نعت الجماعة الإسلامية في مصر، عصام دربالة رئيس مجلس الشورى، والرجل الأول فيها، الذي قضى داخل سجن العقرب، شديد الحراسة، الذي أصبح مقبرة للمعارضين السياسيين.
ورفضت الجماعة أن تطلق تسمية "موت" على وفاة دربالة، متهمة إدارة السجن والنظام السياسي بقتله عمدا، بعدما منعت عنه الدواء والرعاية الصحية على مدار الأشهر الماضية، وبعدما تعسّفت ورفضت كل محاولات نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج، رغم سوء حالته وتدهورها يوماً بعد يوم.
ولد دربالة في مدينة المنيا عام 1957، في أسرة قانونية ترفض الظلم، فشقيقه هو المستشار ناجي دربالة، نائب رئيس محكمة النقض، وأحد أقطاب تيار استقلال القضاء، والذي تمت إحالته للصلاحية أخيرا، بسبب توقيعه على بيان رفض الانقلاب العسكري المعروف بـ"بيان قضاة رابعة".
بدأ حياته السياسية متأثرا بالفكر الناصري الذي كان سائداً آنذاك، ولكن سرعان ما تركه وانضم في فترة السبعينيات للجماعة الإسلامية في جامعة أسيوط، حيث كان يدرس في كلية الهندسة.
وعقب اغتيال الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، تم القبض عليه، واتهم بالاشتراك في أحداث مدينة أسيوط الشهيرة، وتم الحكم عليه بالسجن المؤبد لمدة خمسة وعشرين عاماً قضاها كاملة، قبل أن يتم الإفراج عنه أواخر عام 2006.
اشترك في المراجعات الفكرية الشهيرة للجماعة الإسلامية، ويعتبر من أبرز منظّريها ومفكريها، واشتهر بالرد على أفكار تنظيم القاعدة في كتاب حمل اسم "استراتيجية القاعدة.. الأخطاء والأخطار".
كما ساهم دربالة في الرد على الأفكار التكفيرية، وله مصنف ضخم فند فيه هذه الأفكار، لكن لم يطبع بعد.
تولى دربالة رئاسة مجلس شورى الجماعة الإسلامية، عقب أول انتخابات تشهدها الجماعة عام 2011 بعد الإطاحة بحسني مبارك، واستطاع إعادة ترتيب الجماعة، كما سعى إلى إعادة تقديمها للرأي العام بعيداً عن الصورة النمطية للجماعة التي تولدت بسبب الصدام بينها وبين النظام الحاكم في التسعينيات.
اشتهر دربالة بحرصه على التوصل إلى حل سياسي للأزمة الحالية، ورفضه إدخال مصر دوامة الفوضى، ورفع لاءات ثلاث "لا للتكفير.. لا للتفجير.. لا لقتل المتظاهرين". كما عقد العديد من الندوات واللقاءات للتحذير من الفكر الداعشي، وبالرغم من ذلك تم القبض عليه وإيداعه سجن العقرب بطره حتى وافته المنية نتيجة الإهمال الطبي.
وعلى الرغم من البداية العنيفة لدربالة مع العمل الإسلامي، حيث كان واحدا ممن قاموا بالهجوم على مديرية أمن أسيوط في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 1981، بعد يومين من اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، وتعرضه لإصابة بالغة تم على إثرها بتر ذراعه، إلا أن دربالة كان خلال أيامه الأخيرة، وتحديدا قبل إلقاء القبض عليه من جانب أجهزة الأمن المصرية في فجر الأربعاء 13 مايو/أيار الماضي، يقوم بجولة في المحافظات المصرية، في إطار حملة بين صفوف الجماعة، لمنع انضمام أي منهم لتنظيم "الدولة الإسلامية". وكان دربالة حريصا، قبل اعتقاله، على تحذير أعضاء وقيادات الجماعة الإسلامية من تبني منهج العنف في مواجهة الدولة، على الرغم من تجاوزات أجهزة الأمن بحق الرافضين للانقلاب في مصر.
جعل دربالة قضيته الرئيسية من الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو/تموز 2013، الحفاظ على سلمية الثورة والحراك الثوري، رافضا بشكل قاطع دعوات تسليح الثورة التي ظهرت بعد تمادي النظام المصري في قمع المعارضين، إلى الحد الذي تعرضت له فتيات للاغتصاب في السجون، حيث كان دربالة يؤكد للمقربين له أن أي صراع مسلح سيكون في صالح الدولة التي تمتلك إمكانات هائلة، كما أنه كان مؤمنا بأن النظام المصري يضغط بكافة الوسائل لدفع الشباب الثائر إلى حمل السلاح حتى تكون مهمته سهلة أمامهم، لكي ينزع عنهم الدعم والغطاء الدولي، للدرجة التي دفعت قيادات بالجماعة، وفي مقدمتهم طارق الزمر، رئيس المكتب السياسي لحزب البناء والتنمية، الذراع السياسية للجماعة، إلى التأكيد أن إلقاء القبض على دربالة كان يهدف إلى منع النظام السياسي أي جهود في هذا الإطار.