في بيئةٍ مختلفة كلياً عن بيئتها الطبيعية، تربّى الإبل في عدد من المناطق في قطاع غزة. فالمساحة الضيّقة والطقس المعتدل ليسا عاملين مناسبين لتربيتها. إلا أن بعض العائلات الفلسطينية البدوية التي تسكن في القطاع تتمسك بتربيتها، بسبب لحمها وحليبها، والأهم حبها لها. وتحظى تربية الإبل باهتمام الكثيرين، وخصوصاً أنها تعد مصدر رزق لهم، فيما يصرّ آخرون على تربيتها تمسّكاً بتراث آبائهم وأجدادهم.
مع إشراقة كل يوم جديد، يتفقد أسامة الملاحي (33 عاماً) إبله التي اعتاد تربيتها مذ كان صغيراً. بالنسبة إليه، هي جزء من التراث. ولا مبالغة في القول إنها باتت جزءاً من عادات عائلة الملاحي وغيرها من العائلات البدوية التي تسكن القطاع. يقول الشاب الذي يسكن منطقة المواصي (جنوب قطاع غزة)، لـ "العربي الجديد": "طعام الإبل متوفّر لكن تكمن الصعوبة في تربيتها"، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن فوائده الغذائية عديدة، بالإضافة إلى القدرة على التنقل من مكان إلى آخر من خلاله.
تشارك الإبل في تقديم العروض خلال الحفلات البدوية والمناسبات الوطنية، بالإضافة إلى ترفيه الأطفال من خلال الركوب عليه على شاطئ بحر غزة وأماكن أخرى. ويلفت الفلاحي إلى أنه يفرح لدى تقديم إبله للرقص والمشاركة في حفلات الزفاف البدوية مع الخيل. ويصفها بأنها من الحيوانات المحبوبة لدى الأطفال بشكل عام.
ويقدّر عدد الإبل في قطاع غزة، بحسب إحصائيات وزارة الزراعة، بأكثر من ألفي رأس، معظمها من سلالة الملحوس وأصلها من منطقة جنوب سيناء المصرية.
ولا تقتصر تربية الإبل على الرجال من البدو، بل تهتم النساء بها أيضاً. وتقول صبحة سويلم (42 عاماً) لـ "العربي الجديد": "يجمع أطفالي العشب من الأراضي الزراعية القريبة مرتين يومياً"، لافتة إلى أنها تساعدهم ونساء أخريات. تضيف أنها تطعم الإبل وتنظفها، فيما تحلب أخريات الإناث منها لبيع الحليب. وعادة ما يباع حليب الإبل لأغراض طبية. إلا أن سويلم تعطي المريض القليل من الحليب مجاناً.
وبسبب عدم ملاءمة الظروف المناخية في قطاع غزة، يقطع عبد أبو خوصة أكثر من سبعة كيلومترات يومياً (الحدود الشرقية لدير البلح) حتى يستطيع تأمين الحشائش بسبب عدم توفّر المراعي الطبيعية لتربية الإبل. يتابع: "اعتدت وأبناء أسرتي على تربية الإبل منذ القدم. وما زلنا مصرين على الحفاظ على هذا الإرث على الرغم من جميع الصعوبات والمعوّقات التي نواجهها"، لافتاً إلى أنها "حياتنا ومصدر رزقنا وفخرنا الذي ننتمي إليه".
لا يهتم أبو خوصة بالربح المالي لتربية الإبل. ببساطة، يعشق تربيتها ويجعله هذا الأمر سعيداً، هو الذي يقضي يومه بالاعتناء بها. ويعطي الحليب لبعض المحتاجين من دون مقابل. يقول: "نحن عائلات بدوية نعشق أصلنا وأصالتنا. وعلى الرغم من التقدّم الذي يشهده قطاع غزة، إلا أننا لم نتخل عن عاداتنا. فالإبل هي ثروة البدوي وكنزه الثمين".
يربي أبو خوصة سلالة من الإبل يزيد عمرها عن العشرة أعوام. وكلّما تلد واحدة يبيعها ويحافظ على أولادها. يقول إن لدى إبله ذاكرة قوية. وإذا ما تاهت، فهي قادرة على العودة إلى المكان الذي تعيش فيه. وفي ظل مرور وقت طويل على تربيته الإبل، بات قادراً على مداواتها في حال مرضت، علماً أن ليس لديه شهادة علمية. بات قادراً على فحص الماشية، كما يساعد أصدقاءه في توليد بعضها في الحالات الصعبة.
وتتراوح أسعار الإبل للرأس البالغ سبعة أشهر حوالى ألفي دولار أميركي. وتعرف بتسميات عدة في القطاع، منها حرازي ورخيمان وشعيلان وقعيري وعشيبي وزريقان وضبعان وخضيران. أما الاسم الأكثر انتشاراً فهو الملحوسي وقد جاءت من سيناء وتعيش سلالته في قطاع غزة منذ نحو ثلاثين عاماً.
وباتت الإبل أكثر تأقلماً في قطاع غزة، ويمكنها العيش في أي طقس. تأكل الحشائش والصبار، ولها عين محدبة ترى من خلالها خمسة أضعاف أكثر من الانسان. وبحسب أبو خوصة، فالإبل الأنثى أكثر أماناً من الذكر. على سبيل المثال، إذا تعرض الإبل الذكر للضرب يغدر بمن اعتدى عليه. يدوم حمل أنثاه 12 شهراً وأكثر، علماً أنها لا تدر الحليب خلال هذه الفترة أبداً. وجلّ ما يتمناه مربو الإبل في قطاع غزة أن تتوفر لهم مراع صالحة، بالإضافة إلى الحصول على دعم من الحكومة بهدف تربيتها بشكل أفضل وأسلم.