واجه الأدميرال روبرت فيتزروي، الذي بدأ بتوقّع أحوال الطقس في عام 1860، السخرية والنقد. وأقدم فيتزروي البحّار الشهير ومؤسّس مكتب الأرصاد الجوية، على الانتحار منذ 150 عاماً، نتيجة إصابته باكتئاب شديد. اشتهر فيتزروي، خلال حياته، ليس لكونه بحّاراً شهيراً، بل بسبب توقعاته للأرصاد الجوية، التي أطلق عليها اسم "forecast" في عام 1854، يومها لم يكن لدى الناس أدنى فكرة عمّا يسمى اليوم بالأرصاد الجوية.
شكّل سيناريو الاعتماد على سلوك الحيوان، إهانة لمفاهيم العهد الفيكتوري الذي يؤمن بالتقدّم العلمي، خصوصاً الاتكال على ثور في حقل أحد المزارعين أو على ضفدع في جرّة للكشف عن قدوم عاصفة قبل أن يعلم بذلك عالم في مختبره.
بدت توقعات أحوال الطقس لا منطقية بالنسبة للكثيرين آنذاك، على الرغم من ظهور تلك النظريات العلمية.
شهدت بدايات القرن التاسع عشر، العديد من النظريات المتقدّمة في هذا الخصوص، ومنها استيعاب كيفية عمل العواصف مع دوران الرياح بعكس اتجاه عقارب الساعة حول نقطة الضغط المنخفض.
والجدير بالذكر، أنّه في عام 1854 حين قال أحد أعضاء البرلمان البريطاني، إنّ التطوّر العلمي قد يسمح لهم في وقت قريب من معرفة طقس لندن قبل 24 ساعة من قدومه، انفجر أعضاء البرلمان في نوبة من الضحك.
أمّا الدافع الأقوى لاهتمام فيتزروي بمعرفة أحوال الطقس قبل وقوعها، فكان بسبب تألّمه لرؤيته أعداداً كبيرة من البحارين يموتون في وسط البحر وحول سواحل بريطانيا. ففي عامي 1855 و1860، تحطّمت نحو 7402 سفينة، وقضى 7201 شخص. آمن فيتزروي بأنّه من الممكن إنقاذ تلك الأرواح لو تمكّن من إدراك أحوال الطقس وإنذارهم مسبقاً قبل الإبحار.
لم يسمح لفيتزروي بإصدار إنذارات رسمية حول الطقس، سوى عقب كارثة غرق السفينة الملكية الذهبية التي انطلقت من جزيرة أنغلسي المطلّة على البحر الإيرلندي أقصى غرب شمال إقليم ويلز.
تمكّن فيتزروي من توقّع أحوال الطقس بالاعتماد على التلغراف الكهربائي، الذي اعتبر تقنية جديدة ومذهلة آنذاك، حتى وصفته جريدة الديلي نيوز البريطانية بأنّ سرعته تفوق سرعة الزوابع.
مع اتساع شبكة التلغراف السريع، استطاع فيتزروي البدء بجمع بيانات الطقس في وقت قصير من مكتبه على السواحل البريطانية، وكان ينذر السفن بقرب هبوب عاصفة عن طريق رفع طبل في الميناء. وصف فيتزروي تلك المهمّة بمثابة سباق مع العاصفة وتحذير المحطة قبل وقوعها.
بدأت إنذارات فيتزروي عن العواصف في عام 1860. وبعد مرور عام واحد كان قادراً على توقّع الأرصاد الجوية المحتملة قبل يومين من تاريخها.
جاءت توقعات الأرصاد الجوية نتيجة ثانوية، خلال تحليل فيتزروي بيانات الغلاف الجوي لاحظ أنّه يستطيع أيضاً كتابة ملخّص عن الطقس بشكل عام، والقول إنّه: معتدل غائم ممطر أو عاصف، وإرساله للنشر في الجرائد.
اقرأ أيضا:عاصفة رملية ترافق "عاصفة الحزم" في اليمن
رفض فيتزروي أن توصف تحليلاته بالنبوءات أو التوقعات، بل وصفها بمزيج علمي وحسابات.
قبل بدء فيتزروي بنشر الأرصاد الجوية، كان العامّة يعلمون عنها عبر تكهنات كاذبة، ولم تقرّ بشكل رسمي ومن قبل الحكومة البريطانية سوى في عام 1861، حين نشرت للمرّة الأولى في جريدة التايمز، وسرعان ما لاقت شعبية خيالية.
أصبحت الأرصاد الجوية، خلال مدّة قصيرة، هوساً في المجتمع الفيكتوري. واتّسع نطاق الاهتمام بها إلى خارج حدود صيادي السمك والبحارين، لتشمل منظّمي المهرجانات والمعارض، كما استقطبت اهتمام المشاركين في سباقات الخيول الذين استخدموها لمساعدتهم في اختيار ملابسهم ووضع رهاناتهم.
بيد أنّ توقعات فيتزروي أخطأت أحياناً ووصفت بالرثّة، ففي أبريل/نيسان 1862، كتبت إحدى الجرائد أنّ تنبؤات الأدميرال فيتزروي في جريدة التايمز خلقت جوّاً من المرح خلال بعض أيام هذا الشهر، وأدّت إلى تبليلهم بالمياه. كما أكملت أنّ تلك التنبؤات الخاطئة ضربت بالحسابات العلمية عرض الحائط.
نشرت العديد من الصحف انتقادات لاذعة حول توقّعات فيتزروي، على الرغم من دقّتها في أغلب الأحيان. لم يتجاهل فيتزروي تلك الانتقادات، بل ردّ عليها معتذراً من الأشخاص الذين أفسدت قبعاتهم، لتركهم مظلاّتهم في المنزل بسبب وثوقهم في أقواله. مشاركته تلك عبر جريدة التايمز زادت من شعبيته وميّزته كعالم شجاع.
بعد مرور عدّة أعوام، أطلق اسمه على سفينة وعلى جائزة لسباق الخيل، تقديراً لإنجازاته، كما أنّ الملكة فيكتوريا أرسلت إليه ذات يوم رسولا يسأله عن حالة الطقس عندما تعبر الملكة إلى أوزبورن، حيث مقرّها الملكي في جزيرة وايت.
سعت بعض الجرائد إلى مكاسب تجارية لنشرها الأرصاد الجوية، خصوصاً حين أتى إلى لندن تشارلز بلوندن البهلوان الفرنسي، الذي أراد العبور فوق قصر كريستال على حبل، طالب منظمّو الحفل برفع أسعار التذاكر في حال سوء الأحوال الجوية. وبرّروا ذلك بأنّ السير على حبل في ظلّ رياح عاصفة أكثر إثارة وخطراً من السير في جو هادئ.
واجه فيتزروي مصاعب جديّة من قبل سياسيين اشتكوا من ارتفاع كلفة برقيات التلغراف، كما نظر مجتمع العلماء إلى وسائله بارتياب. في المقابل لاقى دعماً وتأييداً من الصيادين، بينما انتظر آخرون إشارة خاطئة لتوجيه اللوم والنقد إليه.
أرهقت تلك الانتقادات فيتزروي وأدخلته في حالة اكتئاب، حتى تقاعد من عمله ليأخذ فترة استراحة، لكنّه عجز عن الشفاء من حالته النفسية. نشرت آخر توقعاته للأرصاد الجوية في غيابه في 29 أبريل/نيسان 1865.
في صباح اليوم التالي، استيقظ فيتزروي ليتهيّأ للذهاب إلى الكنيسة قبّل ابنته، ودخل إلى غرفته لارتداء ملابسه، أقفل الباب وأقدم على الانتحار.
اعتقد الناس آنذاك أنّ مشروع فيتزروي فشل، بيد أنّ رؤيته للأرصاد الجوية تعتبر اليوم عاملا أساسياً في حياتنا.
وقسمه الذي بدأ بثلاثة موظفين يضم اليوم أكثر من 1500 شخص، وتبلغ ميزانيته السنوية 80 مليون باوند.
من جهتها، قالت ديم جوليا سلينغو رئيسة علماء الأرصاد الجوية، إنّ فيتزروي كان سابقاً لزمنه، لم يكن مخطئاً أو غريب الأطوار، بل كان يخطو في بداية رحلة طويلة جداً نعمل على إكمالها اليوم.
اقرأ أيضا:الأرصاد الجوية القطرية تحذر من تقلبات مناخية
شكّل سيناريو الاعتماد على سلوك الحيوان، إهانة لمفاهيم العهد الفيكتوري الذي يؤمن بالتقدّم العلمي، خصوصاً الاتكال على ثور في حقل أحد المزارعين أو على ضفدع في جرّة للكشف عن قدوم عاصفة قبل أن يعلم بذلك عالم في مختبره.
بدت توقعات أحوال الطقس لا منطقية بالنسبة للكثيرين آنذاك، على الرغم من ظهور تلك النظريات العلمية.
شهدت بدايات القرن التاسع عشر، العديد من النظريات المتقدّمة في هذا الخصوص، ومنها استيعاب كيفية عمل العواصف مع دوران الرياح بعكس اتجاه عقارب الساعة حول نقطة الضغط المنخفض.
والجدير بالذكر، أنّه في عام 1854 حين قال أحد أعضاء البرلمان البريطاني، إنّ التطوّر العلمي قد يسمح لهم في وقت قريب من معرفة طقس لندن قبل 24 ساعة من قدومه، انفجر أعضاء البرلمان في نوبة من الضحك.
أمّا الدافع الأقوى لاهتمام فيتزروي بمعرفة أحوال الطقس قبل وقوعها، فكان بسبب تألّمه لرؤيته أعداداً كبيرة من البحارين يموتون في وسط البحر وحول سواحل بريطانيا. ففي عامي 1855 و1860، تحطّمت نحو 7402 سفينة، وقضى 7201 شخص. آمن فيتزروي بأنّه من الممكن إنقاذ تلك الأرواح لو تمكّن من إدراك أحوال الطقس وإنذارهم مسبقاً قبل الإبحار.
لم يسمح لفيتزروي بإصدار إنذارات رسمية حول الطقس، سوى عقب كارثة غرق السفينة الملكية الذهبية التي انطلقت من جزيرة أنغلسي المطلّة على البحر الإيرلندي أقصى غرب شمال إقليم ويلز.
تمكّن فيتزروي من توقّع أحوال الطقس بالاعتماد على التلغراف الكهربائي، الذي اعتبر تقنية جديدة ومذهلة آنذاك، حتى وصفته جريدة الديلي نيوز البريطانية بأنّ سرعته تفوق سرعة الزوابع.
مع اتساع شبكة التلغراف السريع، استطاع فيتزروي البدء بجمع بيانات الطقس في وقت قصير من مكتبه على السواحل البريطانية، وكان ينذر السفن بقرب هبوب عاصفة عن طريق رفع طبل في الميناء. وصف فيتزروي تلك المهمّة بمثابة سباق مع العاصفة وتحذير المحطة قبل وقوعها.
بدأت إنذارات فيتزروي عن العواصف في عام 1860. وبعد مرور عام واحد كان قادراً على توقّع الأرصاد الجوية المحتملة قبل يومين من تاريخها.
جاءت توقعات الأرصاد الجوية نتيجة ثانوية، خلال تحليل فيتزروي بيانات الغلاف الجوي لاحظ أنّه يستطيع أيضاً كتابة ملخّص عن الطقس بشكل عام، والقول إنّه: معتدل غائم ممطر أو عاصف، وإرساله للنشر في الجرائد.
اقرأ أيضا:عاصفة رملية ترافق "عاصفة الحزم" في اليمن
رفض فيتزروي أن توصف تحليلاته بالنبوءات أو التوقعات، بل وصفها بمزيج علمي وحسابات.
قبل بدء فيتزروي بنشر الأرصاد الجوية، كان العامّة يعلمون عنها عبر تكهنات كاذبة، ولم تقرّ بشكل رسمي ومن قبل الحكومة البريطانية سوى في عام 1861، حين نشرت للمرّة الأولى في جريدة التايمز، وسرعان ما لاقت شعبية خيالية.
أصبحت الأرصاد الجوية، خلال مدّة قصيرة، هوساً في المجتمع الفيكتوري. واتّسع نطاق الاهتمام بها إلى خارج حدود صيادي السمك والبحارين، لتشمل منظّمي المهرجانات والمعارض، كما استقطبت اهتمام المشاركين في سباقات الخيول الذين استخدموها لمساعدتهم في اختيار ملابسهم ووضع رهاناتهم.
بيد أنّ توقعات فيتزروي أخطأت أحياناً ووصفت بالرثّة، ففي أبريل/نيسان 1862، كتبت إحدى الجرائد أنّ تنبؤات الأدميرال فيتزروي في جريدة التايمز خلقت جوّاً من المرح خلال بعض أيام هذا الشهر، وأدّت إلى تبليلهم بالمياه. كما أكملت أنّ تلك التنبؤات الخاطئة ضربت بالحسابات العلمية عرض الحائط.
نشرت العديد من الصحف انتقادات لاذعة حول توقّعات فيتزروي، على الرغم من دقّتها في أغلب الأحيان. لم يتجاهل فيتزروي تلك الانتقادات، بل ردّ عليها معتذراً من الأشخاص الذين أفسدت قبعاتهم، لتركهم مظلاّتهم في المنزل بسبب وثوقهم في أقواله. مشاركته تلك عبر جريدة التايمز زادت من شعبيته وميّزته كعالم شجاع.
بعد مرور عدّة أعوام، أطلق اسمه على سفينة وعلى جائزة لسباق الخيل، تقديراً لإنجازاته، كما أنّ الملكة فيكتوريا أرسلت إليه ذات يوم رسولا يسأله عن حالة الطقس عندما تعبر الملكة إلى أوزبورن، حيث مقرّها الملكي في جزيرة وايت.
سعت بعض الجرائد إلى مكاسب تجارية لنشرها الأرصاد الجوية، خصوصاً حين أتى إلى لندن تشارلز بلوندن البهلوان الفرنسي، الذي أراد العبور فوق قصر كريستال على حبل، طالب منظمّو الحفل برفع أسعار التذاكر في حال سوء الأحوال الجوية. وبرّروا ذلك بأنّ السير على حبل في ظلّ رياح عاصفة أكثر إثارة وخطراً من السير في جو هادئ.
واجه فيتزروي مصاعب جديّة من قبل سياسيين اشتكوا من ارتفاع كلفة برقيات التلغراف، كما نظر مجتمع العلماء إلى وسائله بارتياب. في المقابل لاقى دعماً وتأييداً من الصيادين، بينما انتظر آخرون إشارة خاطئة لتوجيه اللوم والنقد إليه.
أرهقت تلك الانتقادات فيتزروي وأدخلته في حالة اكتئاب، حتى تقاعد من عمله ليأخذ فترة استراحة، لكنّه عجز عن الشفاء من حالته النفسية. نشرت آخر توقعاته للأرصاد الجوية في غيابه في 29 أبريل/نيسان 1865.
في صباح اليوم التالي، استيقظ فيتزروي ليتهيّأ للذهاب إلى الكنيسة قبّل ابنته، ودخل إلى غرفته لارتداء ملابسه، أقفل الباب وأقدم على الانتحار.
اعتقد الناس آنذاك أنّ مشروع فيتزروي فشل، بيد أنّ رؤيته للأرصاد الجوية تعتبر اليوم عاملا أساسياً في حياتنا.
وقسمه الذي بدأ بثلاثة موظفين يضم اليوم أكثر من 1500 شخص، وتبلغ ميزانيته السنوية 80 مليون باوند.
من جهتها، قالت ديم جوليا سلينغو رئيسة علماء الأرصاد الجوية، إنّ فيتزروي كان سابقاً لزمنه، لم يكن مخطئاً أو غريب الأطوار، بل كان يخطو في بداية رحلة طويلة جداً نعمل على إكمالها اليوم.
اقرأ أيضا:الأرصاد الجوية القطرية تحذر من تقلبات مناخية