كانت المواقف الباهتة، سمة لافتة في تعليقات عدد من الشخصيات المصرية إزاء الذكرى الثالثة لمجزرة رابعة وميدان النهضة في 14 أغسطس/آب 2013. عدد كبير من تلك الشخصيات كانوا من أنصار مبادئ ثورة يناير، لكنهم أيدوا القمع كرهاً في "الإخوان المسلمين".
في هذا الإطار، استندت هذه الشخصيات إلى الرواية التي سوّقتها أجهزة أمنية، وتفيد بأن اعتصامي رابعة والنهضة كانا مسلّحين، وكان من أبرز من هلّل لفض الاعتصام بهذه الوحشية الروائي علاء الأسواني، والناشط أحمد دومة والفنان عمرو واكد. الغريب أن لبعض هؤلاء الناشطين مواقف حقوقية حاسمة في إدانتها انتهاكات لحقوق الانسان، مثلما فعل الأسواني عندما دان تعذيب الدكتور محمد البلتاجي وتصويره عارياً، واعتبر ذلك جريمة بشعة تجب محاسبة المسؤولين عنها، لكن الأسواني نفسه لم يدن مقتل أسماء البلتاجي، ولا قنص المئات غيرها أمام الكاميرات في مجزرتي رابعة والنهضة، بل أيد ذلك الفض الدموي للخلاص من أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي.
في المقابل، كان هناك من حسم موقفه الرافض للمجزرة، واعتبار ما حدث للضحايا شيئاً فظيعاً يستحق الألم، كما قال الفنان الراحل خالد صالح. أما الفنان خالد أبو النجا فقد صرح بأن "فض رابعة" نقطة تحول أساسية في مرحلة ما بعد عزل مرسي، وقال إنه رغم اختلافه في الرأي مع المتظاهرين في رابعة العدوية، فإن فض الميدان بالقوة مثل خطوة إلى الوراء، وأنه لا حل حالياً إلا بتنحي الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.
أما الإعلامي باسم يوسف، الذي كان من أبرز الشخصيات الذين أظهرتهم ثورة ميدان التحرير، ثم أحد أبرز خصوم حكم مرسي من الإعلاميين، فلم يكن حيادياً مع مبادئه الليبرالية وهو يتحدث عن ضرورة فض اعتصام مفتوح يحوي الآلاف ممن يناصرون الرئيس المنتخب. بل طالب السلطة الانقلابية بتطهير الميادين كلها، بما فيها ميدان التحرير من أي اعتصامات لتسهيل عملية المرور، وقد كتب باسم يوسف عن اعتصام رابعة ومساوئه قبل عملية الفض، وكال للمعتصمين كماً هائلاً من النقد.
اقــرأ أيضاً
ثم بعدها بأربعة أشهر، قدم يوسف أوبريتاً غنائياً ساخراً من حكم الإخوان، منتقداً بصوت خفيض جداً الانقلاب العسكري، معتبراً ذلك إنجازاً، ومبرزاً بعض العبارات المؤلمة لأنصار مرسي والديمقراطية مثل "والسيسي لعبها صح... قرر يفشخ الإخوان"، ما اعتبره بعضهم تهكماً. أمام ذلك، اكتفى باسم يوسف بتوضيح موقفه بأنه لم "يشمت" في ضحايا رابعة، لكنه لم يكن واضحاً في إدانة الجريمة.
عمرو الشوبكي أيضاً من أولئك الذين حاولوا أن يمسكوا بالعصا من المنتصف، فلا هو ينفي وقوع ضحايا أبرياء ولا هو يدين عملية الفض بالقوة، ويحاول أن يتخذ بين ذلك سبيلاً يحفظ به مكانته التي يغازل بها النظام، كما يظن أن ذلك يحفظ له شيئاً من "الموضوعية" الأكاديمية.
يكتب الشوبكي متحدثاً عن ذكرى رابعة، قائلاً إنها: "مناسبة إخوانية جديدة لتعميق خطاب الكراهية والانقسام داخل المجتمع المصري، وتوظيف دماء بسطاء المصريين الذين سقطوا وبلغوا أكثر من 700 مواطن مصري، ونحو 30 رجل أمن في عملية التشهير والصراع السياسي مع النظام القائم".
ومع اعترافه بكثرة الضحايا من المتظاهرين السلميين، يلجأ الشوبكي إلى تقرير المجلس الأعلى لحقوق الإنسان التابع للنظام، كي يبرر ما حدث في سيناريو مشكوك في صحته، بأن: "عناصر مسلّحة قُدر عددها بنحو 19 عنصراً، أطلقت الرصاص أولاً على رجال الأمن واستُشهد على إثرها نقيب شرطة، فخرجت الأمور عن السيطرة، وحدثت تجاوزات كثيرة صاحبت عملية الفض، وأدت إلى سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا".
لذلك يمتنع الشوبكي (الناشط الحقوقي سابقاً) عن إدانة عملية الفض بصورة واضحة، ويُحمّل الطرفين مسؤولية ما حدث، مع تحميل الضحايا المسؤولية الأكبر. وذلك في دفاع مستميت عن سلطة الانقلاب ضد المنظمات الحقوقية الدولية المستقلة التي دانت المجزرة بوضوح، ويقول إن "تحميل طرف واحد، أي الدولة، مسؤولية سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا، كما يردد الإخوان وحلفاؤهم ومعهم بعض المنظمات الحقوقية، أمر غير أمين، لأن الدولة وأجهزة الأمن تتحمّل جانباً من هذه المسؤولية، ومعها، وبصورة أكبر، قيادات الجماعة التي رتبت دخول السلاح والعناصر المسلحة وسط بسطاء المصريين الذين جلبتهم من المحافظات وتاجرت بدمائهم".
أيضاً كان الدكتور حسن نافعة أحد أولئك الذين فضلوا الدبلوماسية على التصريح بـ"الإنسانية"، فقبل عملية فض رابعة صرح نافعة بأن الوضع بعد فض الاعتصام في رابعة العدوية وميدان النهضة، سيتوقف على الطريقة المستخدمة في فض هذا الاعتصام. وقال: "إذا سالت الدماء أثناء فض الاعتصام، لن تسكت الجماهير". وتوقع أن يتعاطف الشارع مع الإخوان المسلمين، معتبرين الإخوان هم المجني عليهم. "أما إذا تم فض الاعتصام بطريقة عقلانية لا تسيل فيها الدماء، سيكسب الجيش مزيداً من احترام الجماهير، ويزيد من شعبيته في الشارع"، وفقاً له.
وحين سئل نافعة لاحقاً عن صمت القوى الثورية عن فض الاعتصام، أجاب منتقداً الطرفين: "أنا شخصياً لم أقبل بالطريقة التي تمّ بها فض رابعة والنهضة ووجهت انتقادات علنية ومكتوبة لهذه الطريقة، ولكن لم يكن مقبولاً أيضاً أن تواصل جماعة الاخوان اعتصامها في رابعة وفي ميدان النهضة بالطريقة التي كانت قائمة، وإصرارهم على مواصلة الاعتصام رغم تدخل الجيش كان هو الغباء بعينه". ولا ينسى كثر بأن نافعة كان يطوف صبيحة يوم الفض على الفضائيات ليبرر ما حصل بأن الإخوان رفضوا كل المبادرات، لذلك كان يجب فض الاعتصام بالقوة، على حد تعبيره.
في هذا الإطار، استندت هذه الشخصيات إلى الرواية التي سوّقتها أجهزة أمنية، وتفيد بأن اعتصامي رابعة والنهضة كانا مسلّحين، وكان من أبرز من هلّل لفض الاعتصام بهذه الوحشية الروائي علاء الأسواني، والناشط أحمد دومة والفنان عمرو واكد. الغريب أن لبعض هؤلاء الناشطين مواقف حقوقية حاسمة في إدانتها انتهاكات لحقوق الانسان، مثلما فعل الأسواني عندما دان تعذيب الدكتور محمد البلتاجي وتصويره عارياً، واعتبر ذلك جريمة بشعة تجب محاسبة المسؤولين عنها، لكن الأسواني نفسه لم يدن مقتل أسماء البلتاجي، ولا قنص المئات غيرها أمام الكاميرات في مجزرتي رابعة والنهضة، بل أيد ذلك الفض الدموي للخلاص من أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي.
أما الإعلامي باسم يوسف، الذي كان من أبرز الشخصيات الذين أظهرتهم ثورة ميدان التحرير، ثم أحد أبرز خصوم حكم مرسي من الإعلاميين، فلم يكن حيادياً مع مبادئه الليبرالية وهو يتحدث عن ضرورة فض اعتصام مفتوح يحوي الآلاف ممن يناصرون الرئيس المنتخب. بل طالب السلطة الانقلابية بتطهير الميادين كلها، بما فيها ميدان التحرير من أي اعتصامات لتسهيل عملية المرور، وقد كتب باسم يوسف عن اعتصام رابعة ومساوئه قبل عملية الفض، وكال للمعتصمين كماً هائلاً من النقد.
ثم بعدها بأربعة أشهر، قدم يوسف أوبريتاً غنائياً ساخراً من حكم الإخوان، منتقداً بصوت خفيض جداً الانقلاب العسكري، معتبراً ذلك إنجازاً، ومبرزاً بعض العبارات المؤلمة لأنصار مرسي والديمقراطية مثل "والسيسي لعبها صح... قرر يفشخ الإخوان"، ما اعتبره بعضهم تهكماً. أمام ذلك، اكتفى باسم يوسف بتوضيح موقفه بأنه لم "يشمت" في ضحايا رابعة، لكنه لم يكن واضحاً في إدانة الجريمة.
عمرو الشوبكي أيضاً من أولئك الذين حاولوا أن يمسكوا بالعصا من المنتصف، فلا هو ينفي وقوع ضحايا أبرياء ولا هو يدين عملية الفض بالقوة، ويحاول أن يتخذ بين ذلك سبيلاً يحفظ به مكانته التي يغازل بها النظام، كما يظن أن ذلك يحفظ له شيئاً من "الموضوعية" الأكاديمية.
يكتب الشوبكي متحدثاً عن ذكرى رابعة، قائلاً إنها: "مناسبة إخوانية جديدة لتعميق خطاب الكراهية والانقسام داخل المجتمع المصري، وتوظيف دماء بسطاء المصريين الذين سقطوا وبلغوا أكثر من 700 مواطن مصري، ونحو 30 رجل أمن في عملية التشهير والصراع السياسي مع النظام القائم".
ومع اعترافه بكثرة الضحايا من المتظاهرين السلميين، يلجأ الشوبكي إلى تقرير المجلس الأعلى لحقوق الإنسان التابع للنظام، كي يبرر ما حدث في سيناريو مشكوك في صحته، بأن: "عناصر مسلّحة قُدر عددها بنحو 19 عنصراً، أطلقت الرصاص أولاً على رجال الأمن واستُشهد على إثرها نقيب شرطة، فخرجت الأمور عن السيطرة، وحدثت تجاوزات كثيرة صاحبت عملية الفض، وأدت إلى سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا".
أيضاً كان الدكتور حسن نافعة أحد أولئك الذين فضلوا الدبلوماسية على التصريح بـ"الإنسانية"، فقبل عملية فض رابعة صرح نافعة بأن الوضع بعد فض الاعتصام في رابعة العدوية وميدان النهضة، سيتوقف على الطريقة المستخدمة في فض هذا الاعتصام. وقال: "إذا سالت الدماء أثناء فض الاعتصام، لن تسكت الجماهير". وتوقع أن يتعاطف الشارع مع الإخوان المسلمين، معتبرين الإخوان هم المجني عليهم. "أما إذا تم فض الاعتصام بطريقة عقلانية لا تسيل فيها الدماء، سيكسب الجيش مزيداً من احترام الجماهير، ويزيد من شعبيته في الشارع"، وفقاً له.
وحين سئل نافعة لاحقاً عن صمت القوى الثورية عن فض الاعتصام، أجاب منتقداً الطرفين: "أنا شخصياً لم أقبل بالطريقة التي تمّ بها فض رابعة والنهضة ووجهت انتقادات علنية ومكتوبة لهذه الطريقة، ولكن لم يكن مقبولاً أيضاً أن تواصل جماعة الاخوان اعتصامها في رابعة وفي ميدان النهضة بالطريقة التي كانت قائمة، وإصرارهم على مواصلة الاعتصام رغم تدخل الجيش كان هو الغباء بعينه". ولا ينسى كثر بأن نافعة كان يطوف صبيحة يوم الفض على الفضائيات ليبرر ما حصل بأن الإخوان رفضوا كل المبادرات، لذلك كان يجب فض الاعتصام بالقوة، على حد تعبيره.