21 فبراير 2018
ذكرى يريد كثيرون نسيانها
يقول المؤرخ المغربي، عبدالله العروي، إن المؤرخ عدو رجل السياسة، لأنه يذكر ويتذكّر. ويقول الفرنسيون إن أقصر شيء عند رجل السياسة ذاكرته. وهذه الذكرى الرابعة لوضع الدستور المغربي لسنة 2011 لم يلتفت إليها أحد في الحكومة، وفي المعارضة، في الأحزاب كما لدى دوائر الحكم، وكأن الجميع يريد أن ينسى شيئاً اسمه الدستور الجديد، وكذا الوعد بانتقال ديمقراطي ناعم، جواباً على الربيع العربي.
لم يكن دستور 2011 فقط وثيقة قانونية لتنظيم السلطة في المغرب. كان أكثر من هذا. كان وعداً مكتوباً بمداد الربيع العربي بين الملك والشعب، يقضي بوضع المملكة على سكة تحول ديمقراطي حقيقي، وعد بإدخال مطالب الشارع الذي تحرك في 20 فبراير إلى منظومة الحكم، تحت شعار الإصلاح في ظل الاستقرار.
بعد أربع سنوات من كتابة هذا النص الدستوري الذي كان معولاً عليه في أن يكون خريطة الطريق نحو الخروج من استبداد ناعم كان يعيشه المغرب قبل الحراك العربي، خرج رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، حديثاً، ليقول للمغاربة: "إنني أطبق الدستور، وفي الوقت نفسه، أراعي الواقع السياسي، والواقع أقوى من الدستور". وتلخص جملته كلاماً كثيراً عن حصيلة تطبيق الوثيقة الدستورية في البلاد. للأسف الشديد، مازالت المملكة تحت تأثير الدستور غير المكتوب وموازين القوى التي تأثرت كثيراً بتحول الربيع العربي خريفاً.
قبل المصادقة على الدستور الحالي في فاتح يوليو/تموز 2011، كانت هناك ثلاثة مواقف للنخبة المغربية. يصفق الأول له بدون تحفظ، باعتباره أسمى ما يمكن أن يعطيه ملك لشعبه، وهذا موقف الأحزاب السياسية والقوى المحافظة التي لم تكن تطالب، أصلاً، بتغيير دستور الحسن الثاني، وكانت ترى في الدستور القديم وثيقة صالحة لكل زمان ومكان. رفض الموقف الثاني الدستور لأنه وُضع خارج الآلية المتعارف عليها ديمقراطياً، أي لجنة تأسيسية منتخبة من الشعب، ورأى أصحاب هذا الموقف أن الدستور الحالي قلص من نفوذ الملكية المطلقة، لكنه لم يؤسس للملكية البرلمانية (الدستورية)، ولا للفصل الواضح بين السلطات. ومن ثم، لن يدخل هذا الدستور البلاد إلى عهد الديمقراطية ودولة الحق والقانون، وإنما هو حيلة للالتفاف على مطالب الحراك المغربي. الموقف الثالث الوسط هو الذي اعتبر أن الدستور الجديد حقق قفزة نوعية في التطور الدستوري للمملكة، وأنه، وقد تنازل فيه الملك عن سلطات مهمة لرئيس الحكومة، يعتبر صالحاً لإدارة المرحلة الانتقالية، في انتظار أن تنضج الظروف، للوصول إلى دستور الملكية البرلمانية على الطراز الأوروبي. كان هؤلاء يرون أن النص الدستوري الحالي مفتوح على التطوير والتأويل الديمقراطي. عبّر الطيف السياسي المغربي عن المواقف الثلاثة، لكنّ أحداً لم يلتفت إلى أن الدستور الجديد وضع في يد النخب القديمة، وأن الذين كلفوا تطبيقَه غير مقتنعين به، أو غير قادرين على حمله.
لم يكن دستور 2011 محظوظاً في المغرب الرسمي. في وسط الدولة، ظهر اتجاه مناوئ له. منذ الأيام الأولى، اعتبره فلتة ونتيجة تسرع في قراءة الربيع المغربي، وأن المخزن (أو الدولة العميقة بالتعبير المصري) ما كان عليه أن يقدم كل هذه التنازلات في مواجهة سحابة صيف سرعان ما ستمر. ووسط الحكومة لم يكن الدستور محظوظاً، ذلك أن بنكيران، الذي أصبح أول رئيس حكومة بعده، لم يكن من الداعين إلى تغيير الدستور القديم، وكان مستعداً، قبل الربيع العربي، لأن يتعايش مع التوزيع القديم للسلطة الذي يجعل من الملك المؤسسة المهيمنة على القرار. واعتبر، دائماً، أن الدستور ليس المرجع في تحديد علاقة الملك مع الحكومة والبرلمان، وأن الأصل هو التوافق والتطبيع مع القصر، والابتعاد عن منازعة الأمر أهله.
لم يكن للدستور المسكين حظ حتى مع المعارضة البرلمانية التي كان من المفروض أن تتشبث بنصوصه. تعارض المعارضة اليسارية واليمينيّة، اليوم، الحكومة وتوالي الحكم، وتبلع لسانها عندما ترى بنكيران يتنازل عن صلاحياته، وعندما يملأ رئيس الحكومة بعضاً من مكانته الدستورية، تطلق المعارضة النار عليه، وتضعفه عِوَض أن تقوّي المؤسسات الديمقراطية.
بعد أربع سنوات من كتابة هذا النص الدستوري الذي كان معولاً عليه في أن يكون خريطة الطريق نحو الخروج من استبداد ناعم كان يعيشه المغرب قبل الحراك العربي، خرج رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، حديثاً، ليقول للمغاربة: "إنني أطبق الدستور، وفي الوقت نفسه، أراعي الواقع السياسي، والواقع أقوى من الدستور". وتلخص جملته كلاماً كثيراً عن حصيلة تطبيق الوثيقة الدستورية في البلاد. للأسف الشديد، مازالت المملكة تحت تأثير الدستور غير المكتوب وموازين القوى التي تأثرت كثيراً بتحول الربيع العربي خريفاً.
قبل المصادقة على الدستور الحالي في فاتح يوليو/تموز 2011، كانت هناك ثلاثة مواقف للنخبة المغربية. يصفق الأول له بدون تحفظ، باعتباره أسمى ما يمكن أن يعطيه ملك لشعبه، وهذا موقف الأحزاب السياسية والقوى المحافظة التي لم تكن تطالب، أصلاً، بتغيير دستور الحسن الثاني، وكانت ترى في الدستور القديم وثيقة صالحة لكل زمان ومكان. رفض الموقف الثاني الدستور لأنه وُضع خارج الآلية المتعارف عليها ديمقراطياً، أي لجنة تأسيسية منتخبة من الشعب، ورأى أصحاب هذا الموقف أن الدستور الحالي قلص من نفوذ الملكية المطلقة، لكنه لم يؤسس للملكية البرلمانية (الدستورية)، ولا للفصل الواضح بين السلطات. ومن ثم، لن يدخل هذا الدستور البلاد إلى عهد الديمقراطية ودولة الحق والقانون، وإنما هو حيلة للالتفاف على مطالب الحراك المغربي. الموقف الثالث الوسط هو الذي اعتبر أن الدستور الجديد حقق قفزة نوعية في التطور الدستوري للمملكة، وأنه، وقد تنازل فيه الملك عن سلطات مهمة لرئيس الحكومة، يعتبر صالحاً لإدارة المرحلة الانتقالية، في انتظار أن تنضج الظروف، للوصول إلى دستور الملكية البرلمانية على الطراز الأوروبي. كان هؤلاء يرون أن النص الدستوري الحالي مفتوح على التطوير والتأويل الديمقراطي. عبّر الطيف السياسي المغربي عن المواقف الثلاثة، لكنّ أحداً لم يلتفت إلى أن الدستور الجديد وضع في يد النخب القديمة، وأن الذين كلفوا تطبيقَه غير مقتنعين به، أو غير قادرين على حمله.
لم يكن دستور 2011 محظوظاً في المغرب الرسمي. في وسط الدولة، ظهر اتجاه مناوئ له. منذ الأيام الأولى، اعتبره فلتة ونتيجة تسرع في قراءة الربيع المغربي، وأن المخزن (أو الدولة العميقة بالتعبير المصري) ما كان عليه أن يقدم كل هذه التنازلات في مواجهة سحابة صيف سرعان ما ستمر. ووسط الحكومة لم يكن الدستور محظوظاً، ذلك أن بنكيران، الذي أصبح أول رئيس حكومة بعده، لم يكن من الداعين إلى تغيير الدستور القديم، وكان مستعداً، قبل الربيع العربي، لأن يتعايش مع التوزيع القديم للسلطة الذي يجعل من الملك المؤسسة المهيمنة على القرار. واعتبر، دائماً، أن الدستور ليس المرجع في تحديد علاقة الملك مع الحكومة والبرلمان، وأن الأصل هو التوافق والتطبيع مع القصر، والابتعاد عن منازعة الأمر أهله.
لم يكن للدستور المسكين حظ حتى مع المعارضة البرلمانية التي كان من المفروض أن تتشبث بنصوصه. تعارض المعارضة اليسارية واليمينيّة، اليوم، الحكومة وتوالي الحكم، وتبلع لسانها عندما ترى بنكيران يتنازل عن صلاحياته، وعندما يملأ رئيس الحكومة بعضاً من مكانته الدستورية، تطلق المعارضة النار عليه، وتضعفه عِوَض أن تقوّي المؤسسات الديمقراطية.