03 مارس 2022
رمضان الأردن بين نارين
بعيداً عن نظرية المؤامرة، والتفسيرات الغيبية لمجريات الأمور، يظل السؤال مشروعاً عن مدى تداخل الظروف الداخلية الصعبة التي يعيشها الأردن مع الظروف الإقليمية التي لا يبدو أن رياحها تسير بما يشتهي رُبّان السفينة الأردنية. ويظهر الترابط العضوي بين الظرفين، الداخلي والإقليمي، في بعض الحقائق الاقتصادية التي دفعت الحكومات المتعاقبة إلى خيارات اقتصادية قاسية، استجابة لتوجيهات صندوق النقد الدولي، أدت بالتالي إلى موجة الاحتجاج الشعبي الراهنة. ووفقاً للأرقام الرسمية، ارتفع معدل الفقر مطلع العام إلى 20%، وقفزت نسبة البطالة إلى 18,5%، وراوح معدل الأجور الشهرية 600 دولار، وبلغ الحد الأدنى للأجور 300 دولار، وتخطى عجز الموازنة 753 مليون دولاراً، وتساوى الدين العام مع الناتج المحلي عند عتبة 36 مليار دولاراً، واحتلت العاصمة عمّان المركز الأول عربياً، والثامنة والعشرين عالمياً، لجهة غلاء المعيشة، وفقاً لدراسة نشرتها أخيراً مجلة "ذي إيكونومست". أضف إلى ذلك تفشي الفساد الذي قُدرت تكلفته في السنوات العشر الأخيرة بأكثر من عشرة مليارات دينار. وبالـتأكيد جاءت قشة الضريبة الجديدة لتقسم ظهر البعير، وتفيض كأس الشعب المليء أصلاً بالأعباء المعيشية.
وفي مقابل هذا الوضع الاقتصادي الضاغط، تراجعت المساعدات الخارجية خصوصاً من الولايات المتحدة ودول الخليج. وبحسب البيانات الرسمية الأردنية، فقد تراجع حجم المساعدات السعودية للأردن في العام 2017 إلى 165 مليون دولار، بعدما بلغت في عام 2015 المساعدات 474.3 مليون دولار، أي أنها تقلصت بنحو 300 مليون دولار خلال عامين. ولا شك أن انخفاض المعونات للأردن الذي يعيش على المساعدات الخارجية لم يترك للحكومات الأردنية بديلاً عن الاتجاه إلى صندوق النقد الدولي، وغيره من المؤسسات المالية الدولية، من أجل الحصول على قروضٍ مشروطةٍ بحزمة إصلاحاتٍ اقتصاديةٍ تقشفية، دفعت إلى موجة التظاهرات الراهنة.
وكان في أحاديث الملك عبدالله الثاني، خلال الأيام الثلاثة الماضية، ما يشير بوضوح إلى الربط بين العوامل الداخلية التي أدت إلى غضب الشارع، ومنها سوء الأداء الحكومي، مما اضطره "أن يقوم بعمل الحكومة"، وبين ما أسماه الملك "دور الظرف الإقليمي" في الأزمة التي تعيشها بلاده. ولا شك أن في تلميح الملك إشارة واضحة إلى ضغوطٍ يتعرّض لها الأردن، لم تعد خافية عن أحد. وإن كان الملك فضَّل عدم الإفصاح عن تفاصيل "الظرف الإقليمي"، فإن مقربين من القصر الهاشمي أشاروا، بكلماتٍ متقاطعةٍ، الى ضغوط سعودية إماراتية، تشترط انخراط الأردن بمحور الدولتين، في مقابل مساعدته اقتصادياً. ويقول عارفون ببواطن الأمور إن السعودية والإمارات، ومن خلفهما الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، غير مرتاحين لمواقف الأردن في ملفات إقليمية عدة، تبدأ من رفض الأردن الإجراءات الأميركية الخاصة بوضع مدينة القدس، ورفضه تمرير "صفقة القرن"، وتصل إلى غضب واشنطن والرياض من علاقة الأردن بإيران، وما بينهما من ملفات تخص التقارب الأردني مع المحور التركي - القطري، وعدم انضمام الأردن إلى الحلف الذي يحاصر قطر، وعدم مشاركة الأردن بشكل فاعل في "عاصفة الحزم" على اليمن. كما أن مصر والسعودية والإمارات غير راضية عن موقف الأردن تجاه جماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها هذه الدول "إرهابية"، إذ يُشركها في الحياة السياسية والنقابية.
بين ناري الأزمة المعيشية الخانقة وشروط "الظرف الإقليمي" الضاغط، يسير الأردن على حبل مشدود، محاولاً الخروج من عنق الزجاجة، والسير على حافة الهاوية من دون السقوط، معولاً في ذلك على وعي شعبٍ اختار التعبير عن غضبه بالأغاني الوطنية، وحلقات "الدحية"، وتبادل وجبات السحور وأطباق الحلوى، مع رجال الدرك والأمن العام، في مشهدٍ خفف وطأة الخوف على بلدٍ يقف على مفترق طرق، إما الخروج من الأزمة بتفكيك عناصر الضعف الداخلي بالمساءلة والشفافية واجتثاث الفساد، وتفكيك عناصر الضغط الإقليمي بسياسات براغماتية مفتوحة، وربما صعبة، أو الانزلاق نحو المجهول.
وفي مقابل هذا الوضع الاقتصادي الضاغط، تراجعت المساعدات الخارجية خصوصاً من الولايات المتحدة ودول الخليج. وبحسب البيانات الرسمية الأردنية، فقد تراجع حجم المساعدات السعودية للأردن في العام 2017 إلى 165 مليون دولار، بعدما بلغت في عام 2015 المساعدات 474.3 مليون دولار، أي أنها تقلصت بنحو 300 مليون دولار خلال عامين. ولا شك أن انخفاض المعونات للأردن الذي يعيش على المساعدات الخارجية لم يترك للحكومات الأردنية بديلاً عن الاتجاه إلى صندوق النقد الدولي، وغيره من المؤسسات المالية الدولية، من أجل الحصول على قروضٍ مشروطةٍ بحزمة إصلاحاتٍ اقتصاديةٍ تقشفية، دفعت إلى موجة التظاهرات الراهنة.
وكان في أحاديث الملك عبدالله الثاني، خلال الأيام الثلاثة الماضية، ما يشير بوضوح إلى الربط بين العوامل الداخلية التي أدت إلى غضب الشارع، ومنها سوء الأداء الحكومي، مما اضطره "أن يقوم بعمل الحكومة"، وبين ما أسماه الملك "دور الظرف الإقليمي" في الأزمة التي تعيشها بلاده. ولا شك أن في تلميح الملك إشارة واضحة إلى ضغوطٍ يتعرّض لها الأردن، لم تعد خافية عن أحد. وإن كان الملك فضَّل عدم الإفصاح عن تفاصيل "الظرف الإقليمي"، فإن مقربين من القصر الهاشمي أشاروا، بكلماتٍ متقاطعةٍ، الى ضغوط سعودية إماراتية، تشترط انخراط الأردن بمحور الدولتين، في مقابل مساعدته اقتصادياً. ويقول عارفون ببواطن الأمور إن السعودية والإمارات، ومن خلفهما الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، غير مرتاحين لمواقف الأردن في ملفات إقليمية عدة، تبدأ من رفض الأردن الإجراءات الأميركية الخاصة بوضع مدينة القدس، ورفضه تمرير "صفقة القرن"، وتصل إلى غضب واشنطن والرياض من علاقة الأردن بإيران، وما بينهما من ملفات تخص التقارب الأردني مع المحور التركي - القطري، وعدم انضمام الأردن إلى الحلف الذي يحاصر قطر، وعدم مشاركة الأردن بشكل فاعل في "عاصفة الحزم" على اليمن. كما أن مصر والسعودية والإمارات غير راضية عن موقف الأردن تجاه جماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها هذه الدول "إرهابية"، إذ يُشركها في الحياة السياسية والنقابية.
بين ناري الأزمة المعيشية الخانقة وشروط "الظرف الإقليمي" الضاغط، يسير الأردن على حبل مشدود، محاولاً الخروج من عنق الزجاجة، والسير على حافة الهاوية من دون السقوط، معولاً في ذلك على وعي شعبٍ اختار التعبير عن غضبه بالأغاني الوطنية، وحلقات "الدحية"، وتبادل وجبات السحور وأطباق الحلوى، مع رجال الدرك والأمن العام، في مشهدٍ خفف وطأة الخوف على بلدٍ يقف على مفترق طرق، إما الخروج من الأزمة بتفكيك عناصر الضعف الداخلي بالمساءلة والشفافية واجتثاث الفساد، وتفكيك عناصر الضغط الإقليمي بسياسات براغماتية مفتوحة، وربما صعبة، أو الانزلاق نحو المجهول.