السلاح والتزمت سورية بتعهدها فبينما سلمت مصر 1200 بندقية من أصل الألفين وسلمت السعودية 1600 بندقية غير أن "أكثر من نصفها كانت غير صالحة للاستعمال بالمرة، فأعادتها اللجنة العسكرية إلى ممثل السعودية الشيخ يوسف ياسين ولم تستلم عوضها". وسلمت الأردن نصف ما تعهدت به من الأسلحة والعتاد.
ورغم أن الجامعة العربية أعادت التأكيد على قرارتها السابقة في القاهرة شهر فبراير/شباط 1948 وتشكيل لجنة عليا. إلا أن مصر واليمن غابت عنها، في حين لم يحضر ممثلا الأردن والسعودية الا جلستين، وكذلك ألغي اجتماع مقرر لرؤساء أركان الجيوش العربية حيث رأت فيه الحكومة المصرية "تهديداً للأمن الدولي" بحجة أن قضية فلسطين تبحث في مجلس الأمن.
يورد المؤلف تقريراً رفعه القائد العام لقوات فلسطين اللواء إسماعيل صفوت، يقر فيه أن القوات العربية لا تستطيع إنجاز نصر وإنما فقط إدامة القتال.. "والجيوش العربية لا تستطيع أن تكون مستعدة للعمل عند حلول موعد انتهاء الانتداب، وسيسبقنا الزمن كما سبقنا قبلا".
أصر ملك الأردن عبد الله أن يكون قائد الجيوش العربية وإلا لن يشارك جيشه بالقتال. وبالفعل تم إسناد القيادة له على أن يتولاها فعلياً عسكري محترف بعد زيارة في 28 أبريل/نيسان 1948، أي قبل النكبة بأيام، قام بها رئيسا وزراء لبنان وسورية ووفد من العراق برئاسة الأمير عبد الإله والأمين العام للجامعة العربية عبد الرحمن عزام.
وحتى الثاني أو الثالث من إبريل/نيسان لم يكن هناك قرار عملي بتوجه الجيوش النظامية إلى حدود فلسطين وبعد مناقشات في عمان تم أخذ قرار بتحشيد الجيوش المتاخمة لفلسطين في داخل أراضي كل دولة عربية وأن تبقى القوة العراقية في الأردن، وخصصت مصر لواء واحدا.
انسحاب القوات الأردنية من فلسطين
كانت القوات الأردنية موزعة في فلسطين وقائمة بمعاونة القوات الإنجليزية. وقبل انتهاء مدة الانتداب البريطاني على فلسطين يوم 15 مارس/آذار سنة 1948 وبعد انسحاب القوات الإنجليزية، سحبت القوات الأردنية أيضاً من فلسطين مما "هيأ للصهاينة فرصة ثمينة للاستيلاء على معظم الأماكن المهمة، والتجاوز على القسم العربي، وخاصة الأحياء العربية في القدس.
لو أرادت القيادة الأردنية إنقاذ الموقف في القدس واشتركت قواتها في القدس في أيامها الأولى لتغير الموقف العام تغيراً كاملاً وأصبحت القدس بأكملها بيد العرب".
بدء القتال
تقدمت الجيوش العربية، باستثناء الجيش اللبناني، يوم 15مارس/آذار 1948 مجتازة الحدود الفلسطينية لكن بدون تنسيق مع بعضها ودون التزام بقرار القيادة الموحدة، فالجيش الأردني "لم يرسل أي قوة إلى جسر الشيخ حسين في منطقة بيسان، ولا إلى جنين والعفولة".
ولم ينفّذ قائد الجيش الأردني غلوب باشا ما طلب منه مثل دخول مدينة القدس، حتى ولو كانت الأوامر صادرة عن الملك عبد الله الذي كان يتملقه كما حصل باجتماع القصر الملكي في عمان يوم 19 مايو/أيار 1948 بين الملك عبد الله والأمير عبد الإله وعبد الرحمن عزام وبحضور المسؤولين العسكريين العرب.
ماكو أوامر
يرى المؤلف أن العبارة التي اشتهرت عن الجيش العراقي ودوره "ماكو أوامر" هي "نكتة.. تنطوي على التعريض بالجيش العراقي وقادته واتهامه بأنه لم يقاتل لأنه لم تكن لديه أوامر بالقتال". ويرجعها إلى هزيمة العرب في حرب فلسطين.. ونشوء خلافات أساسية بين أنظمة الحكم في المعسكر العربي، تحولت إلى خصومات حادة، فتكتلات متناحرة تتبادل التهم والأقوال الجارحة.
كانت القوات العراقية أكبر القوات العربية التي اشتركت في حرب فلسطين، فقد أرسل العراق جميع قطعات جيشه المقاتلة ولم يبق منها شيء في العراق، كما أرسل فوجين من الشرطة أيضاً إلى فلسطين وكان يجهز لواء من المتطوعين الآشوريين
وقد قام حسب المؤلف بدوره، فحين تخاذل الآخرون "لم يقم الجيش الأردني بقيادة الفريق غلوب بتنفيذ أوامر الملك عبد الله بالتحرك نحو جسر الشيخ حسن وبيسان ومن جنين إلى عفولة، وقد حقق ذلك للصهاينة حرية العمل ضد القوات العراقية في معركة كيشر، كما عرّض جناحيها لخطر الالتفاف عليها".
وبالعكس أنجد العراقيون الجيش الأردني في باب الواد واللطرون... أما الجيش المصري فلم نعلم أنه قام بأي عمل، وكذلك الجيش السوري وجيش الإنقاذ".
ويسرد المؤلف حالات خذلان كما حصل "عندما كان موقف القوات العراقية دقيقاً جداً في منطقة جنين، لقيام الصهاينة بهجومهم القوي في أوائل يونيو/حزيران 1948، أرسلت القيادة العامة برقية إلى القوات السورية وإلى جيش الإنقاذ طلبت فيها قيامهما بحركات تعرضية في منطقة بنت جبيل لتخفيف الضغط عن القوات العراقية. ولكن لم تقم تلك القوات بأية حركة لهذا الغرض".
اقرأ أيضاً: النكبة.. جرح عصي على الالتئام
وكما فعل العراقيون مع الأردنيين كذلك فعلوا مع المصريين إذ "أرسل الجيش العراقي فوج الاحتياط الوحيد الذي بقي تحت تصرفه، عندما صار الموقف حرجاً في الجبهة المصرية في نوفمبر/تشرين الثاني 1948، وذلك للمساهمة في فك الحصار عن القوة المحاصرة في الفالوجة. وقد بقي الفوج بإمرة القيادة المصرية خمسة أسابيع إلى أن طلبت هي إعادته.
كما طلبت الجهات المصرية بإلحاح إرسال طائرات فيوري العراقية الثلاث التي كانت تعمل من مطار دمشق، وكانت هذه كل ما يملكه الجيش العراقي آنذاك، إلى مطار ألماظة، فسلمت إليهم واستعملت من قبلهم وأتلفت".
بين الهدنتين والخسارة
يورد المؤلف استنتاجاته، مدعومة بمحاضر جلسات العسكريين العرب وأيضاً بعض اللقاءات مع رؤساء الحكومات والرؤساء والملوك العرب، حيث يقول: "لم يستفد الجانب العربي من فترة الهدنة الأولى، بل وكانت وبالا عليه، فلم تتفق الحكومات العربية على خطة عمل موحدة.. وعلى العكس فإن الصهاينة استفادوا من فترة الهدنة.. وظهرت عندهم دبابات استخدموها لأول مرة".
ويورد الجبوري محضر اجتماع لمؤتمر القاهرة العسكري والذي عقد في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 1948 وقد حضرته هيئات أركان الجيوش العربية، هو يلخص أسباب النكبة فقد ثبت، حسب التقرير، أن اليهود متفوقون من حيث العدد والتسليح والسيطرة الجوية والذخيرة والاستحكامات وهذا ما أجبر القوات العربية على اتخاذ موقف الدفاع، وهذا ما سيؤدي إلى الخسارة.
الجيوش العربية:
يورد المؤلف تقريراً رفعه إلى القيادة العراقية بتاريخ 21 / 9/ 1949 بعد زيارته إلى فلسطين وتفقده للقوات العراقية هناك:
إن موقف الجيوش العربية العاملة في فلسطين في الوقت الحاضر يلخص بما يلي:
أ -الجيش اللبناني: مرابط في الناقورة داخل حدوده، لم يتمكن من دخول الأراضي الفلسطينية والتأثير على العدو ومجهوده، منذ بدء الحركات حتى الآن، وذلك بسبب قلة عدده، والنقص في التدريب والتسليح.
ب -الجيش السوري: ترابط قطعاته في منطقة جسر بنات يعقوب ولم يقم بعمل يذكر حتى الآن سوى احتلاله مستعمرة مشمار هايردن الواقعة عند الحدود، ولا يؤمل منه التوغل داخل الأراضي الفلسطينية والتأثير على الموقف العسكري العام تأثيرًا فعالاً بوضعه الحالي.
ج -الجيش العراقي: يعمل في منطقة واسعة جدًا، وترابط وحداته في جبهات متباعدة استنزفت معظم وحداته، وهو بحاجة إلى بعض أنواع الأعتدة التي أصبحت بكميات محدودة وإلى قوة جوية واسعة.
د -الجيش الأردني: يعمل في مدينة القدس ومنطقة اللطرون وباب الواد، وإنّ وحداته موزعة وليس لديه الاحتياط المطلوب للتعرض الناجح، ويفتقر إلى بعض أنواع الأعتدة أيضًا.
ه -الجيش المصري: بالرغم من أنه أكبر الجيوش العربية عددًا وعُددًا، إلا أنه لم يشرك سوى قطعات قليلة لا تتناسب وحجمه والمجهود المؤمل منه، وهو يرابط في منطقة النقب وقواته الأمامية في كل من بيت لحم، والخليل، وبيت جبرين، وأسدود. وإنه لا يفكر في استئناف القتال والتقدم أكثر من ذلك، أي إنه لن يتعاون مع القوات العربية الأخرى في الحركات المقبلة.
اقرأ أيضاًَ: الذاكرة ليست حفل تأبين