لم يكن عدم استجابة الكويت لضغوط سعودية بسحب سفيرها من الدوحة، مناكفةً لـ "الشقيقة الكبرى" في منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية؛ وإِنما يقيناً منها بأَنَّ سلوكاً مثل هذا لن يُمكّنها من التوسط بين السعودية والبحرين والإمارات من جهة وبين قطر من جهة أُخرى، لا سيّما وأَنها تستضيف مؤتمر القمة العربية 25 و26 مارس /آذار الجاري، والذي ستعمل على توفير أَجواء تُساعدها في تطويق التأزم في العلاقات الخليجية.
ونتبدّى تعبيراتُ الشحن الأخيرة، في صحف الدول الأربع وتعليقاتها ومقالات كتابها، مع صمت المسؤولين في المواقع الحكومية عن إِضافة جديدٍ على بيان "الإعلان الثلاثي" في الخامس من مارس/ آذار الجاري. وأَعلنت فيه الرياض وأَبو ظبي والمنامة سحب سفرائها في الدوحة، بدعوى سياساتٍ قطريةٍ تمس أَمن الخليج و"تزعزع" ثوابته، ما ردَّ عليه مجلس الوزراء القطري، في اليوم نفسه، في بيانٍ استغرب الإعلان، وقال إنَّ الخطوة الثلاثية اتخذت لاختلاف خيارات الدوحة في السياسة الخارجية عما تراه العواصم الثلاث.
وجاءَت تعليمات الرياض للكتاب السعوديين بعدم التعامل مع الإعلام القطري، أَول من أَمس السبت، اختراقاً للصمت المذكور، وإشارةً تصعيدية، تعكس توجهاً إلى خطوات أخرى قد تتخذها السعودية، إِذا لم تستجب الدوحة لمطالب الرياض، خصوصاً، والتي ينشط كتّاب في جرائد الإمارات والسعودية بإشهارها يومياً، منها وقف ما تعتبره هذه الكتابات دعماً سياسياً وإعلامياً تقدمه قطر لجماعة "الإخوان المسلمين".
تؤكد صحف الدوحة أَن قطر لا تُغير سياساتها بسبب ضغوط خارجية، وذلك خيار ثابت، شدّد عليه أَمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في خطاب توليه الحكم في يونيو/ حزيران الماضي. وتستدعي هذه الصحف وقائع "تكشف خيوط المؤامرة على قطر"، بحسب "الراية"، في تقريرٍ جاء فيه، أَول من أَمس السبت، إأنَّ 50 فضائية خليجية ومصرية فشلت أَمام "الجزيرة"، فبدأ الضغط السياسي.
وجاءَت "الوطن" القطرية، أَمس الأَحد، على منح الإمارات جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم الداعية الشيخ يوسف القرضاوي، وتسلمها، في العقد الماضي، من ولي عهد دبي في حينه، الشيخ محمد بن راشد، ونوهت إلى أن ممارساتٍ إِيرانية تمس أَمن البحرين، واحتلال إيران جزراً إماراتية، لم تدفع أَبو ظبي والرياض والمنامة لسحب سفرائها من طهران.
وخرجت الصحف القطرية عن تحفظٍ اتصفت به طويلاً، في تعليقاتها على "تغريدات" وفيرةٍ للرئيس السابق لشرطة دبي، ضاحي خلفان، وعلى صحفٍ في الإمارات والسعودية والبحرين، تهاجم قطر من دون لياقة.
وصارت النبرة في الصحف القطرية، في مقالات رؤساء تحريرها خصوصاً، أَكثر حدةً ووضوحاً، ومتخففةً من مجاملاتٍ تقليديةٍ كانت تطبع كتاباتها، بشأن السعودية والإمارات والبحرين، لا سيما وأَنَّ شحناً قويا ظاهراً في جرائد الدول الثلاث، ومنها "الخليج" و"البيان" الإماراتيتان، في هجوم كتّابٍ فيهما على رد الدوحة على "الإعلان الثلاثي"، بنعتِه بـ "السذاجة المتعمدة"، مع تأشيرهم، في الوقت نفسه، إِلى أَن سحب السفراء لم يفاجئهم!
لا تهدئة ملحوظة في "كلام الجرائد"، غير أَنَّ تحركاً كويتياً من المرتقب أَنْ يبدأَ الأُسبوع الجاري، قد يحققها، ويوقف تدهور العلاقات الخليجية، فقد أُفيد بأَن أَمير الكويت، الشيخ صباح الأَحمد، سيعود، بعد أَيام، إِلى بلاده من نقاهةٍ يقضيها في الولايات المتحدة الأميركية، بعد عملية جراحيةٍ، ليبدأ اتصالاتٍ مع الدوحة والرياض وأَبو ظبي والمنامة. ومتوقعٌ أَنْ يوفد مبعوثين إِلى العواصم الأَربع، محاولةً لوقف إِجراءاتٍ محتملةٍ من الرياض وحليفتيها، أَبو ظبي والمنامة، ضد قطر، ولضمان أَجواء خليجية غير متوترة في قمة الكويت (العربية)، ولحماية مجلس التعاون من تصدعٍ أَوسع، بدت نذرُه في الكويت نفسها، في اجتماع 17 فبراير/ شباط الماضي لوزراء خارجية دول المجلس، ولقاء أَميري الكويت وقطر، الشيخ صباح الأحمد والشيخ تميم بن حمد، معهم.
ليس نجاح الكويت في مهمتها الصعبة مستحيلاً، بالنظر إِلى خبرة الدبلوماسية الكويتية، واشتباك الشيخ صباح الأحمد الذي تولى وزارة الخارجية في بلاده نحوا من أَربعة عقود، مع عواصف عربية وإقليمية ودولية شديدة، ما يمكّنه من الوصول إِلى صيغ وفاقيةٍ بين دول مجلس التعاون. وفيما تتوالى اجتماعاتٌ دوريةٌ بين مسؤولين خليجيين، بعد سحب السفراء، فذلك يحمل إِشارات اطمئنان، توضح حرص الأَعضاء على منظومة المجلس. فقد اجتمعت هيئة الاتحاد الجمركي لدول "التعاون" في الرياض أَمس الأَحد، وتجتمع اليوم في الكويت اللجنة التنفيذية للحكومة الإلكترونية في دول المجلس، واجتمع أمس الأحد مدراء المرور في الدوحة، وكانت الإشارات بينهم خضراء.