يُعدّ سمير سلامة (1944 ـ 2018)، الذي رحل صباح اليوم الخميس في باريس، أحدَ الفنّانين التشكيليّين الفلسطينيّين الذي مثّل رصدُ المكان الأوّل هاجساً أساسياً في أعمالهم؛ حيثُ انشغلت أعماله باستعادة مدن فلسطين وقراها.
وُلد سلامة، الذي بدأت تجربته التشكيلية في الستينيات في مدينة صفد التي اضطرّت عائلته، إثر نكبة فلسطين، للنزوح عنها إلى دمشق، وهو في الرابعة من العمر، قبل أن تستقرّ في مدينة درعا السورية.
بدأ منذ الرسم منذ طفولته، فرسم بورتريهات لأصدقائه ومناظر من الطبيعة، وأقام معرضَين قبل دخوله "كلية الفنون الجميلة" عام 1967.
مطلعَ السبعينيات، التحق بـ "منظّمة التحرير الفلسطينية"، وعمل لسنوات عدّة في تصميم الملصق السياسي. كما شارك في تأسيس "نقابة الفنّانين الفلسطينيين"، وانتقل بعدها إلى باريس لاستكمال دراساته العليا، وعاش هناك حتى أواخر التسعينيات، إذ عاد إلى رام الله عام 1995؛ حيث أقام أول معارضه في "مركز خليل السكاكيني"، ثم عمل مسؤولاً عن الأنشطة الفنّية في "جمعية الهلال الأحمر"، وظلّ بعدها مديراً عامّاً له حتى تقاعده عام 2004.
أصيب سلامة بالسرطان، فسافر إلى باريس لاستكمال العلاج منذ فترة؛ ليرحل في مستشفى قريب من بلدة سانت فينسنت دو لور الفرنسية. ومن المنتظّر أن تُقام مراسم دفنه مطلع الأسبوع المقبل، بحسب أصدقاء االراحل.
يتناول سلامة، في أعماله، صفات الطبيعة الزائلة ويثبّتها، متتبّعاً الجمال اللوني والمساحات الخضراء التي تتّسع في لوحته وتًصبح أكثر خضرة وامتلاءً، بمزيج من الانطباعية والتجريدية.
تُصرّ لوحاته على البقاء في الهواء الطلق، فيحضر فيها التصوير الواضح للأشكال والمنظور الخطّي واللون الجريء والتركيبات غير التقليدية اللافتة للنظر، والتي تُعطي تدرّجات كثيرة من الضوء والظل والطقس داخل المشهد.
كان سلامة غزيز الإنتاج، سلامة وصاحب أسلوب خاص في الرسم والتلوين، صاغه عبر تجربة ممتدّة ومنفتحة على تجارب متنوّعه في المشهد التشكيلي العالمي؛ حيث قدّم أكثر من سبعين معرضاً شخصياً وجماعياً، وتنوّعت أعماله التي وظّف في بعضها الخط العربي إلى جانب الرسم المائي والطباعة.
قبل رحيله بيوم واحد، اختُتمت أربعة معارض استعادية لتجربته، أُقيمت بالتزامن في صالات مختلفة في فلسطين؛ في "غاليري زاوية" و"غاليري وان" في رام الله، و"حوش الفن الفلسطيني" في القدس، و"باب الدير" في بيت لحم.
ضمّت تلك المعارض قرابة 150 لوحة عبّرت عن الطبيعة والريف والأحياء الشعبية والقرى السورية ومجمل التجربة الفلسطينية، بلغة بصرية تجريدية وألوان شديدة التنوّع والثراء.
اشتملت أيضاً على أعمال تعود أقدمها إلى عام 1961، حيث لوحةٌ بالرصاص بعنوان "درعا" ترصد مشهداً من شوارعها في ذلك الوقت، وصولاً إلى عام 2018، هو الذي رسم أربعين عملاً رغم المرض، بعضها يصل في الحجم إلى متر ونصف.