في عام 2012، هربت الأربعينية رودة عبد الكافي وبناتها الخمس من الأعمال العسكرية في حمص. كانت قد عاشت أياماً صعبة جداً في بداية الثورة في عام 2011. "انفصلتُ عن زوجي المقيم في خارج سورية، وزادت الأوضاع الأمنية سوءاً". تتابع: "خرجت من منزلي في حمص من جرّاء القصف، وبقيت أتنقل من مكان إلى آخر في أحياء حمص نحو عام، قبل أن أرحل إلى ريف دمشق عام 2012. لكن القصف تبعنا إلى هناك، فلجأت إلى لبنان في فبراير/ شباط عام 2014".
في حمص، لم تكن تعمل، واعتادت الاهتمام بشؤون المنزل فقط. توضح: "خرجت من حمص لأن ابنتي الصغيرة كانت تعاني من الربو، فنصحني الطبيب بمغادرة المدينة. وحين وصلت إلى لبنان، لم أعرف إلى أين أذهب، ولم أستطع الحصول على منزل. توجهت إلى مخيم للاجئين السوريين، وقررت بدء حياتي من جديد".
تقول عبد الكافي إنّ "تجربة المخيّم كانت من أصعب أيام حياتي. شعرت أن الحياة تحت القصف وفي الحرب أسهل من العيش في المخيم. الخيمة التي عشت فيها لم تكن تحتوي على أبسط مقومات الحياة". وقرّرت أن تتصالح مع واقعها حتى تتمكن من التعامل مع بناتها بشكل صحيح، وتؤكد "بدأت أبحث عن عمل، وكان هذا صعباً جداً، لأنني لم أتابع دراستي ولم يسبق لي أن عملت. وكلّما بحثت عن عمل، شعرت بحجم الاستغلال الكبير الذي تتعرض له النساء السوريات".
بعدها، أنشأت عبد الكافي صفحة على فيسبوك، وأصبحت تكتب القصائد في محاولة لتفريغ ما في داخلها. في عام 2015، تزوجت من جديد، وأصبح هناك من يساعدها في الحياة. في العام نفسه، لاحظت أن ابنتها ضحى (13 عاماً) ترسم، وخطر لها أن تنظم معرض رسم للأطفال في المخيم، وطرحت الفكرة على ابنتها. جمعت أولاد المخيم وطلبت منهم أن يرسموا، "وكان ما قدموه مفاجئاً بالفعل". تتابع أن الأطفال لم يملكوا نقوداً لشراء دفاتر وألوان، وصاروا يرسمون على أي ورقة يحصلون عليها بقلم الرصاص. ومن يملك أقلام تلوين، يعطي زملاءه. "كثير من الناس سخروا مني ومن الفكرة، ما جعلني أتحدّى نفسي. كان زوجي يشجعني ويشجع الأطفال، الذين تدربوا أيضاً على إلقاء القصائد".
تضيف عبد الكافي: "كنت أشعر بأنني سأحقق شيئاً ما. خلال تلك الفترة، تعرفت إلى لبنانية أحبّت الفكرة، وتبرعت بهدايا للأطفال. أقمنا المعرض في نهاية شهر يوليو/ تموز في عام 2015. كنّا فرحين، خصوصاً الأطفال. غنى الأطفال وألقت ابنتي قصيدة كتبتها بنفسي". وتكمل: "أجمل خبر سمعته في حياتي كان حين اتصل بي حسن جراح، رئيس تحرير مجلة حنان، بهدف إعداد تقرير مصور عن المعرض، وشجعني على المتابعة. وفي شهر سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، قرّرت تنظيم معرض خارج المخيم، وطلبت من أحد الصحافيين عبر فيسبوك الكتابة عنه. بعدها، "تواصل معي شاب سوري مقيم في بريطانيا، وطلب مني إرسال الرسومات عبر البريد الإلكتروني ليقيم لنا معرضاً هناك. كان ذلك في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2015. ثم أخبرني أن اللوحات بيعت بألف دولار، واشترينا بالمبلغ ملابس للأطفال. وبات المعرض ينتقل من مكان إلى آخر، كنيويورك وجامعتي "هارفرد" و"كامبردج" والمتحف الوطني في لندن وأماكن أخرى في فرنسا وألمانيا. جلبنا شوادر للخيام، وحفرنا بئراً، وأسسنا جمعية لبيع اللوحات وجمع التبرعات".
كتبت عبد الكافي مع الأطفال كتاباً بعنوان "سورية مع الحب" عن واقعهم وأحلامهم وأمنياتهم للمستقبل، بيعت منه 1500 نسخة. لكن توقف نشاطنا بداية عام 2018. يبدو أنه لم يعد هناك اهتمام برسومات الأطفال. وتابعت عملها في الجمعية والمنظمات التي تدعم المرأة وتطالب بحقوقها. "صرت أعمل في مجال الدعم النفسي في المخيمات، ونشطت ضد زواج القاصرات. أصبحت هذه قضيتي، كما شاركت بعدة مؤتمرات، ورشحت لمسابقة "صناع التغير" التابعة للمؤتمر العربي الثاني للريادة، وحصلت على المركز الثالث على مستوى سورية". تختم قائلة: "اليوم أبحث عن عمل لأعيش منه وعائلتي، بعدما شلّ زوجي. وفي الوقت الحالي، يخضع للعلاج".