لا يمكن فصل زيارة رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، أمس الإثنين، كُلاًّ من لبنان والأردن، بشكل مفاجئ، عن تداعيات أزمة تدفق اللاجئين إلى الدول الأوروبية، وما باتت تفرضه من تحديات أجبرت الدول الأوروبية على التعاطي معها بشكل مباشر وسريع، ضمن سياسة التركيز على الحد من تدفق اللاجئين إلى الدول الأوروبية، بالتنسيق مع دول الجوار السوري، التي تستضيف العدد الأكبر من اللاجئين، وذلك في إطار مقاربة تقوم بشكل أساسي على ركيزتين: العمل على تحسين أوضاع اللاجئين في دول الجوار من جهة، لإبقائهم حيث هم، والحد من عمليات التهريب من جهة ثانية.
زيارة كاميرون بيروت كانت مفاجئة وقصيرة، إذ وصلها عند السادسة صباحاً وغادرها عند ساعات الظهر بعد جولة على عدد من المسؤولين ومخيّمات اللاجئين السوريين في البقاع (شرقي لبنان)، في الوقت الذي كانت بريطانيا تعلن فيه عن تعيين ريتشارد هارينغتون في منصب مساعد لوزير الخارجية لشؤون اللاجئين، وتكليفه بمسؤولية تنسيق العمل داخل الحكومة البريطانية، لإعادة إيواء ما يصل إلى 20 ألف لاجئ سوري في المملكة المتحدة، وكذلك تنسيق المساعدة الحكومية للاجئين السوريين في منطقة الشرق الأوسط.
تؤكد مصادر وزارية لبنانية على أنّ المسؤولين اللبنانيين تبلّغوا، قبل ساعات من زيارة كاميرون، نيّة الأخير التوجه إلى لبنان، مع تمنٍّ بريطاني بـ "إبقاء الزيارة بعيدة عن الإعلام ومن دون الإعلان عنها لأسباب أمنية".
وتركزت الزيارة على ملف الحرب السورية بشقّها الإنساني تحديداً، والمتمثّل بقضية اللجوء الكثيف التي تشهدها البلاد في هذه المرحلة تحديداً. وفي السياق نفسه، تشير المصادر نفسها لـ"العربي الجديد" إلى أنه "من المفترض أن تستقبل بريطانيا عدداً من اللاجئين السوريين إلى لبنان في السنوات الخمس المقبلة، بمعدّل 1500 لاجئ كل عام"، وذلك في إطار إعلان الدولة البريطانية عن نيّتها فتح أبواب اللجوء أمام السوريين اللاجئين أصلاً إلى كل من لبنان والأردن وتركيا.
واللافت أنّ أجواء السفارات الغربية في بيروت، تُجمع على تحذير المسؤولين اللبنانيين، السياسيين والأمنيين، حول ضرورة التنبّه إلى تنامي ظاهرة شبكات تهريب البشر من لبنان إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، وخطورة هذا الملف، مع العلم بأنّ الأجهزة الأمنية اللبنانية، وأبرزها الأمن العام اللبناني، تعلن بشكل أسبوعي منذ أكثر من شهر عن توقيف متورطين في محاولة تهريب لاجئين على السواحل اللبنانية.
اقرأ أيضاً لبنان: كاميرون يلتقي سلام ويشدد على دعم اللاجئين
وفي حين يدرك المسؤولون البريطانيون أنّ هذه الأعداد، المقرّر استقبالها على أراضي المملكة المتحدة، تعدّ نقطة في بحر ملايين السوريين الذين وصلوا إلى البلدان الثلاثة (لبنان، الأردن، تركيا) منذ بدء الثورة في سورية، لم تغفل بريطانيا ضرورة التشديد على استكمال دعم المجتمعات المضيفة والأسر السورية على حدّ سواء. ويقدر عدد اللاجئين السوريين في لبنان بأكثر من مليون ونصف المليون.
وفي السياق نفسه، أكد كاميرون، خلال لقاءاته السياسية في بيروت، على مضاعفة بلاده الدعم لـ"مواجهة الأزمة السورية وانعدام الاستقرار"، خصوصاً في قطاع التعليم للتلاميذ اللبنانيين والسوريين. وأشار إلى "مضاعفة بريطانيا دعمها هذا القطاع لأكثر من 90 مليون دولار للسنوات الثلاث المقبلة". ولجأت السفارة البريطانية أمس إلى توزيع أرقام المساعدات التي قدمتها منذ بدء الثورة السورية، مشيرة إلى تخصيص 450 مليون دولار أميركي لـ"دعم الاستقرار في لبنان" و1.5 مليار دولار لـ"الأزمة السورية".
على الصعيد السياسي اللبناني، أتت زيارة كاميرون تأكيداً لدعم بريطانيا للحكومة اللبنانية والتمسك بها في ظل الشغور الرئاسي. وتشير أوساط رئيس الوزراء اللبناني، تمام سلام، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "دعم كاميرون الحكومة أتى في إطار التأكيد على دعم لبنان واستقراره". كما شدد كاميرون بعد اللقاء على ضرورة "حثّ الأفرقاء اللبنانيين على انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت، والوصول إلى فهم أفضل للظروف الصعبة التي تواجه البلاد".
ويأتي هذا الموقف ليؤكد التمسك الدولي بالحكومة اللبنانية على الرغم من كل الشلل والتعطيل الحاصلين فيها فضلاً عن الفشل الذي تراكمه هذه الحكومة على الأصعدة كافة.
أما لقاء كاميرون مع قائد الجيش اللبناني، جان قهوجي، فشكل فرصة لتأكيد رئيس الوزراء البريطاني على التزام بلاده "الصارم باستقرار لبنان، ولا سيما الشراكة مع الجيش اللبناني من خلال برنامج (التدريب والتسليح) الهادف إلى الحدّ من امتداد النزاع السوري ومكافحة خطر داعش على الحدود"، مؤكداً على توفير 7.5 ملايين دولار لتنفيذ هذا البرنامج.
ولم يختلف برنامج كاميرون في الأردن عن برنامجه في لبنان، إذ تضمن زيارة مخيم الزعتري للاجئين السوريين، فضلاً عن لقاء العاهل الأردني، عبد الله الثاني.
اقرأ أيضاً: البريطانيون يرحبون باللاجئين السوريين ويدعمونهم