قُرأت معظم المساهمات الفكرية التي ظهرت في تونس في مجال الإسلاميات باعتبارها موغلة في الدعوة للعلمنة، وبالتالي صدامية مع الفهم العام للنص الديني، ما جعل مخرجاتها ينحصر تداولها في أطر نخبوية؛ أكاديمية في الغالب. كان ذلك حال مساهمات الأنثروبولوجي يوسف الصدّيق أو المؤرّخ محمد الطالبي أو المفكر التربوي محمد الشرفي.
يمكن اعتبار مساهمة كمال عمران (1951 – 2018) الذي رحل عن عالمنا أوّل أمس استثناء في هذا المجال، حيث أنه حاول تقديم فكر إسلامي حديث نابع من التراث الإصلاحي الذي تبلور في عصر النهضة العربية، حيث تقوم فكرته على اعتبار أن الاستعمار مثّل قطيعة لحركة إصلاحية جدّية من داخل المؤسسات الدينية تقدّمت بشكل متواز في بلاد مثل تونس ومصر، ومن ثم يمكن الاستئناف على ما بدأته عوض الاعتماد على الوافد الغربي كما فعل معظم المفكرين الإسلاميين في العصر الحديث، سواء في تونس أو خارجها.
وعلى خلاف بقية معظم زملائه من الجامعيين، كان عمران ناشطاً في فضاءات بعيدة عن قاعات التدريس أو حلقات المثقفين، حيث كان له نشاط مدني سواء عبر العمل السياسي أو الديني، وكان إلى ذلك إعلامياً له حضور في الإذاعات والقنوات التلفزية. كما يُذكر تقلّده لمناصب عليا في الدولة، في مجالات التربية وإدارة الشؤون الدينية.
على مستوى التأليف يمكن تقسيم أعمال عمران إلى فئتين أساسيّتين؛ الأولى انشغل فيها بقضايا الإسلام الفكرية المعاصرة، وحاول تأصيلها فلسفياً وتشريعياً وحضارياً، ومن أبرز أعماله "الإنسان ومصيره في الفكر العربي الإسلامي الحديث"، وكذلك كتب مثل "الإبرام والنقض في الثقافة الإسلامية"، و"التجديد والتجريب في الثقافة الإسلامية".
أما الفئة الثانية فقد كانت مؤلّفات تهتم بجميع فروع الثقافة، خصوصاً الأدب، وهو مجال تخصّصه الأصلي، ومن أعماله فيها "شغاف النص: في تحليل النص الحضاري"، و"مداخل إلى الثقافة"، كما حقٌّق وقدّم "مذكرات الشابي"، بالإضافة إلى بحث حول أدب أبو العلاء المعري.