قبل نحو أسبوعَين من توجّه الدنماركيين نحو انتخابات بلدية، في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، يحتدم تنافس معسكرَي اليمين واليسار على التشدد في مسائل يوحَى من خلالها استهداف البيئة المهاجرة. ويسعى اليمين المتشدد ويمين الوسط إلى طرح الانتخابات كـ"معركة لمواجهة إجرام أبناء المهاجرين وعصاباتهم"، مثلما يكرّر مقرّر شؤون الهجرة عن حزب الشعب الدنماركي مارتن هينركسن.
في سياق التسابق لكسب أصوات الناخبين، يقترب وزير العدل المحافظ، سورن بابي بولسن، من تبنّي مقترحات المتطرّفين بمنح بلديات الدنمارك البالغ عددها 98 "صلاحية نصب مزيد من كاميرات المراقبة في الأماكن العامة والتجمعات السكنية التي تشهد أو قد تشهد أعمالاً غير قانونية وجنائية". ويتّضح أنّ حزب فينسترا الليبرالي الذي يتزعّم الائتلاف المحافظ الحاكم يقترب من تمرير مشروع القانون المثير للجدال، بمنحه تسهيلات لنصب كاميرات مراقبة.
وتستند المقترحات اليمينية إلى مبررات "زيادة أعمال العنف في بعض المناطق التي تشهد اكتظاظاً سكانياً"، ويتبيّن من أسماء المناطق المقترحة للمراقبة، وفقاً للمنظمة الوطنية للبلديات التي تمثل بلديات البلاد في التفاوض مع الحكومة المركزية، أنّ بعضها مناطق يغلب عليها سكن دنماركيين من أصول مهاجرة.
والمعسكر المحافظ بدأ يروّج منذ أسابيع لمنح البلديات "نموذج بريطانيا" بالتدرّج، ويقضي ذلك بإيجاد أرضية برلمانية لتوسيع صلاحية المراقبة التي تنحصر في القوانين الحالية بالشرطة وفي شوارع محددة في كبريات المدن. وتطبّق الشرطة قوانين واضحة، فتفيد الجمهور عبر مواقعها الرسمية بـ"الأماكن التي نقوم بمراقبتها عبر كاميرات موصولة بمركز تحكّم يمكنك الاطلاع عليها في مواقعنا". وفي حالات كثيرة، تضع الشرطة إشارات تخبر المواطنين أنّ هذا الشارع أو الحيّ مراقب. وفي مناطق سكنية، مثل ضاحية برابراند في آرهوس، حيث تعيش نسبة كبيرة من العرب وغيرهم، عملت الشرطة منذ فترة طويلة على نصب كاميرات مراقبة موصولة بمراكزها. وبحسب الشرطة، فإنّ "عمليات المراقبة ساهمت في الكشف عن جرائم ومنعت حدوث أخرى". ولا يقف الأمر عند مراقبة الأماكن السكنية، فالشرطة "تراقب وبصرامة شوارع تنتشر فيها الحانات ويُسجَّل فيها اكتظاظ في ليالي نهاية الأسبوع".
توسيع المراقبة في الدنمارك، خصوصاً مع تبنّيه من قبل اليمين المحافظ بعد سنوات من طرحه من قبل اليمين المتشدد، لا يرى متبنّوه فيه "تعدياً على الحريات الشخصية". ويذهب هذا المعسكر إلى أنّ ذلك التوسيع "لا يحمل أيّ تعدّ على الحقوق، بل يهدف إلى نشر الطمأنينة بين المواطنين في المناطق التي تنتشر فيها أعمال جنائية"، وفقاً لما يقول مقرر الشؤون القضائية عن "الشعب الدنماركي" المتشدد بيتر كوفود بولسن.
وكانت الدنمارك قد شهدت تزايداً في أعمال العنف منذ منتصف الصيف الماضي. ومع تصاعد الانتقادات الاجتماعية لخطوة اليمين قبيل الانتخابات البلدية، يؤكد القيادي البارز في الحزب الليبرالي الحاكم وعضو البرلمان، بريبن بانغ هينركسن، أنّه "لا يوجد مسعى إلى جعل الدنمارك تغرق في مراقبة حركة مواطنيها. نحن نبحث فقط عن منح البلديات صلاحيات مراقبة المناطق التي تنتشر فيها أعمال جنائية".
ويأتي هذا التأكيد على أثر تحذير اليسار، خصوصاً في اللائحة الموحّدة، من نشر "ثقافة المراقبة ومنح الصلاحيات لكلّ من يريد المراقبة، الأمر الذي ينتزع من الشرطة مهمّتها". ويلمّح حزب اللائحة الموحدة إلى "استغلال انتخابي لهذا المقترح الذي يحمل مخاطر نقل الأعمال الجنائية من منطقة مراقبة إلى أخرى، الأمر الذي يعني أنّنا سوف نكون أمام حالة نشر كامل للمراقبة في البلد"، وفق ما صرّح مقرّر الشؤون القضائية عن الحزب في البرلمان، رونه لوند.
من جهته، انتقد حزب الشعب الاشتراكي توجّه الحكومة إلى فرض مزيد من المراقبة عبر توسيع صلاحيات البلديات. وقد ذهب مقرر الشؤون السياسية عن الحزب كارستن هونغا إلى اعتبار "كاميرات المراقبة المنتشرة حالياً (بالمقارنة مع عدد السكان) من أكبر النسب في العالم، وذلك كافٍ". ورأى هذا السياسي اليساري أنّ مقترحات معسكر اليمين قبيل الانتخابات تسعى إلى حصد أصوات من خلال "نشر طمأنينة مزوّرة وغير حقيقية، عوضاً عن إيجاد حلول للمشاكل القائمة في بعض المناطق، وليس بالضرورة نشر كاميرات المراقبة الأمنية في تلك المناطق".
إلى جانب انتشار العنف والأعمال الجنائية وحروب العصابات للهيمنة على أسواق الممنوعات، فإنّ ثمّة أسباباً أخرى يشير إليها مؤيّدون لنشر مزيد من كاميرات المراقبة في البلاد. هؤلاء يرون ضرورة مراقبة الجسور على الطرقات السريعة حيث تزايدت عمليات رمي الحجارة الثقيلة على السيارات. وقد أدّت تلك الحوادث إلى قتلى وجرحى في صفوف عائلات دنماركية وأخرى من ألمانيا.
في السياق، تحذّر المنظمات الحقوقية من "انتشار ظاهرة المراقبة وانتقالها من الشرطة إلى اقتداء المدنيين بما تقدم عليه البلديات، فنصبح أمام مجتمع يراقب بعضه بعضاً، فيخلق بالتالي مجتمع الأخ الأكبر"، بحسب ما يقول المتخصص الحقوقي في ضمان الحريات الشخصية، مارتن فيسترغوود، لـ"العربي الجديد"، تعقيباً على تنامي المطالب بتسهيل المراقبة بالكاميرات.