راحيل آبيب ايندال.. تُعرّف لبنان على المطبخ الإثيوبي

26 فبراير 2016
تبتسم وهي تقدّم طعامها (حسين بيضون)
+ الخط -

تُدعى راحيل. أحياناً، يُخطئ البعض ويدعونها رَحيل. لا يبدو أنّها من محبّذي هذه الأسماء الكئيبة. تكتبُ اسمها الكامل على ورقة. هكذا تريده أن يظهر في الصحيفة. تُدعى راحيل آبيب ايندال. تستغرب الهدف من الكتابة عنها. هل لكونها عاملة أجنبية تحمل الجنسية الإثيوبية؟ في لبنان عاملات أجنبيات كثيرات لديهن قصص تستحق أن تكتب. هذا ما تظنّه هي. تسأل ونخبرها أننا نريد كتابة قصّتها. بالنسبة لها، لا قصة لديها. لكن هذه الفتاة التي تعشق المطبخ، وتجد متعتها بين أدواته، بدأت تطهو الأكلات الأثيوبية، وتضعها في أوعية مخصصة لإيصالها إلى زبائنها في كل مكان.

لراحيل زبائنها. تخجلُ حين تسمع عبارة "نفسُك طيّب على الأكل". هنا، تسمعها من اللبنانيّين وآخرين من جنسيات مختلفة. ولكلّ لغته في الإشارة إلى النفس الطيب. ما يهمّها ملامح الرضى التي تظهر على وجوه من يتذوّق طعامها.

تقول إنها تمضي وقتاً طويلاً في المطبخ. هذا طقس يومي. تبدو وكأنها تدخله راقصةً، أو تهمّ لإلقاء قصيدة. هذا شغفها في الحياة. مذ كانت طفلة، تلحق بوالدتها إلى المطبخ، ولا تترك لها المجال لتدعوها إليه. تُراقبها وهي تطهو، حتى صارت تشارك في إعداد الطعام لعائلتها. عرفت ملامح الرضى هذه باكراً، هي التي لا تملّ من الطهو.

قبلَ ثماني سنوات، جاءت إلى لبنان للعمل. لم تكن تفكّر بالأمر إلى أن شجعتها إحدى صديقاتها هناك. حين كانت في العشرين من عمرها، تغرّبت وعملت لدى عائلة لبنانية لمدة عامين. لم تكن سعيدة. صحيح أن المرأة التي عملت لديها أحبّتها، إلا أن مزاجيتها كانت تضايقها كثيراً. وبعد انتهاء مدة العقد، أرادت أن تكون حرة، وصارت تتنقل من بيت إلى آخر. لم تكره عملها ولم تحبّه. وكانَ عليها في نهاية كلّ يوم أن تعود إلى المطبخ لتعيد التوازن إلى نفسها.

لا تُطلق على نفسها لقب طاهية، لكنها تؤكّد أنها ناشطة، وتعمل في الوقت الحالي مع مركز للمهاجرين. في إحدى المرات، دعت مجموعة من أصدقائها في المركز إلى العشاء. في تلك الليلة، أصرّت على أن تطهو طعاماً أثيوبياً. دخلت مطبخها الأحب إلى قلبها، وكانت النتيجة جميلة. تذكر أن الجميع استمتعوا بالطعام الذي أعدته. أما هي، فاستمتعت بالإطراءات. أحياناً، يتأخر المرء قبل أن يكتشف نفسه في الحياة. في تلك الليلة، فكرت أن تغير عملها. لم تعد ترغب في تنظيف البيوت. ثمّ، فإنها موهوبة في إعداد الطعام. وهذا ليس "نفساً طيّباً" فقط، بل موهبة.

كذلك، لفتها أنه في لبنان، الذي يهتم باستضافة "مطابخ" كثيرة حول العالم، فاته الأثيوبي الصحي، كما تصفه، وربّما ظلّ البلد بالنسبة له محصوراً بعاملاته. لم تتردّد، وقد ساعدها أحد أصدقائها من خلال إطلاق صفحة على "فيسبوك". ولم يمرّ وقت طويل قبل أن بدأ عدد من الزبائن بالاتصال بها لإعداد الطعام.

بعد كلّ اتصال، تدخل إلى مطبخها في اليوم المحدد، وتمضي يومها بين اللحوم والخضار. ولحسن حظّ أولئك الذين لا يحبون الفلفل الحار، فهي عادة ما تضع القليل منه، إلا في حال أراد زبائنها الإكثار منه. السرّ يكمن في البهارات والثوم و"النفس". راحيل لا تحكي كثيراً وعليك فقط قراءة ما تريد أن تقوله. تعرفُ العربية والإنجليزية لكن العبارات لا تخرج منها كما ترغب، أو تكون ناقصة. تقولُ عيناها إن عشقها للطبخ هو السر، قبل أي إضافات.

تحكي عن "الدوروات" وهو عبارة عن دجاج وبيض مسلوق، و"الميسيروات" الذي يتألف من عدس وجزر وبصل وثوم وبهارات، و"الغومين" الذي يتألف من سلق مشوي مع البطاطا، ولا تنسَ الـ "انجرا"، وهو الخبز الذي يجب أن يكون موجوداً على المائدة الإثيوبية صباحاً وظهراً ومساء. وتلفت إلى أن أكثر ما يميز المطبخ الإثيوبي هو كثرة الخيارات، وخصوصاً للنباتيّين.

بالنسبة إليها، لا سعادة أكثر من الطهو. كل ما فعلته هو من أجلها. تحبّ أن تستيقظ مبتسمة، وقد يتحقق ذلك بعد إعداد عشاء لذيذ. لم تعد ترغب في البقاء طويلاً في لبنان. ربّما سنتان على الأكثر ريثما تدخر بعض المال لتحقيق مشروعها في مدينتها أديس أبابا. تريد أيضاً طهو الطعام وإطلاق خدمة التوصيل. قد لا تكون الأولى، لكن هناك حاجة كبيرة إلى ذلك. وتلفت إلى أن الموظفين الإثيوبيين عادة ما يجلبون معهم القليل من الخبز، ويفضلون تناول طعامهم في المنازل، وخصوصاً أن أسعار الوجبات في المطاعم مرتفعة.

وإلى أن تحقّق حلمها، ستواصل الطهو، ولن تنسى "الملوخية" التي تحب، وعملها كناشطة ومستمعة لمشاكل العاملات الأجنبيات. وستقصد مزيّن الشعر اللبناني، من دون أن تكترث لنظرات اللبنانيات، هي التي تجلس على كرسيّهم نفسه، وتدعو يومياً أن تتزوج وتنجب الأطفال. تريد أن تطهو لعائلتها الصغيرة.

اقرأ أيضاً: يويو تو.. عالمة صينية تنقذ الملايين من الملاريا
دلالات