لا يختلف اليمنيّون كثيراً عن سائر الشعوب العربيّة في أسلوب استقبالهم لشهر رمضان. هي أجواء الفرح ذاتها التي تظهر جليّة عند الاهتمام بموائد الإفطار وامتلاء المساجد بالمصلين وتجمّع الأسر وتبادل الزيارات بين الأصدقاء.
فما إن يقترب شهر رمضان في اليمن، حتى تلاحظ سعادة الأطفال، بينما يستعدّ الآباء لهذا الشهر من خلال توفير ما يلزم من المال لشراء الاحتياجات الرمضانيّة. أما النساء، فيقمن بتنظيف البيوت وتنظيمها وتهيئتها كي تكون ملائمة للجو الروحاني، بالإضافة إلى تفنّنهن في صناعة المأكولات والحلويات.
عندما يهلّ الهلال
عند تأكيد دخول شهر رمضان، يتبادل اليمنيّون التهاني بشكل مباشر أو عن طريق الرسائل النصيّة القصيرة أو تلك الإلكترونيّة أو أخرى يدوّنونها على مواقع التواصل الاجتماعي تماشياً مع روح العصر.
وتستقبل بعض المناطق في شمال اليمن رمضان بما يسمى بـ"الشعبانيّة"، إذ يبدأ الرجال في المساجد بالتهليل والتكبير والترحيب وأداء بعض الأناشيد الدينيّة.
ومن العادات الاجتماعيّة التي اختفت في المدن وما زالت تمارس في بعض القرى بشكل محدود، قيام الأطفال، في الساعات الأولى من الشهر، بأخذ أكوام من الرماد ووضعها على أسطح المنازل على شكل دوائر ثم يعجنونها بمادة الكاز (الكيروسين) ويشعلونها أو يقومون بإشعال النيران في الجبال.
وعادة ما تكون الصباحات الرمضانيّة هادئة، إذ تخلو الشوارع من المارة وتغلق المحال التجاريّة بمعظمها، وتختلف مواعيد دوام عمل الموظفين في القطاعَين الخاص والحكومي على حدّ سواء.
غلاء.. ولكن
وعلى الرغم من ارتفاع الأسعار في هذا الشهر، إلا أن تسوّق الأسر اليمنيّة يزداد في خلاله مقارنة بالأشهر الأخرى. ومع ذلك، يعتقد عدد كبير من التجار أن إقبال الناس على الشراء قد تراجع بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، ويرجعون أسباب ذلك إلى عوامل عدّة منها ضعف المرتبات والأوضاع الأمنيّة والسياسيّة غير المستقرة.
ويقول فضل أحمد الضبري، وهو تاجر مواد غذائيّة بالجملة في صنعاء: "في العادة، يستدعي اقتراب شهر رمضان قيامنا باستيراد المواد الغذائيّة، مثل القمح والسكر والزيت الأرز والحليب، بكميات مضاعفة مقارنة بالأشهر الأخرى. لكن في العامَين الأخيرَين، اضطررنا إلى تقليل الكميات المستوردة بسبب ضعف القدرة الشرائيّة". ويضيف: "كنا قبل أربع سنوات، نبيع ثلاثة أضعاف ما نبيعه اليوم من السكر باعتباره سلعة مطلوبة كثيراً في رمضان".
وللمواطن البسيط معاناته أيضاً. فيشكو صالح زايد، وهو عامل بناء مياوم، من شعوره بالقلق مع اقتراب شهر رمضان نظراً لكثرة التزاماته وقلّة ما يكسبه، بسبب ندرة الأعمال. أما علي السريحي، وهو مدرّس في المرحلة الثانويّة، فيقول: "أقوم بتخصيص ميزانيّة منفصلة لشهر رمضان". وهو ما تؤكده دراسة أعدّها مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في اليمن، أشارت إلى أن 54 في المئة من الأسر اليمنيّة تخصّص ميزانيّة للنفقات الرمضانيّة.
وفي ظل الأوضاع الاقتصاديّة السيّئة التي انعكست سلباً على قدرة الناس الشرائيّة، كثر هم الشباب الذين يترقّبون بلهفة حلول شهر رمضان للقيام بأعمال تجاريّة مؤقتة تتطلبها طبيعة الشهر، وتدرّ عليهم دخلاً جيداً. وعلى سبيل المثال، اقترض عادل الشميري مبلغاً من المال لصناعة السنبوسة التي يكثر الإقبال عليها في رمضان. وتجدر الإشارة إلى أنه، وفي أكثر من موسم رمضاني، سجّل في العاصمة صنعاء، مقتل مواطنين بسبب الازدحام أمام محال متخصّصة ببيع السنبوسة.
موائد في المساجد والبيوت
وقبيل أذان المغرب بدقائق، يعدّ المصلون موائد على شكل صفوف وحلقات في المساجد ليفطروا بشكل جماعي. وتتضمّن موائدهم تلك بعض الأطعمة الخفيفة والمقبّلات، ومنها طبق "الشفوت" اليمني المشهور، وهو عبارة عن مزيج من رقائق الخبز، أو ما يسمى باللحوح، واللبن الممزوج بالنعناع الأخضر والكمون والملح، بالإضافة إلى السنبوسة والتمر والحلبة المخلوطة بالخل والسحاوق، وهو مسحوق الطماطم مع الفلفل.
وبعد انتهاء صلاة المغرب، يعود المصلون إلى منازلهم ليتناولوا وجبة العشاء التي تكون أكثر تنوعاً، بحسب إمكانيات كل أسرة.
وتختلف المائدة اليمنيّة في رمضان باختلاف المناطق والمحافظات. لكن ثمّة وجبات يشترك فيها اليمنيّون بغالبيّتهم، مثل الكبسة والزربيان والصيادية والصانون والمندي والعصيد والفتة، وكذلك السلتة، وهي وجبة مكوّنة من الحلبة والخضروات والبطاطا والتوابل، وكذلك اللحم المفروم. أما في ما يتعلّق بالحلويات، فيتناول اليمنيّون في رمضان المهلبيّة والهلام والبسبوسة بالإضافة إلى حلويات شعبيّة، مثل القطائف وبنت الصحن والشعوبيّة والرواني، وهي وجبة مكوّنة من الدقيق والبيض يضاف إليها ماء السكر.
إلى ذلك، تتنوّع المشروبات على المائدة اليمنيّة، من قبيل الفيمتو والقديد أو ما يسمى بقمر الدين والشعير وشراب الليمون والبرتقال.
مونديال ومسلسلات
ويقضي اليمنيّون، بغالبيّتهم، الساعات الطويلة المتاحة بعد الإفطار، في مضغ القات وخوض النقاشات السياسيّة والثقافيّة ومتابعة البرامج والمسابقات الرمضانيّة.
وتحتل برامج المقالب والكاميرا الخفيّة والمسلسلات والبرامج الدينيّة المركز الأول في جدول الاهتمامات اليمنيّة، بعدما توقّف برنامج المسابقات المفضّل لدى اليمنيّين: "فرسان الميدان" بوفاة مقدّمه المحبوب، يحيى علاو.
وتأتي مباريات كأس العالم في كرة القدم، إضافة جديدة إلى رمضان هذا العام. فيجد عدد كبير من محبّي كرة القدم في شهر رمضان فرصة للتفرّغ ومشاهدة مباريات كأس العالم. ويشير هنا الإعلامي عبد السلام الشريحي، وهو أحد المولعين بكأس العالم، إلى أن رمضان لن يعيق مشاهدته للمونديال. ويقول: "لن يختلف أسلوب حياتي في رمضان هذا العام، بل على عكس ذلك، فإن توقيت مباريات المونديال في نسخته العشرين مناسبة جداً نظراً لتعوّدنا على السهر خلال رمضان".
حوادث ومآسٍ
لا يخلو شهر رمضان من المآسي. وتعدّ الحوادث المروريّة أحد أوجه شهر رمضان الحزينة نتيجة القيادة السريعة في الدقائق الأخيرة قبل الإفطار. وقد أشارت إحصائيّة، جرى نشرها أخيراً، إلى أن 215 شخصاً من مختلف الفئات العمريّة لقوا مصرعهم في حوادث سير خلال شهر رمضان الماضي، فيما أصيب 876 آخرين بإصابات مختلفة، 532 منهم إصاباتهم بليغة.
وأوضح التقرير، الذي أعدّه مركز الإعلام الأمني في وزارة الداخليّة، أن عدد حوادث السير خلال شهر رمضان الماضي، كانت 645 حادثة سير في مختلف طرقات محافظات الجمهوريّة. وأرجعت الدراسة أسباب تلك الحوادث إلى زحمة حركة السير والمواصلات نتيجة زيادة حركة المسافرين وتنقلات المواطنين ما بين المحافظات خلال هذا الشهر وخصوصاً في الأيام العشرة الأخيرة.