رمضاء الانتخابات العراقية

28 ابريل 2018
+ الخط -
"كالمستجير من الرمضاء بالنار"، مثل عربي قديم، وصف به العرب قديماً حالة الهرب من مكروه ما، فوقع في ما هو أشد منه.
ينطبق هذا المثل تماما على حال المواطن العراقي الذي يحاول الهروب منذ 15 عاماً من نار الواقع العراقي، ليجد نفسه في واقع أسوأ وأشد وطأة من الذي سبقه، فمن انتخابات إلى انتخابات والوجوه والشعارات والخطابات نفسها تتكرّر، والمواطن يعيش واقعه المزري من تردّي الخدمات وقلة فرص العمل وانتشار المخدرات والخروقات الأمنية وانتشار الفقر والتسول بين وعود اعتاد سماعها قبل كل انتخابات تشريعية.
الانتخابات تطرق أبواب العراقيين الفقراء هذه المرة، على أمل انتخاب الشخص المناسب في المكان المناسب، تطرق أبوابهم بحملاتها الدعائية وصور مرشحيها التي تغزو شوارع العراق، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب: صور، شعارات، شاشات عملاقة، لا فتات انتخابية ملونة رصدت من أجلها الملايين والمواطن الفقير يكدح طوال اليوم من أجل الحصول على 4 دولارات أو 10 في أحس الاحوال!
وحتى الحملات الدعائية الانتخابية في العراق نراها ناقصة غير كاملة، عكس ما يحدث في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية، حيث يلجأ المرشحون هناك إلى أسلوب الحوار والمناظرة على الهواء مباشرة، وأمام أنظار الشعب، وهي وسيلة فعالة، فالمرشح يكشف عن أوراقه أمام المواطن دون خوف أو وجل.
أما في العراق الديمقراطي، نرى المرشح يلجأ إلى جملة من الأساليب الوضعية والرخيصة، والتي لا تليق باسم العراق، دولة وشعباً وحضارة، فبعضهم يعمد إلى أسلوب التسقيط، أي تسقيط المنافس سياسياً وأخلاقياً، وبعضهم يقوم بتوزيع سلال الفواكة والملابس الرخيصة، وآخرون يعملون على رصف الشوارع المليئة بالمطبات والأتربة لإرضاء للمواطن، وهو لا يعلم أن إرضاء المواطن غاية لا تدرك، ليس في العراق فقط، إنما في الدول الغربية أيضا.
وهناك صرعة جديدة، أبهرنا بها المرشح العراقي للعام 2018، وهي اللجوء إلى الوجه الحسن لكسب أكبر عدد ممكن من الأصوات، والأدهى من ذلك ظهور راقصات وفتيات ليل على مواقع التواصل الاجتماعي، أعلنّ عن ترشحهّن للانتخابات المقبلة، وكأن العراق خلا من أناس شرفاء، همهم مصلحة البلد والسهر على راحة المواطن وأمنه.
بات المواطن العراقي يشعر بالرعب، وهو يقف وسط صور أناسٍ نهبوا ماله، وسرقوا راحته، وهدّدوا أمنه، يقف حائراً لا يدري ما العمل: هل ينتخب هولاء أم ينتخب الوجوه الجديدة التي لا يعلم عنها شيئاً سوى وعود الإصلاح التي يطلقونها ليل نهار على الفضائيات؟ أم أن الاصلاح في العراق بات ضرباً من الخيال، وليس هنالك أمل يلوح في الأفق، لا في انتخابات سابقة ولا انتخابات قادمة، والموطن العراقي كالقابض على الماء، بنى آماله على ثلةٍ من الوجوه تغيب وتأتي كل أربع سنوات؟
C886C0D5-CB99-439F-A73D-17E593199F15
C886C0D5-CB99-439F-A73D-17E593199F15
راميار فارس الهركي (العراق)
راميار فارس الهركي (العراق)