21 فبراير 2018
ربيع الريف المغربي
يتعلم طلاب السنة الأولى في قسم السوسيولوجيا درسا مهما في منهجية استقراء الأحداث والظواهر موضوع البحث. يقول هذا الدرس: افهم قبل أن تحكم، ولا تترك الظاهر يخفي عنك الباطن.. هذا ما لم تقم به لا الحكومة المغربية، ولا جل من يستسهل القول والتعليق على حراك الريف الذي يهز المملكة هذه الأيام، ويدفع الدولة لتضع يدها على قلبها، مخافة أن يتحول الاحتجاج الاجتماعي إلى حراك سياسي في منطقةٍ حسّاسةٍ من الجغرافيا المغربية.
لنُعد بناء قصة (الحراك في الريف) الذي بدأ في أكتوبر/ تشرين الأول 2016 على وقع مصرع بائع السمك، محسن فكري، الذي صادرت الشرطة بضاعته من الأسماك، وأتلفتها في الشارع العام، بدعوى أن هذا النوع من السمك ممنوع اصطياده في هذا التوقيت من السنة، مع أن الشاب فكري اشتراه من الميناء تحت أعين المسوولين المتواطئين والفاسدين، ومازالت القصة مستمرة، وتتمدد تفاعلاتها ومطالبها مثل بقعة زيتٍ في منطقة محملةٍ بمواريث متفجرة في علاقة الهامش بالحكم المركزي في الرباط.
ما جرى أن المطالَب كانت بسيطة واجتماعية في البداية، ولما لم تلتفت إليها الحكومة، تحولت، شيئا فشيئا، إلى مطالب سياسية واقتصادية، تكاد تكون تعجيزية، لقد فجرت وفاة "بوعزيزي الحسيمة" غضبا كان مكبوتا في الشارع، ينتظر اللحظة المناسبة للخروج إلى العلن، وعرفت هذه الوفاة الدرامية لشابٍ في حاوية القمامة هشاشة البناء الاقتصادي والاجتماعي والمؤسساتي في جل مناطق البلاد، وفضحت هذه الأزمة غياب التمثيلية الحقيقية للسكان في موسسسات البرلمان والمجالس البلدية.
التوقيت في السياسة عنصر حيوي وأساسي، والمشكلة التي لا تحلها اليوم بدرهم يكلف حلها غدا مائة درهم. هذا ما جرى في شمال المملكة قبل أشهر، حيث إن ازمة تعطيل ميلاد الحكومة التي شلت المغرب، من 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2016 إلى 10 إبريل/ نيسان 2017، جعلت أزمة الريف تكبر وتكبر، مثل كرة الثلج في فراغ سياسي مهول، حيث أعطيت مفاتيح إدارة أزمة كبيرة ومعقدة إلى تكنوقراطيي وزارة الداخلية الذين يعانون من داء كبير اسمه (الأمية في فهم الحركات الاحتجاجية في مغرب اليوم)، حيث لا يعرف عقل وزارة الداخلية إلا التكييف الأمني للأحداث، وهو ما أنتج أطروحة اتهام المتظاهرين الذين يخرجون كل أسبوع للاحتجاج على سوء معيشتهم بأنهم انفصاليون، ويتلقون تمويلا خارجيا لزعزعة الاستقرار في المغرب. لقد أظهرت سياسة وزارة الدخلية إلى أي حد لم يستوعب عقل السلطة عمق الأزمة التي انفجرت في الريف، وقد تنفجر في مناطق أخرى من المغرب، لأن الثقة الزائدة في النفس التي أظهرها النظام منذ قرر إغلاق قوس الربيع المغربي، والتراجع عن هامش الحرية الذي فتحته حركة 20 فبراير قبل خمس سنوات، إلى أن قررت السلطة صرف زعيم حزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، من رئاسة الحكومة قبل الأوان، والالتفاف على نتائج الاقتراع الذي أعطى الحزب المرتبة الأولى بإخراج حكومة هجينةٍ لم ير الرأي العام نفسه وآماله فيها.. أوجد هذا كله أجواء نفسية وسياسية، توحي بأن ميزان القوى رجع إلى وضعه القديم، وأن السلطوية راجعة إلى مكانها بأمن وأمان في المغرب الذي كان كثيرون يظنون أنه استثناء في المنطقة... ولهذا، قال الباحث مصطفى السحيمي في لحظة صفاء ذهني: إن المخزن (الدولة العميقة بتعبير الشرق) يتعرّض لمحاكمة قاسية في الريف.
لنُعد بناء قصة (الحراك في الريف) الذي بدأ في أكتوبر/ تشرين الأول 2016 على وقع مصرع بائع السمك، محسن فكري، الذي صادرت الشرطة بضاعته من الأسماك، وأتلفتها في الشارع العام، بدعوى أن هذا النوع من السمك ممنوع اصطياده في هذا التوقيت من السنة، مع أن الشاب فكري اشتراه من الميناء تحت أعين المسوولين المتواطئين والفاسدين، ومازالت القصة مستمرة، وتتمدد تفاعلاتها ومطالبها مثل بقعة زيتٍ في منطقة محملةٍ بمواريث متفجرة في علاقة الهامش بالحكم المركزي في الرباط.
ما جرى أن المطالَب كانت بسيطة واجتماعية في البداية، ولما لم تلتفت إليها الحكومة، تحولت، شيئا فشيئا، إلى مطالب سياسية واقتصادية، تكاد تكون تعجيزية، لقد فجرت وفاة "بوعزيزي الحسيمة" غضبا كان مكبوتا في الشارع، ينتظر اللحظة المناسبة للخروج إلى العلن، وعرفت هذه الوفاة الدرامية لشابٍ في حاوية القمامة هشاشة البناء الاقتصادي والاجتماعي والمؤسساتي في جل مناطق البلاد، وفضحت هذه الأزمة غياب التمثيلية الحقيقية للسكان في موسسسات البرلمان والمجالس البلدية.
التوقيت في السياسة عنصر حيوي وأساسي، والمشكلة التي لا تحلها اليوم بدرهم يكلف حلها غدا مائة درهم. هذا ما جرى في شمال المملكة قبل أشهر، حيث إن ازمة تعطيل ميلاد الحكومة التي شلت المغرب، من 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2016 إلى 10 إبريل/ نيسان 2017، جعلت أزمة الريف تكبر وتكبر، مثل كرة الثلج في فراغ سياسي مهول، حيث أعطيت مفاتيح إدارة أزمة كبيرة ومعقدة إلى تكنوقراطيي وزارة الداخلية الذين يعانون من داء كبير اسمه (الأمية في فهم الحركات الاحتجاجية في مغرب اليوم)، حيث لا يعرف عقل وزارة الداخلية إلا التكييف الأمني للأحداث، وهو ما أنتج أطروحة اتهام المتظاهرين الذين يخرجون كل أسبوع للاحتجاج على سوء معيشتهم بأنهم انفصاليون، ويتلقون تمويلا خارجيا لزعزعة الاستقرار في المغرب. لقد أظهرت سياسة وزارة الدخلية إلى أي حد لم يستوعب عقل السلطة عمق الأزمة التي انفجرت في الريف، وقد تنفجر في مناطق أخرى من المغرب، لأن الثقة الزائدة في النفس التي أظهرها النظام منذ قرر إغلاق قوس الربيع المغربي، والتراجع عن هامش الحرية الذي فتحته حركة 20 فبراير قبل خمس سنوات، إلى أن قررت السلطة صرف زعيم حزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، من رئاسة الحكومة قبل الأوان، والالتفاف على نتائج الاقتراع الذي أعطى الحزب المرتبة الأولى بإخراج حكومة هجينةٍ لم ير الرأي العام نفسه وآماله فيها.. أوجد هذا كله أجواء نفسية وسياسية، توحي بأن ميزان القوى رجع إلى وضعه القديم، وأن السلطوية راجعة إلى مكانها بأمن وأمان في المغرب الذي كان كثيرون يظنون أنه استثناء في المنطقة... ولهذا، قال الباحث مصطفى السحيمي في لحظة صفاء ذهني: إن المخزن (الدولة العميقة بتعبير الشرق) يتعرّض لمحاكمة قاسية في الريف.