رئاسيات تونس: التنافس داخل العائلات السياسية ينذر بتشتيت الأصوات

20 اغسطس 2019
يفصل المرشحين أسبوعان عن انطلاق الحملة الانتخابية(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
انطلق جدل الهويات وصدام المرجعيات بين المرشحين للانتخابات الرئاسية في تونس، الذين يتنافسون للفوز في الاستحقاق المقرر في 15 سبتمبر/ أيلول المقبل، وذلك قبل الكشف حتى عن برامجهم للفترة الرئاسية التي تمتدّ لخمس سنوات، وسط توقعات بتشتت أصوات الناخبين، بسبب التقارب السياسي بين المتنافسين، الذي يصل إلى حدّ انتماء أسماء منهم إلى البيت الفكري والأيديولوجي نفسه.

وأسقطت هيئة الانتخابات ترشح 71 اسماً، من بين 97 تقدموا للمشاركة في الانتخابات الرئاسية المبكرة، التي تقرر إجراؤها بعد وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي (في 25 يوليو/ تموز الماضي)، وهي الثانية بالاقتراع المباشر بعد الثورة. ولم يعد يفصل الشخصيات التي قُبِل ترشحها سوى أسبوعين تقريباً عن انطلاق الحملة الانتخابية، التي تبدأ في الثاني من سبتمبر وتمتد لغاية 13 منه.

تقسيم العائلات السياسية

واستناداً إلى نشاطاتهم السياسية وتصريحاتهم، وأخذاً بالاعتبار المواقف التي صدرت عنهم، يمكن توزيع هؤلاء المرشحين إلى أربع عائلات كبرى. وبالتصنيف وفق التوصيف السياسي، يجوز تسمية العائلة الأولى من المرشحين بـ"الثورية"، والثانية بـ"البورقيبية"، والثالثة بالمجموعة "الوسطية"، فيما يمكن تعريف المجموعة الرابعة بـ"فريق الشعبويين". كما يمكن توزيع المرشحين إلى عائلات أيديولوجية وفكرية، بحسب انتماءاتهم ومرجعياتهم، فيوزع المتنافسون أيضاً على أربع مجموعات هي "الإسلاميون"، و"اليساريون"، و"الدستوريون"، و"غير المنتمين".

ويتقاسم المرشحون المنسلخون عن حزب "نداء تونس" الانتماء للعائلة الدستورية ذاتها، نسبةً إلى الحزب الدستوري الذي كان يتزعمه الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة (أول رئيس للجمهورية التونسية 25 يوليو 1957 - 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 1987)، ومنه استلهمت العائلة "البورقيبية" مفاهيمها وقيمها، باعتبار أنه أسس لفكر ميّز مرحلة مهمة من تاريخ تونس وجيلاً سياسياً بالكامل.



ويعدّ المرشحون السبعة من سليلي "نداء تونس" - وهم رئيس الحكومة، زعيم حزب "تحيا تونس" يوسف الشاهد، ورئيس حزب المشروع محسن مرزوق، ورئيس حزب بني وطني سعيد العايدي، ورئيسة حزب الأمل سلمى اللّومي، والأمين العام المستقيل لحزب نداء تونس ناجي جلول، إلى جانب وزير الدفاع المستقيل عبد الكريم الزبيدي، المدعوم من الحزب - من أبناء العائلة السياسية ذاتها بعد الثورة، حتى وإن كان عددٌ منهم قد اتبع مذاهب فكرية مخالفةً قبلها.

ويقدم بعض المرشحين أنفسهم مدافعين عن الفكر البورقيبي والدستوري، على غرار رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، ورئيس الحكومة الأسبق مهدي جمعة، الذي يجمع حزبه (حزب البديل التونسي) اليوم كوادر تجمعية (نسبة للتجمع الدستوري الديمقراطي) ودستورية ومنشقين عن "نداء تونس".

كما يمكن تصنيف مجموعة من المرشحين في خانة منظومة الثورة، على غرار رئيس البرلمان بالنيابة، مرشح حزب النهضة عبد الفتاح مورو، والرئيس التونسي الأسبق، رئيس حزب الحراك منصف المرزوقي، ورئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي، الى جانب الأمين العام حزب التيار محمد عبو، وزعيم حزب العمال حمة الهمامي، والقيادي في حزب الوطد المعارض منجي الرحوي، وأستاذ القانون الدستوري قيس سعيد، والمحامي سيف الدين مخلوف.

كما يمكن تقسيم العائلة السياسية التي أنصفتها الثورة التونسية، ومكنتها من حق المشاركة والترشح للانتخابات، وهي عائلة "الإسلاميين"، إلى الإسلاميين والقريبين منهم، على غرار الشيخ مورو نائب رئيس حزب النهضة، والجبالي، وهو الأمين العام الأسبق بـ"النهضة"، والعضو السابق في مجلس الشورى حاتم بولبيار، إلى جانب مرشحين يعدهم المتابعون مدعومين من قواعد الإسلاميين الشعبية، على غرار منصف المرزوقي وقيس سعيد وسيف الدين مخلوف والهاشمي الحامدي، مساندةً لتوجههم الثوري.

إلى ذلك، يمكن تجميع عدد من المرشحين أيضاً في خانة اليسار الكبير واليسار الاجتماعي، على غرار المتحدث باسم ائتلاف الجبهة الشعبية حمة الهمامي، وأحد أبرز قيادات حزب الوطنيين الديمقراطيين، المنجي الرحوي، والقيادي السابق بحزب الوطد، زعيم حزب حركة تونس إلى الأمام، عبيد البريكي. ويمكن تصنيف عبو والمرزوقي، بالإضافة إلى مرشح حزب التكتل الاجتماعي الديمقراطي إلياس الفخفاخ، ضمن عائلة اليسار الاجتماعي.

ويبرز مرشحون يصفهم المتابعون بـ"الشعبويين" وغير المحسوبين على عائلة فكرية أو مرجعية واضحة، على غرار كل من رئيس حزب قلب تونس، نبيل القروي، الذي تصدر أخيراً استطلاعات الرأي، وسليم الرياحي، الملاحقين قضائياً. كما توصف عبير موسى والهاشمي الحامدي بالشعبويين نظراً لخطابهما السياسي.

الحرب الكلامية

وانطلق التصادم والحرب الكلامية بين المتنافسين على الرئاسة بعد إعلان قائمة المقبولين، إذ تساءل النائب والقيادي في حزب "التيار الديمقراطي" غازي الشواشي عن مصير المرشحين نبيل القروي وسليم الرياحي، الملاحقين من القضاء التونسي، في حال فوز أحدهما بالرئاسة، وحول مصير القضايا المرفوعة ضدهما.

وكتب الشواشي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مذكراً بأنه "من ضمن المرشحين لمنصب رئيس الدولة المقبولة ملفاتهم أولياً، مرشحان متهمان بارتكاب جرائم تبييض أموال، في قضايا لا تزال جارية أمام القضاء التونسي، الذي اتخذ في حقهما، ونظراً لخطورة التهم المنسوبة إليهما، إجراءات تحفظية من قبيل تحجير السفر وتجميد أموال وإصدار بطاقة إيداع في حق أحدهما (الرياحي)".

ولتفادي تشتت الناخبين، دعت بعض الأصوات الناشطة إلى تنحي مرشحين عن السباق، وذلك لفائدة المرشحين الأكثر قوة وحظوظاً في الفوز، أو الأكثر قدرة من ضمن كل عائلة أو مجموعة على تحصيل التوافق حول اسمهم.

وفي هذا الإطار، رأت رئيسة المكتب السياسي لحزب آفاق تونس ريم محجوب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن المرشح المدعوم من "نداء تونس"، وزير الداخلية المستقيل عبد الكريم الزبيدي، يمثل الوجه المناسب للمرحلة المقبلة، لما يمتاز به من خصال وإمكانيات، بحسب رأيها، مشيرة كذلك دعم "النداء" للتعهدات (الانتخابية) الخمسة الذي أطلقها.

ودعت محجوب المرشحين من زعماء الأحزاب التقدمية والمستقلين الوسطيين الديمقراطيين إلى التراجع لمصلحة الزبيدي، تفادياً لتشتت أصوات العائلة الديمقراطية ذاتها، ولمساندة مشروع هذا المرشح خلال المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد.

بدوره، يخشى حزب النهضة خطر تشتت أصوات خزّانه الانتخابي، وضياع الناخبين بين المرشحين أصحاب التوجه ذاته، وهم مورو والجبالي وحاتم بولبيار، فضلاً عن تعاطف القواعد الشعبية للحزب والأنصار مع المرزوقي وسعيد وسيف الدين مخلوف (ائتلاف الكرامة).

وتجد "النهضة" نفسها أمام تحدٍ صعب قد يقلص من حظوظ مرشحها الرسمي عبد الفتاح مورو، ويهدد مروره للدور الثاني في حال توزعت الأصوات على سبعة أو ثمانية مرشحين في الدور الأول. ومن أجل ذلك، دعت الحركة في بيانٍ رسمي "كل المناضلين والأنصار إلى دعم ترشح الأستاذ عبد الفتاح مورو والالتفاف حوله باعتباره قراراً صادراً عن المؤسسات الرسمية للحركة، ويعكس رغبة حقيقية لدى شريحة واسعة من التونسيين داخلها وخارجها، ويشكل مسؤولية وطنية ملقاة على عاتق كل حزب سياسي لدعم التجربة".

وأكد القيادي في "النهضة" عبد اللطيف المكي في تصريح لـ"العربي الجديد"، عزم الحركة على الدعوة الى تجميع الأصوات لصالح مرشحها مورو، الذي يحظى بقبول حزبي ويتمتع بصفات شخصية مميزة. وأقر المكي بأنه رغم اعتبار مرشح "النهضة" الرسمي من مرشحي خيار الثورة، إلا أن جمهوراً من الناخبين من أنصار الثورة ليسوا منتمين للحركة، سيصوتون لمرشحين آخرين كالجبالي أو المرزوقي أو مخلوف، لأنهم يرون في هذه الأسماء أصواتاً للثورة، وتلك الأمور تحسب من قواعد اللعبة الديمقراطية.

على الرغم من ذلك، رأى المكي أن الوضع كان من الممكن أن يكون أكثر صعوبة، لو لم ترشح "النهضة" شخصية من داخلها أو اختارت الحياد، أما وقد رشحت شخصية سياسية، فلا داعي أن تذهب قواعدها أو المناصرون والمؤيدون لها، للتصويت لمرشح آخر.

من جهته، أكد الرئيس الأسبق منصف المرزوقي وجود تشتت كبير أصاب التونسيين بالحيرة والضياع، على حدّ تعبيره.

وقال المرزوقي في حوار إذاعي، إنه "يجب أن نجمع العائلة الديمقراطية والاجتماعية، لذلك لدي اتصال بالمرشحين للرئاسة سيف الدين مخلوف وحمادي الجبالي وقيس سعيد وكل الأطراف". وأضاف: "نعمل على جمع الناس الذين يشبهوننا وهناك دور أول ودور ثانٍ، وواثق أننا سنجد حلولاً لأننا جميعنا نشعر بأن هذه الانتخابات مفصلية"، مؤكداً ثقته في الوصول إلى صيغة توافقية يتم على أساسها دعم مرشّح وحيد للعائلة الديمقراطية.

من جهته، عبّر حمادي الجبالي في تصريح إذاعي عن "استغرابه وصدمته"، من تصريح المرزوقي حول مشاورات "متقدمة" مع عدد من الشخصيات للتنازل عن ترشحهم لمصلحته، ومن بينهم هو نفسه (الجبالي)، مؤكداً نيته عدم الانسحاب من السباق "لا لفائدة المرزوقي ولا لفائدة عبد الفتاح مورو"، ومعتبراً أن "الوقت تأخر جداً لإيجاد مرشح توافقي" لمن سماهم بـ"قوى الثورة".

ورداً على ذلك، نشر المرزوقي تكذيباً عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، محذراً من حملة بث الشائعات والأكاذيب التي وصفها بـ"التخطيط الخبيث". وكتب المرزوقي أنه "لا أساس من الصحة لما تناقلته بعض وسائل الإعلام حول تصريح لي عن تنازل أي طرف سياسي لصالحي في الانتخابات الرئاسية (في إشارة لحمادي الجبالي)... مثلما لا أساس من الصحة لخبر ترشح الأمينة العامة للحراك (لمياء الخميري) خلسة للرئاسيات...". وتصبّ هذه التطورات في إطار حرب الشائعات والشيطنة بين المتنافسين ومؤيديهم، بهدف ضرب مصداقية بعضهم البعض، والنيل من معنوياتهم، على بعد أسبوعين من انطلاق الحملة الانتخابية.

ترجيح الدور الثاني

ورجح المحلل السياسي عبد المنعم المؤد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، ألا يتمكن أيٌّ من المرشحين من الفوز من الدور الأول للرئاسيات، وذلك لأسباب عدة، أبرزها تشتت الأصوات وتشرذم خيارات الناخبين بين مرشحي العائلات الفكرية والسياسية ذاتها.

وأعرب المؤدب عن اعتقاده بأن هيئة الانتخابات ستذهب لزاماً إلى دورٍ للإعادة بين مرشحين اثنين، يصعب أن يكونا من النهج الفكري والمذهب الأيديولوجي ذاته. وأشار إلى أن التقارب الشديد بين مرشحين ينتمون لمجموعة معينة، كان أغلبهم مثلاً منضوين في إطار الحزب ذاته وتحولوا اليوم إلى خصوم، سوف يهدد من دون شك خزّانهم الانتخابي المشترك، مقدماً مثالاً على ذلك الثنائي عبد الفتاح مورو وحمادي الجبالي، سليلي "النهضة"، والمنصف المرزوقي ومحمد عبو، سليلي حزب "المؤتمر"، وحمة الهمامي ومنجي الرحوي سليلي "الجبهة الشعبية"، ويوسف الشاهد وعبد الكريم الزبيدي اللذين جاء بهما الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي إلى الحكم.