رسالة إلى أصدقائي البيض
وفرجيني ديبونت هي من أهم الأقلام الروائية الفرنسية في الوقت الراهن. أما أداما تراوري، فهو شاب فرنسي من أصول أفريقية توفي أثناء مطاردة رجال الشرطة له في إحدى ضواحي باريس بتاريخ 19 يوليو/ تموز 2016.
أنقل رسالتها هنا، كما جاءت في النصّ الأصلي باللغة الفرنسية:
نحن في فرنسا لسنا عنصريين ولكنني لم أر في ما أذكر رجلاً أسود يشغل لدينا منصب وزير. مع أني أبلغ خمسين سنة من العمر وتوالت عليّ حكومات عديدة. نحن في فرنسا لسنا عنصريين ولكن السود والعرب يشكّلون الأغلبية الساحقة من نزلاء السجون.
نحن في فرنسا لسنا عنصريين، ولكنني أنشر كتبي منذ 25 سنة ومع ذلك لم يستجوبني خلال هذه الفترة كلها سوى صحافي أسود وحيد. وصوّرتني امرأة وحيدة أصولها جزائرية. نحن في فرنسا لسنا عنصريين، ولكن آخر مرة رفض نادل أن يقدم لي المشروب في الفضاء الخارجي من المقهى كنت برفقة عربي. وآخر مرة طلب رجال السلطة هويتي كنت برفقة عربي. وآخر مرة كاد الشخص الذي كنت أنتظره أن يصل بعد مرور القطار لأنه كان يخضع لفحص هوية داخل المحطة، كان هذا الشخص أسود.
أكاد أسمع دوي التغريدات المأجورة تعبر ساخطة عن إحساسها بالإهانة كما تفعل ذلك في كل مرة ينبري فيها أحد الأصوات ليقول كلاماً يخرج عن خانة البروباغندا الرسمية: "يا للفظاعة، ولكن لماذا كل هذا العنف؟".
وكأن العنف ليس هو ما جرى يوم 19 يوليو 2016. وكأن العنف لم يكن احتجاز إخوان آسا تراوري Assa Traoré. في ذلك اليوم (كان يوم ثلاثاء)، شاركت لأول مرة في حياتي بتجمع سياسي ضم أكثر من 80000 شخص ونظمه فريق من غير البيض. ولم تكن تلك الجماهير عنيفة. وفي يوم الثاني من يونيو/ حزيران 2020، تحولت آسا تراوري بالنسبة لي إلى أنتيجون Antigone جديدة. ولكن هذه الأنتيجون ترفض أن تدفن حية بعد أن قالت "لا". أنتيجون لم تعد وحدها. لقد تشكلت جيوش لتناصرها. إن الجماهير تهتف: "العدالة لآداما".
وحين يقول هؤلاء الشباب بأن مجرد رؤيتك للشرطة ترعبك إذا كنت عربياً أو أسود فهم يعرفون حق المعرفة ماهية ما يقولونه: إنهم يقولون الحقيقة. يقولون الحقيقة ويطالبون بالعدالة. أمسكت آسا تراوري مكبر الصوت وتوجهت إلى من حضروا قائلة "إن اسمكم قد دخل التاريخ". ولم تهتف لها الجماهير لما تتمتع به من كاريزما ولا لكونها تبدو جذابة في الصور. الجماهير تهتف لها لأن القضية عادلة. العدالة لآداما وأيضاً لكل من لا يحمل البشرة البيضاء. ونحن البيض نهتف مرددين الشعار نفسه ونعرف بأن من العار ألا يشعر المرء بالخزي لأن الأوضاع في سنة 2020 ما زالت تستدعي منا أن نردد مثل هذه الشعارات. العار هو أقل ما يمكن.
أنا بيضاء. وأغادر بيتي كل يوم من دون أن أحمل معي الأوراق الرسمية. أمثالي لا يرجعون للمنزل إلا إذا نسوا بطاقتهم البنكية. المدينة تقول لي بأنني هنا في بلدي. إن بيضاء مثلي يمكن لها - خارج فترة الجائحة - أن تتنقل كما يحلو لها في المدينة من دون حتى أن تلحظ أماكن وجود الشرطة. وأنا على يقين بأن الدنيا ستقوم ولن تقعد إذا ما جلس على ظهري ثلاثة من أفراد الشرطة وخنقوني حتى الموت. إن الامتياز هو أن تكون لديك القدرة على الاختيار بين التفكير في وضعيتك أو نسيانها. لقد ولدت بيضاء مثلما ولد البعض رجالاً. لا يمكنني أن أنسى كوني امرأة. ولكن يمكنني أن أنسى بأني بيضاء. هذا ما يمنحك إياه بياض البشرة. أن تفكر فيه أو لا تفكر، بحسب المزاج. في فرنسا لسنا عنصريين، ولكنني لا أعرف شخصاً واحداً، أسود أو عربياً، لديه هذا الخيار.