02 نوفمبر 2024
رسائل من جرود عرسال
تحوّلت معركة جرود عرسال، شرقي لبنان، بإفرازاتها السياسية والاجتماعية والأمنية، إلى محطةٍ فاصلة في الحياة المجتمعية اللبنانية. ما يفسح المجال أمام مستقبلٍ غامض، يبقى عنوانه الأساسي "التعايش بين الدولة اللبنانية وحزب الله"، بشروط حزب الله. ميدانياً، للبنان حق حماية أراضيه، والدفاع عنها في وجه أي محتلّ، سواء في السلسلة الشرقية أو في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. على ألا يكون حقاً مرتبطاً بإرادةٍ غير لبنانية، إقليمية كانت أو دولية.
تفاصيل معركة جرود عرسال، وعدم قيام الجيش بها، سواء منذ ثلاث سنوات أو الآن، بغطاء سياسي أو عدمه، كلها أمور باتت من الماضي. الواقع، أن عليك في لبنان أن تكون صاحب القوة كي تفرض الغطاء السياسي، لا العكس. فلو فرض الجيش غطاءه السياسي في جرود عرسال أو في الداخل، لكان الوضع تغيّر حالياً، لكن حزب الله نفذ من ثغرة "الغطاء السياسي" التي لم يتمكّن الجيش اللبناني من النفاذ منها، فارضاً غطاءه الخاص، والمعركة، في توقيتٍ يلائمه. بتعبير أدق "سأسير وأنتم تلحقونني".
في هذه الوضعية، رسّخ حزب الله ثلاثية "الشعب، الجيش، المقاومة"، والتي يرى فيها بأنه والجيش مدججان بالرجال والعتاد، شركاء أمنيين على أرضٍ واحدة، "لن يتصادما" في مرحلة لاحقة، عكس كل الحتميات العسكرية التي يفرضها وجود قوتين عسكريتين على أرض صغيرة. أساساً أدوار الجيش اللبناني سابقاً، والقيود المفروضة عليه لناحية مزاولة دوره في حفظ الأمن في البلاد، انكسرت مع الرصاصة الأولى في حرب لبنان (1975 ـ 1990)، مع تحوّل الجيش، بفعل ضعضعة القرار السياسي، إلى أجزاء متباعدة وغير متّحدة، قاتلت إلى جانب المليشيات في بعض الأحيان، على حساب فكرة "لبنان أولاً".
أيضاً، حملت معركة الجرود رسالة، عمداً أو عن غير قصد، إلى الاحتلال الإسرائيلي الذي أجرى مناوراتٍ عسكرية في قبرص، الشهر الماضي. مناورات أراد من خلالها الإسرائيليون، التدرّب على تضاريس مشابهة للجبال والوديان اللبنانية. في معركة الجرود، أظهر حزب الله للإسرائيليين أنه "قادر على خوض معركة هجومية في جرد غير مغطى بغابات". وذلك للإيحاء بأن الغطاء الحرجي الذي كان جزءاً من سلاحه الاستراتيجي، في المواجهات السابقة في جنوبي لبنان، بات غير أساسي في أي معركةٍ مقبلة.
الطبقة السياسية اللبنانية، بأكثريتها الساحقة، وكما فعلت على مدار عشرات السنوات، ستتعايش مع حزب الله، على قاعدة "تأمين الاستمرارية السياسية". بالطبع، لو أن مثل هذه الطبقة غير موجودة، بكل ما فيها من ترسّبات فاسدة وطائفية ومذهبية وفساد، لما كان لا حزب الله، ولا غيره، موجوداً، بدءاً من محاربة حرمان ما قبل عام 1975، وصولاً إلى الدفاع عن حدود لبنان الجنوبية ضد الإسرائيليين. تهدف هذه الطبقة إلى التعايش مع حزب الله، طالما أنها قادرة على حماية فسادها وعدم معالجتها الملفات الحياتية اليومية، من النفايات إلى الكهرباء والمدارس والمستشفيات والنقل العام وغيره.
ومن الأشياء اللافتة أخيراً، كمية الغضب المتفجر على مواقع التواصل الاجتماعي بين اللبنانيين، خصوصاً لدى أنصار من يفترض أنهم انتصروا. السائد هو منطق التخوين والشعور بفائض القوة، المعزّز بنظرية "القدرة على احتلال لبنان بساعتين"، كما قال أحدهم، فضلاً عن الاستنفار لترقّب أي حركةٍ لأي شخص، لرجمه في حال لم يقدّم فيها الطاعة لهم. منطق يصنّف اللبنانيين "مع وضد"، من دون أي اعتبار آخر. بالتأكيد، إن من معظم من يصنّف يضع في ذهنه أنه يهاجم شخصاً أو أشخاصاً محدّدين في بيئته الحقيقية أو الافتراضية لحساباتٍ شخصية، لبناء غضبه. وبالتالي، لا يفكر في أي بعد آخر. لكن للتاريخ، لو كان حزب الله مسيحياً أو سنياً أو درزياً، لكانت الآية انقلبت، ولكانت تلك المجتمعات تقوم بما يقوم به أنصار حزب الله، طالما أن مفهوم "الدولة"، المدنية تحديداً، غائب.
تفاصيل معركة جرود عرسال، وعدم قيام الجيش بها، سواء منذ ثلاث سنوات أو الآن، بغطاء سياسي أو عدمه، كلها أمور باتت من الماضي. الواقع، أن عليك في لبنان أن تكون صاحب القوة كي تفرض الغطاء السياسي، لا العكس. فلو فرض الجيش غطاءه السياسي في جرود عرسال أو في الداخل، لكان الوضع تغيّر حالياً، لكن حزب الله نفذ من ثغرة "الغطاء السياسي" التي لم يتمكّن الجيش اللبناني من النفاذ منها، فارضاً غطاءه الخاص، والمعركة، في توقيتٍ يلائمه. بتعبير أدق "سأسير وأنتم تلحقونني".
في هذه الوضعية، رسّخ حزب الله ثلاثية "الشعب، الجيش، المقاومة"، والتي يرى فيها بأنه والجيش مدججان بالرجال والعتاد، شركاء أمنيين على أرضٍ واحدة، "لن يتصادما" في مرحلة لاحقة، عكس كل الحتميات العسكرية التي يفرضها وجود قوتين عسكريتين على أرض صغيرة. أساساً أدوار الجيش اللبناني سابقاً، والقيود المفروضة عليه لناحية مزاولة دوره في حفظ الأمن في البلاد، انكسرت مع الرصاصة الأولى في حرب لبنان (1975 ـ 1990)، مع تحوّل الجيش، بفعل ضعضعة القرار السياسي، إلى أجزاء متباعدة وغير متّحدة، قاتلت إلى جانب المليشيات في بعض الأحيان، على حساب فكرة "لبنان أولاً".
أيضاً، حملت معركة الجرود رسالة، عمداً أو عن غير قصد، إلى الاحتلال الإسرائيلي الذي أجرى مناوراتٍ عسكرية في قبرص، الشهر الماضي. مناورات أراد من خلالها الإسرائيليون، التدرّب على تضاريس مشابهة للجبال والوديان اللبنانية. في معركة الجرود، أظهر حزب الله للإسرائيليين أنه "قادر على خوض معركة هجومية في جرد غير مغطى بغابات". وذلك للإيحاء بأن الغطاء الحرجي الذي كان جزءاً من سلاحه الاستراتيجي، في المواجهات السابقة في جنوبي لبنان، بات غير أساسي في أي معركةٍ مقبلة.
الطبقة السياسية اللبنانية، بأكثريتها الساحقة، وكما فعلت على مدار عشرات السنوات، ستتعايش مع حزب الله، على قاعدة "تأمين الاستمرارية السياسية". بالطبع، لو أن مثل هذه الطبقة غير موجودة، بكل ما فيها من ترسّبات فاسدة وطائفية ومذهبية وفساد، لما كان لا حزب الله، ولا غيره، موجوداً، بدءاً من محاربة حرمان ما قبل عام 1975، وصولاً إلى الدفاع عن حدود لبنان الجنوبية ضد الإسرائيليين. تهدف هذه الطبقة إلى التعايش مع حزب الله، طالما أنها قادرة على حماية فسادها وعدم معالجتها الملفات الحياتية اليومية، من النفايات إلى الكهرباء والمدارس والمستشفيات والنقل العام وغيره.
ومن الأشياء اللافتة أخيراً، كمية الغضب المتفجر على مواقع التواصل الاجتماعي بين اللبنانيين، خصوصاً لدى أنصار من يفترض أنهم انتصروا. السائد هو منطق التخوين والشعور بفائض القوة، المعزّز بنظرية "القدرة على احتلال لبنان بساعتين"، كما قال أحدهم، فضلاً عن الاستنفار لترقّب أي حركةٍ لأي شخص، لرجمه في حال لم يقدّم فيها الطاعة لهم. منطق يصنّف اللبنانيين "مع وضد"، من دون أي اعتبار آخر. بالتأكيد، إن من معظم من يصنّف يضع في ذهنه أنه يهاجم شخصاً أو أشخاصاً محدّدين في بيئته الحقيقية أو الافتراضية لحساباتٍ شخصية، لبناء غضبه. وبالتالي، لا يفكر في أي بعد آخر. لكن للتاريخ، لو كان حزب الله مسيحياً أو سنياً أو درزياً، لكانت الآية انقلبت، ولكانت تلك المجتمعات تقوم بما يقوم به أنصار حزب الله، طالما أن مفهوم "الدولة"، المدنية تحديداً، غائب.