06 نوفمبر 2024
رهانات الانتخابات التونسية
انطلقت في تونس، بداية الأسبوع الحالي، حملة انتخابية ساخنة، لاختيار رئيس جديد للبلاد خلفا للراحل الباجي قايد السبسي الذي أجبرت وفاته المفاجئة تعجيل موعد الانتخابات الرئاسية شهرين قبل موعدها القانوني. وبالإضافة إلى ما لتعجيل إجراء انتخابات مبكّرة خارج موعدها، من آثار سياسية وتنظيمية على نتائجها، فهي تطرح أسئلة كثيرة بشأن طبيعة التحديات التي تواجه تونس اليوم، فهل ستؤدّي هذه الاستحقاقات إلى تغيير سياسي حقيقي كبير؟ وما هي آثارها على الانتقال الديمقراطي المتعثر؟ وهل ستفرز قوى سياسية جديدة قادرة على قيادة تونس في المرحلة المقبلة؟ وإلى أي حدٍّ ستؤثر الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية على مزاج الناخبين؟ بالإضافة إلى قضايا رئيسية تحضر اليوم على المحك، مثل الأمن والوضع الإقليمي والمؤثرات الأجنبية، ومدى تأثير كل هذه القضايا على تجربة الانتقال الديمقراطي الهش؟
يُضاف إلى هذا كله تحدّ سياسي أكبر يتمثل في مدى قدرة هذه الاستحقاقات على تعبئة الشعب التونسي للمشاركة فيها بقوة، فخلال السنوات الأخيرة، فقد تونسيون عديدون الثقة في نظامهم السياسي، وفقدت أحزاب سياسية وسياسيون كثيرون مصداقيتهم وسط رأي عام أصبح غير مهتم بالشأن العام، وهو ما انعكس بوضوح على نسب المشاركة التي انخفضت بشكل تدريجي في الانتخابات السابقة منذ اندلاع الثورة التونسية عام 2011، ومرشّحة للانخفاض أكثر في الاستحقاقات الحالية، لعدة أسباب سياسية، مرتبطة بتراجع ثقة الناخبين في إحداث تغيير سياسي حقيقي، وبالشعور بالملل من طول فترة الانتقال الديمقراطي، من دون أن يحقق نتائج ملموسة على أرض الواقع، ومرتبطة أيضا بما هو لوجستي يتعلق بالترتيب لهذه الانتخابات المبكّرة، وفي الوقت الضيق نسبيا المتاح أمام المترشحين الكثر لبسط أفكارهم وشرح برامجهم، وأيضا أمام الهيئة المستقلة المشرفة على تنظيم الانتخابات لتثقيف الناخبين بمدى أهمية المشاركة في ثاني انتخابات رئاسية مهمة، تشهدها ديمقراطيتهم الفتية في فترة حاسمة، من شأنها أن تحدّد مستقبل الانتقال الديمقراطي في تونس.
تُعتبر الانتخابات التونسية الحالية أول اختبار حقيقي للتجربة الديمقراطية التونسية الفتية، ولذلك تعتبر أكثر تعقيدا من انتخابات 2014 التي كانت توافقية ما بين حزب النهضة، الإسلامي
الذي يعتبر القوة السياسية الأكثر تنظيما في البلاد، والرئيس "الضرورة" الباجي السبسي الذي رفع آنذاك شعار "التصويت المفيد"، للملمة شتات الساحة السياسية التونسية من أجل تأصيل تجربة الانتقال الديمقراطي التونسي. وعلى الرغم من تعقيدها، إلا أن انتخابات اليوم تبدو بلا رهاناتٍ سياسية كبيرة، فعلى الرغم من تعدّد المرشحين الذين تم تحديد عددهم الرسمي في 26 مترشحا أغلبهم "مستقلون"، وقد تجاوز عددهم المائة في مرحلة أولية قبل إقصاء كثيرين منهم لم يستوفوا ملفاتهم لشروط الترشيح. وعلى الرغم من حالة الازدحام السياسي داخل مشهد سياسي يعج بالأحزاب السياسية الصغيرة، وعلى الرغم مما يعكسه تعدد المترشحين من حالة التنوع داخل المجتمع التونسي في مقابل حالة التشتت داخل الوسط الحزبي، وعلى الرغم من الاهتمام السياسي بهذه الاستحقاقات داخل الأحزاب، وبين النخب التونسية، إلا أنها تبقى، على الأقل في المرحلة الأولية، مجرّد سباقٍ بين أشخاص أكثر منها تنافسا واضحا بين برامج سياسية وخيارات أيديولوجية، يمكن أن تمهد الطريق لتغييرات سياسية كبيرة مستقبلا في تونس.
من شأن هذا التعدد في المترشحين أن يؤدي إلى تشتيت الأصوات، وبالتالي لا يتوقع أن يخرج فائز كبير واحد بهذا الاستحقاق في المرحلة الأولى منه، وهو ما سيطرح مسألة العودة إلى إبرام توافقاتٍ جديدة بين الأشخاص الذين سيأتون متقدّمين على باقي المترشحين، من حيث عدد الأصوات التي سيحصل عليها كل واحد منهم. وفي حالة المرور إلى دور ثانٍ، وهذا أمر يبدو أكثر من متوقع، سيكون التنافس ذا طبيعة إيديولوجية محضة، عندما ستحاول كل الأطراف الاصطفاف لإثبات وجودها أمام خصمها، وهو ما سيعطي للتنافس في الدور الثاني، في حال المرور إليه، زخما سياسيا أكبر، لأن التنافس آنذاك سيكون بين إسلاميين وتقدّميين، أو بين أنصار الثورة وحراس العهد القديم.
وكيفما كانت نتيجة الاستحقاقات الحالية التي سيحسمها الناخب التونسي، فإن من شأن عبور تونس هذه المحطة بنجاح أن يثبت الانتقال الديمقراطي في أول بلد عربي شهد انبثاق ثورات ربيع الشعوب، وهو ما سيعطي، لا محالة، زخما كبيرا، لهذا الربيع الذي بدأت الموجة الثانية
من رياحه تهبّ على بلدان عربية أخرى، مثل السودان والجزائر. وتبقى الاستحقاقات الحالية في تونس استثنائية بكل المقاييس، لأنها تضعنا أمام تجربة فريدة في المنطقة العربية، يتقدّم فيها الناخبون إلى صناديق الاقتراع من دون أن يكون لهم علم مسبق بما قد تفرزه من نتائج، وهذا في حد ذاته إنجاز مهم على طريق تأصيل انتقال ديمقراطي حقيقي، يتم فيه التداول السلمي على السلطة حتما عبر صناديق الاقتراع. كما أنها تشكل لحظة اختبارٍ حقيقيٍّ لمدى انتقال تونس من مرحلة "التوافق" و"الإجماع" و"الحلول الوسط"، التي فرضت تقاسما غير متوازن، وأحيانا غير منطقي للسلطة، أثر سلبا على الأداء الاقتصادي للبلاد، إلى مرحلة وضع الخيارات السياسية الممكنة على المحكّ، لاختبار مدى قدرتها على رفع التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها تونس اليوم، وأيضا مدى قدرتها على العبور بالبلاد من نفق الانتقال الديمقراطي المتعثر إلى مرحلة التداول الطبيعي للسلطة، على الرغم من أن الديمقراطية في تونس ما زالت هشّة، وما زالت تحتاج إلى تضافر جميع القوى الحية، من أجل حمايتها، وهذا هو أكبر تحدٍّ ورهان تطرحه هذه الانتخابات على الناخب التونسي، وتذكّر به القوى الحزبية من مختلف المشارب، وتنبه إليه النخب التونسية بكل تعبيراتها.
يُضاف إلى هذا كله تحدّ سياسي أكبر يتمثل في مدى قدرة هذه الاستحقاقات على تعبئة الشعب التونسي للمشاركة فيها بقوة، فخلال السنوات الأخيرة، فقد تونسيون عديدون الثقة في نظامهم السياسي، وفقدت أحزاب سياسية وسياسيون كثيرون مصداقيتهم وسط رأي عام أصبح غير مهتم بالشأن العام، وهو ما انعكس بوضوح على نسب المشاركة التي انخفضت بشكل تدريجي في الانتخابات السابقة منذ اندلاع الثورة التونسية عام 2011، ومرشّحة للانخفاض أكثر في الاستحقاقات الحالية، لعدة أسباب سياسية، مرتبطة بتراجع ثقة الناخبين في إحداث تغيير سياسي حقيقي، وبالشعور بالملل من طول فترة الانتقال الديمقراطي، من دون أن يحقق نتائج ملموسة على أرض الواقع، ومرتبطة أيضا بما هو لوجستي يتعلق بالترتيب لهذه الانتخابات المبكّرة، وفي الوقت الضيق نسبيا المتاح أمام المترشحين الكثر لبسط أفكارهم وشرح برامجهم، وأيضا أمام الهيئة المستقلة المشرفة على تنظيم الانتخابات لتثقيف الناخبين بمدى أهمية المشاركة في ثاني انتخابات رئاسية مهمة، تشهدها ديمقراطيتهم الفتية في فترة حاسمة، من شأنها أن تحدّد مستقبل الانتقال الديمقراطي في تونس.
تُعتبر الانتخابات التونسية الحالية أول اختبار حقيقي للتجربة الديمقراطية التونسية الفتية، ولذلك تعتبر أكثر تعقيدا من انتخابات 2014 التي كانت توافقية ما بين حزب النهضة، الإسلامي
من شأن هذا التعدد في المترشحين أن يؤدي إلى تشتيت الأصوات، وبالتالي لا يتوقع أن يخرج فائز كبير واحد بهذا الاستحقاق في المرحلة الأولى منه، وهو ما سيطرح مسألة العودة إلى إبرام توافقاتٍ جديدة بين الأشخاص الذين سيأتون متقدّمين على باقي المترشحين، من حيث عدد الأصوات التي سيحصل عليها كل واحد منهم. وفي حالة المرور إلى دور ثانٍ، وهذا أمر يبدو أكثر من متوقع، سيكون التنافس ذا طبيعة إيديولوجية محضة، عندما ستحاول كل الأطراف الاصطفاف لإثبات وجودها أمام خصمها، وهو ما سيعطي للتنافس في الدور الثاني، في حال المرور إليه، زخما سياسيا أكبر، لأن التنافس آنذاك سيكون بين إسلاميين وتقدّميين، أو بين أنصار الثورة وحراس العهد القديم.
وكيفما كانت نتيجة الاستحقاقات الحالية التي سيحسمها الناخب التونسي، فإن من شأن عبور تونس هذه المحطة بنجاح أن يثبت الانتقال الديمقراطي في أول بلد عربي شهد انبثاق ثورات ربيع الشعوب، وهو ما سيعطي، لا محالة، زخما كبيرا، لهذا الربيع الذي بدأت الموجة الثانية