يعدّ شهر رمضان، في تونس، شهر الاحتفالات الأسرية، يتبرّك فيه الناس لربط العلاقات الزوجية، وتنظيم حفلات خطوبة الشباب الراغبين بالزواج خلال النصف الأول منه، فيما تخصص ليلة السابع والعشرين لختان الأطفال، عبر تنظيم سهرات دينية تحييها فرق الأناشيد.
ويحرص أغلب التونسيين على إحياء التقاليد وبعض العادات التراثية التي تغيب عن الأجواء التونسية في الأيام العادية، حيث تعمل غالبية ربات الأسر على تنظيف بيوتهن وتزيينها بطرق مختلفة، والقيام بتحضيرات منزلية، وتغيير الستائر وتجديد أواني الطبخ.
ويحتل شهر رمضان مكانة روحية عميقة لدى التونسيين. ويقضي هذا الشهر على الروتين العادي، ليضفي على المدن أجواء جديدة، حيث تتغيّر فيه المواعيد والعادات، كما تكتسي فيه الشوارع رونقاً خاصاً، لا سيما في الليل.
ويستعدّ التونسيون لاستقبال الشهر، حيث تخصص كل عائلة ميزانية لمصاريف الطعام والاحتفالات، وتضغط بعض العائلات على مداخيلها قبل أشهر من حلول شهر رمضان بغية توفير القليل من الموارد التي توجهها للمصاريف الرمضانية الإضافية. وقد يضطر البعض إلى الاقتراض من المصرف لمواجهة مصاريف شهر رمضان الذي تنفق فيه كل عائلة بسخاء.
ورغم تذمّر المواطن من غلاء المعيشة وارتفاع أسعار المواد الغذائية، إلا أنّه ينفق بسخاء خلال هذا الشهر، إذ يتضاعف الاستهلاك التونسي خلال رمضان مرتين على الأقل. وتشير أرقام "المعهد الوطني للإحصاء" إلى أنّ مصاريف الطعام لكل مواطن تستنزف قرابة 38 بالمئة من إجمالي راتبه الشهري خلال الأيام العادية، بينما ترتفع خلال شهر رمضان لتصل إلى حوالى 50 بالمئة.
عبد الكريم، أحد أولئك الذين يحاولون الضغط على مصاريفهم قبل شهر رمضان، يقول: "أنا أعمل جاهداً على توفير بعض الموارد المالية قبل 3 أشهر من رمضان حتى لا أضطر للاقتراض من المصرف"، مشيراً إلى أنّ رمضان يعدّ من أكثر الأشهر التي ينفق فيها التونسيون نظراً لما يتطلّبه من حاجيات، خصوصاً فترة عيد الفطر.
أطباق وأجواء
توفّر العائلات، خلال شهر رمضان، القليل من الموارد وتخزّن بعض المواد التي تراها أساسية، على غرار التوابل والأجبان ومواد العجين مثل "شربة الفريك" و"الحلالم"، إضافة إلى "الهرسية العربي" وزيت الزيتون وبعض التمور.
ورغم اشتراك المدن التونسية في عدة أطباق، إلا أنّ كل منطقة في تونس تشتهر بأطباقها الخاصة. ففي شمال تونس، معظم المناطق تنفرد بـ"العصيدة" التي تُطبخ بالدقيق والعسل وزيت الزيتون كطبق للسحور، فيما تنفرد مناطق الجنوب التونسي بطبق "البركوكش" و"العيش" الذي يُطبخ بطرق مختلفة.
ومن أبرز الأكلات التونسية التي لا تكاد تغيب عن مائدة الإفطار عند كل التونسيين طيلة شهر الصيام، طبق "البريك"، الذي يتصدّر المائدة في كل البيوت، ويُطبخ بطرق مختلفة، أو طبق "الطاجين" الذي يتكوّن من البيض والبطاطا والجبن وبعض الخضروات.
كما يكثر خلال رمضان تناول الحلويات، مثل "المخارق" و"الزلابيا" والمقروض القيرواني والصمصة. أما طبق السحور الذي تشترك فيه معظم البيوت، فهو طبق "المسفوف"، حيث يتم طبخ الكسكسي وخلطه بالسكر والتمر والزبدة أو العصيدة. وتشهد معظم محلات بيع الألبان اكتظاظاً كبيراً، لأن معظم التونسيين يفتتحون أكلهم بالتمر واللّبن اقتداء بسنّة الرّسول.
يختبر رمضان، الذي ستشهد أيامه درجات حرارة مرتفعة، صبر صائميه. ويقول منجي عبد الحميد إنّه "رغم طول فترة الصيام ورغم ارتفاع درجة الحرارة، إلا أنّ الوقت يمر بالانشغال في العمل. كما إنّ الرجال يقضون بقية الوقت في التجوّل بين المحلات التجارية وسوق الخضار، فيمرّ الوقت بسرعة".
ويختار البعض، في ليالي رمضان، البقاء في المنزل لمشاهدة بعض البرامج الرمضانية والمسلسلات، في حين يختار البعض الآخر ارتياد المقاهي التي تكون مكتظة بشكل غير عادي، لا سيما الشباب، وخاصة أنّ معظم مباريات المونديال تقام ليلاً.
يشير مجدي (25 سنة)، إلى أنه سعيد بانطلاق شهر رمضان مع نهاية الموسم الدراسي، حتى يستطيع تمضية كامل اليوم في البيت هرباً من حرارة الشمس، ليستطيع في المقابل السهر لمتابعة مباريات المونديال.