تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها في محاولة لإضاءة جوانب من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الرابع من آب/ أغسطس، ذكرى ميلاد الفنان المسرحي العراقي إبراهيم جلال (1921 - 1999).
في عام 1950، التقى إبراهيم جلال الذي تحلّ اليوم الثلاثاء ذكرى ميلاده، وكان يشغل حينها رئيس قسم التمثيل بمعهد الفنون الجميلة في بغداد، مع يوسف العاني الذي كان لا يزال على مقاعد الدراسة، فنشأت بينهما صداقة أثمرت عن تأسيس "فرقة المسرح الحديث"، التي شكّلت نموذجاً استثنائياً في تاريخ الفرق العربية آنذاك من خلال الاشتباك مع القضايا السياسية والاجتماعية، وتأكيد ارتباطها بالثقافة العربية والإنسانية عموماً.
وُلد الفنان العراقي (1921 - 1991) في حي الأعظمية البغدادي، وعُرف عنه تفوقه في الخطابة منذ المدرسة وقدرته على المحاكاة والتقليد، وفي السنة الأخيرة من دراسته الثانوية شارك في مسرحية "فتح الأندلس" للمخرج حقي الشبلي الذي يعد من رواد المسرح في العراق.
تخرّج من "معهد الفنون الجميلة" عام 1945 حيث عمل فيه مدرساً قبل أن يبتعث لدراسة السينما في إيطاليا، ثم يبتعث ثانية لدراسة المسرح في الولايات المتحدة في ستينيات القرن الماضي. كانت بداياته الحقيقية على الخشبة عام 1947 حيت شارك في تأسيس "الفرقة الشعبية للتمثيل" وأخرج مسرحيته الأولى "شهداء الوطنية".
توالت بعدها مشاركته في التمثيل والإخراج في عدد من المسرحيات، منها "مقامات أبي الورد"، و"الطوفان"، و"البيك والسايق"، و"كاليغولا"، و"دائرة الطباشير القوقازية"، و"ستة دراهم"، و"الملحمة الشعبية"، و"الشيخ والغانية"، كما شارك في ثلاثة أفلام هي: "القاهرة بغداد" (1947) لـ أحمد بدرخان، و"عليا وعصام" (1948) لـ أندريه شوتان، و"ليلى في العراق" (1949) لـ أحمد كامل مرسي.
أسهم في تشكيل المسرح الملحمي بما ينسجم مع الروح العربية والعراقية
حاز درجة الماجستر في المسرح عن أطروحة بعنوان "في نظرية التغريب البريشتي"، ليعود للعمل ضمن "فرقة المسرح الحديث"، حيث قدّم مسرحية "فوانيس" من تأليف طه سالم، ومن هنا قدّم محاولات جادة في بناء مسرح عراقي لا يقوم على استنتساخ تجارب عالمية، بل كان يسعى لإيجاد خصوصيته التكوينية المتجانسة مع المعطيات الحياتية داخل المجتمع العراقي.
ويعد جلال واحداً من أبرز المسرحيين الرواد الذين أسهموا في تشكيل المسرح الملحمي وتطويعه بما ينسجم مع الروح العربية والعراقية، حيث استعان إبراهيم بأكثر الأشكال التراثية تعبيراً عن الحس الجمعي، وأقربها التصاقاً بالجماهير، فكان للأهزوجة أثرها البالغ في مسرحية "المتنبي"، ولكن بطريقة معاصرة وبعيدة عن التقليد.
يقول الفنان المسرحي العراقي فاضل خليل إنه "كان يعتقد بأن واحداً من أسباب تأخر المسرح العربي هو الممثل الذي يعتمد الحوار بعيداً عن التعبيرات النفسية الخالية من الفعل الفيزيقي (العضلي)، وأن الممثل الجيد بالنسبة إليه هو المتمكن من جسده كلغة تعبير هائلة عنده، فالممثل لا يسعى إلى تطوير جسده كما لا يسعي إلي تطوير إلقائه أيضاً".
يُعتبر جلال من أبرز المجربين في المسرح العراقي، وكان يقطع مع كل مرحلة سابقة، مجدّداً في رؤاه وأساليبه التي بناها على قناعة راسخة بضروة امتزاج الحداثة بالواقع الذي على المسرحي أن يدركه ويعبّر عنه.