13 يونيو 2021
رسائل سودانية إلى مصر والسعودية
رفضت الخرطوم أخيرا اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، الموقعة في إبريل/ نيسان، والتي عرفت باتفاقية جزيرتي تيران وصنافير، لتضمينها مثلث حلايب وشلاتين ضمن الحدود المصرية، بالمخالفة لاتفاقية استغلال مياه البحر الأحمر الموقعة بين الخرطوم والرياض عام 1974، وأرسلت الحكومة السودانية إخطارا رسميا إلى الأمم المتحدة في هذا الشأن. وقد أثارت خطوة الخرطوم هذه عدة تساؤلات بشأن توقيت هذا التصعيد، وأسبابه، والرسائل المستهدفة منه، والمسارات التي يمكن أن تسلكها الخرطوم في هذا الشأن، ناهيك عن إمكانية تحقيق الأهداف المرجوّة منه.
يلاحظ بداية أن توقيت توجه السودان بالشكوى إلى الأمم المتحدة جاء متأخرا (بعد حوالي 20 شهرا)، وإن برّرت الخرطوم ذلك بأنها حاولت، بعد توقيع الاتفاق بيومين، الحصول على نصه من القاهرة والرياض، وأكدت في الوقت نفسه، رفضها ضم مثلث بلدات حلايب وشلاتين وأبو رماد إلى مصر باعتبارها مناطق نزاع وأراضي سودانية. ولم يكن هذا التبرير مقنعا لمحللين عديدين، ولمتابعي تطورات الأحداث، لا سيما مع وضوح الموقف السعودي والمصري من قضية حلايب وشلاتين، فمصر ردّت ببيانٍ يؤكّد مصرية هذه الأراضي، ورفض فكرة التفاوض أو التحكيم بشأنها. وكذلك السعودية التي أكد زير خارجيتها، عادل الجبير، على هامش توقيع الاتفاقية، أن بلاده "ستساعد مصر في ترسيم حدودها الجنوبية بما يحفظ حقوقها في حلايب وشلاتين". وقال السفير السعودي في القاهرة، أحمد القطان، في لقاء تلفزيوني، إنّ حلايب وشلاتين "أراض مصرية" تحت إدارة سودانية.
معنى هذا أن التبريرات السودانية بتأخير الرد للحصول على تفاصيل الاتفاق ليست مقنعة. فيبرز السؤال عن أسباب التحرك أخيرا. هنا تتم الإشارة إلى وجود توتر شديد في العلاقة بين مصر والسودان حاليا، ظهر في عدة مؤشرات، منها ما تردده الخرطوم من تمصير القاهرة حلايب، بل وسعيها أخيرا إلى إقامة سد لتخزين المياه بها، في مقابل فرض الخرطوم، للمرة الأولى، تأشيرات دخول للمصريين، وكذلك حظر استيراد بعض السلع والخضروات من مصر، فضلا عن رفض الرئيس عمر البشير زيارة القاهرة. ويقابل هذا التوتر فتور في العلاقة بين الرياض والخرطوم، وسط تصاعد المطالب بضرورة سحب البشير قواته من التحالف العربي المشارك في الحرب في اليمن، لتكبدها خسائر بشرية من دون مقابل، أكبر مقارنة بدول أخرى، مثل مصر التي لم تشارك بقوات برية، ومع ذلك حصلت على مليارات سعودية.
معنى هذا أن رسائل السودان في اللجوء إلى المنظمات الدولية لا تستهدف، هذه المرة، مصر فقط، وإنما السعودية أيضا باعتبارها خالفت اتفاقية 1974. بل ربما تكون الرياض المستهدف الأول، على اعتبار أن الخرطوم سبق وأن تقدمت بشكاوى كثيرة إلى الأمم المتحدة، ومجلس الأمن تحديدا ضد مصر بشأن حلايب وشلاتين، فالبشير، على ما يبدو، يعمل على إسكات المعارضة التي طالما طالبته بتفسير ارتمائه في أحضان الرياض بدون مقابل، وكيف أن السودان هي الدولة العربية الوحيدة خارج دول مجلس التعاون الخليجي التي شاركت، وبسرعة فائقة، وبدون موافقة البرلمان بقوات برية في اليمن، بل إن السعودية، من وجهة نظرهم، لم ترد الجميل، فلم تتوسط لدى مصر بشأن حلايب وشلاتين، كما طلب البشير منها ذلك نهاية 2015. ولم تقدّر قطع الخرطوم علاقاتها مع طهران أوائل 2016، بل وقعت، في المقابل، اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع مصر التي لم تدع مجالا للشك بأن حلايب وشلاتين مصريان، وبالتالي كان ينبغي اتخاذ هذا الإجراء قبل فترة.
ومما يؤشر أيضا على استهداف الخرطوم السعودية، هذه المرة، طلب الأولى أخيرا إنشاء قواعد عسكرية روسية على أراضيها المطلة على البحر الأحمر، ما قد يعني مغازلة الرياض، وكذلك مصر، في إطار حرص كل منهما على فرض هيمنته عليه، خصوصا السعودية التي حرصت على بسط نفوذها عبر إيجاد موطئ قدم لها في الشمال، عبر مضيق تيران تحديدا، وفي الجنوب، حيث باب المندب، وتوطيد علاقاتها مع جيبوتي، وإقامة قاعدة عسكرية لها
هناك، لتضمن السيطرة على الضفة الغربية من المضيق المقابلة لعدن الخاضعة لحليفتها الإمارات.
يبقى السؤال، إذا ما كانت هذه هي الرسائل السودانية، ماذا سيكون رد فعل الخرطوم في حالة عدم الاستجابة من القاهرة والرياض لها؟ خصوصا في ظل إدراك كلتيهما أن الأمم المتحدة ربما تبحث الأمر، فضلا عن أن قراراتها غير ملزمة، أما بشأن مجلس الأمن، فإن تحريك الموضوع فيه بداية، والوصول إلى قرار ملزم انتهاءً، يتطلبان إجراءات وتعقيدات كبيرة.
تبرز هنا عدة خيارات سودانية تجاه كل طرف، فقد توقع الخرطوم على اتفاق عنتيبي بشأن سد النهضة مع إثيوبيا، لتترك مصر بمفردها، ناهيك عن رفضها التوسّط لدى أديس أبابا بخصوص السد، وقضيتي الملء الأول وإدارته. وبالنسبة للسعودية، الخطوة الأولى هي سحب الخرطوم قواتها من قوات التحالف العربي المحاربة في اليمن، لا سيما مع زيادة خسائرها البشرية. وما سوى ذلك، قد تصبح رسائلها، من وجهة نظر معارضيها، بمثابة محاولة إرضاء الرأي العام الداخلي، من دون اتخاذ خطوات حقيقية في طريق استعادة الأراضي، المسلوبة من وجهة نظرهم.
يلاحظ بداية أن توقيت توجه السودان بالشكوى إلى الأمم المتحدة جاء متأخرا (بعد حوالي 20 شهرا)، وإن برّرت الخرطوم ذلك بأنها حاولت، بعد توقيع الاتفاق بيومين، الحصول على نصه من القاهرة والرياض، وأكدت في الوقت نفسه، رفضها ضم مثلث بلدات حلايب وشلاتين وأبو رماد إلى مصر باعتبارها مناطق نزاع وأراضي سودانية. ولم يكن هذا التبرير مقنعا لمحللين عديدين، ولمتابعي تطورات الأحداث، لا سيما مع وضوح الموقف السعودي والمصري من قضية حلايب وشلاتين، فمصر ردّت ببيانٍ يؤكّد مصرية هذه الأراضي، ورفض فكرة التفاوض أو التحكيم بشأنها. وكذلك السعودية التي أكد زير خارجيتها، عادل الجبير، على هامش توقيع الاتفاقية، أن بلاده "ستساعد مصر في ترسيم حدودها الجنوبية بما يحفظ حقوقها في حلايب وشلاتين". وقال السفير السعودي في القاهرة، أحمد القطان، في لقاء تلفزيوني، إنّ حلايب وشلاتين "أراض مصرية" تحت إدارة سودانية.
معنى هذا أن التبريرات السودانية بتأخير الرد للحصول على تفاصيل الاتفاق ليست مقنعة. فيبرز السؤال عن أسباب التحرك أخيرا. هنا تتم الإشارة إلى وجود توتر شديد في العلاقة بين مصر والسودان حاليا، ظهر في عدة مؤشرات، منها ما تردده الخرطوم من تمصير القاهرة حلايب، بل وسعيها أخيرا إلى إقامة سد لتخزين المياه بها، في مقابل فرض الخرطوم، للمرة الأولى، تأشيرات دخول للمصريين، وكذلك حظر استيراد بعض السلع والخضروات من مصر، فضلا عن رفض الرئيس عمر البشير زيارة القاهرة. ويقابل هذا التوتر فتور في العلاقة بين الرياض والخرطوم، وسط تصاعد المطالب بضرورة سحب البشير قواته من التحالف العربي المشارك في الحرب في اليمن، لتكبدها خسائر بشرية من دون مقابل، أكبر مقارنة بدول أخرى، مثل مصر التي لم تشارك بقوات برية، ومع ذلك حصلت على مليارات سعودية.
معنى هذا أن رسائل السودان في اللجوء إلى المنظمات الدولية لا تستهدف، هذه المرة، مصر فقط، وإنما السعودية أيضا باعتبارها خالفت اتفاقية 1974. بل ربما تكون الرياض المستهدف الأول، على اعتبار أن الخرطوم سبق وأن تقدمت بشكاوى كثيرة إلى الأمم المتحدة، ومجلس الأمن تحديدا ضد مصر بشأن حلايب وشلاتين، فالبشير، على ما يبدو، يعمل على إسكات المعارضة التي طالما طالبته بتفسير ارتمائه في أحضان الرياض بدون مقابل، وكيف أن السودان هي الدولة العربية الوحيدة خارج دول مجلس التعاون الخليجي التي شاركت، وبسرعة فائقة، وبدون موافقة البرلمان بقوات برية في اليمن، بل إن السعودية، من وجهة نظرهم، لم ترد الجميل، فلم تتوسط لدى مصر بشأن حلايب وشلاتين، كما طلب البشير منها ذلك نهاية 2015. ولم تقدّر قطع الخرطوم علاقاتها مع طهران أوائل 2016، بل وقعت، في المقابل، اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع مصر التي لم تدع مجالا للشك بأن حلايب وشلاتين مصريان، وبالتالي كان ينبغي اتخاذ هذا الإجراء قبل فترة.
ومما يؤشر أيضا على استهداف الخرطوم السعودية، هذه المرة، طلب الأولى أخيرا إنشاء قواعد عسكرية روسية على أراضيها المطلة على البحر الأحمر، ما قد يعني مغازلة الرياض، وكذلك مصر، في إطار حرص كل منهما على فرض هيمنته عليه، خصوصا السعودية التي حرصت على بسط نفوذها عبر إيجاد موطئ قدم لها في الشمال، عبر مضيق تيران تحديدا، وفي الجنوب، حيث باب المندب، وتوطيد علاقاتها مع جيبوتي، وإقامة قاعدة عسكرية لها
يبقى السؤال، إذا ما كانت هذه هي الرسائل السودانية، ماذا سيكون رد فعل الخرطوم في حالة عدم الاستجابة من القاهرة والرياض لها؟ خصوصا في ظل إدراك كلتيهما أن الأمم المتحدة ربما تبحث الأمر، فضلا عن أن قراراتها غير ملزمة، أما بشأن مجلس الأمن، فإن تحريك الموضوع فيه بداية، والوصول إلى قرار ملزم انتهاءً، يتطلبان إجراءات وتعقيدات كبيرة.
تبرز هنا عدة خيارات سودانية تجاه كل طرف، فقد توقع الخرطوم على اتفاق عنتيبي بشأن سد النهضة مع إثيوبيا، لتترك مصر بمفردها، ناهيك عن رفضها التوسّط لدى أديس أبابا بخصوص السد، وقضيتي الملء الأول وإدارته. وبالنسبة للسعودية، الخطوة الأولى هي سحب الخرطوم قواتها من قوات التحالف العربي المحاربة في اليمن، لا سيما مع زيادة خسائرها البشرية. وما سوى ذلك، قد تصبح رسائلها، من وجهة نظر معارضيها، بمثابة محاولة إرضاء الرأي العام الداخلي، من دون اتخاذ خطوات حقيقية في طريق استعادة الأراضي، المسلوبة من وجهة نظرهم.