وقد عرف الروس، عبر تاريخهم، أن الاستعداد للحرب تكنولوجيّاً، دافع إلى التقدم في القطاعات المدنية أيضاً، في ظلّ إدراكهم ضرورات تحديث عتاد الجيش، وإعادة تذخيره بعد عقدين من الضعف، عقب زمن "البيريسترويكا"، وتحوّل بعض شركاء الأمس، إلى أعداء على حدود البلاد.
في مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلن وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، عن القيام بثلاثة اختبارات مفاجئة للقدرة القتالية لجيوش الدائرة الغربية والشرقية والوسطى، بالإضافة إلى مناورتين كبيرتين: "الشرق- 2014" و"تنسيق العمليات- 2014". مؤكداً أن "خطة التدريب للعام 2014، تمّ تنفيذها بالكامل"، حسب ما نقلت وكالة "ريا نوفوستي" عنه.
ووفقاً لكلام شويغو، فإن تزويد الجيش الروسي بالمعدات الحربية الحديثة ارتفع، سنة 2014، بمعدل 65 في المائة قياساً بعام 2013. كما تضاعفت الأبحاث العلمية العسكرية الخاصة بتطوير قدرات البلاد الدفاعية بمعدل 25 في المائة.
إلى ذلك، كشفت وزارة الدفاع الروسية عن بعض خططها لعام 2015. ومما تم التداول بشأنه على موقع " توب وور.رو"، أن "القوات الروسية ستقوم بمناورات مشتركة في إطار قوات التدخل السريع، ومناورات مشتركة في إطار دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي، تحت عنوان: تنسيق العمليات- 2015. بالإضافة إلى المناورات في المنطقة القطبية، تحديداً في جزر نوفوسيبيريسك، ومناورات درع الاتحاد المشتركة مع الجيش البيلاروسي، وكذلك مناورات المركز- 2015 الاستراتيجية". ومن المنتظر أن تكون المناورات الأخيرة هي الأكبر والأشمل خلال العام الحالي.
وأعلن شويغو، في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، خلال اجتماع موسع لإدارات وزارة الدفاع، عن مشاريع تطوير الجيش الروسي في عام 2015. وأهم ما في ذلك، كما تقول صحيفة "روسيسكايا غازيتا" الرسمية التي نشرت الخبر، هو "حديث الوزير عن إنشاء قوات الدفاع الجوي الفضائي التي ترصد انطلاق الصواريخ الباليستية من أي مكان على الأرض، وتدير الأجهزة الفضائية، وعن مضاعفة عديد الجيش، وتطوير كفاءات المقاتلين في الوحدات المقاتلة في شبه جزيرة القرم، ومنطقة كالينينغراد والمنطقة القطبية. ومن المقرر نشر وحدات من الجيش الروسي على معظم الحدود القطبية الشمالية للبلاد، هذه السنة".
وفي 13 يناير/كانون الثاني الحالي، نشر المكتب الإعلامي في وزارة الدفاع الروسية، معلومات عن الأسلحة والمعدات التي سيُزوَّد بها الجيش الروسي خلال العام الحالي. وقد جرى الحديث عن 701 عربة مدرعة جديدة، ولواءين من أنظمة الصواريخ التكتيكية "إسكندر-إم"، و1545 مركبة عسكرية لأغراض مختلفة. كما من المنتظر أن يتم تزويد القوات الجوية بـ126 طائرة حربية و88 مروحية جديدة، وتزويد القوات البحرية بغواصتين جديدتين متعددتي المهام، و5 سفن حربية قتالية أخرى.
وفي موازاة ذلك، تم الإعلان عن خطط لوضع محطات رادار جديدة عالية الدقة، من نمط "فورونيج- دي إم"، في حالة مناوبة قتالية في منطقة ينيسيسك. مع العلم أن هذه الرادارات، تدخل في عداد منظومة الإنذار المبكر في حدوث هجوم صاروخي، وقد تم إنجازها قبل عام من موعدها المقرر. كما كشف وزير الدفاع عن نية بلاده وضع منظومة رادارات مشابهة في منطقة بارناول، في الخدمة القتالية، قبل ستة أشهر من الموعد المقرر سابقاً.
ومع تصاعد توتر الوضع في العلاقات بين موسكو وكييف، تجد روسيا نفسها مضطرة لإنتاج كثير من الأجزاء التي تدخل في صناعتها الحربية، التي كانت تستوردها سابقاً من أوكرانيا، أو تنتجها بصورة مشتركة معها، في المصانع التي ورثها البلدان من الاتحاد السوفييتي السابق.
ويبدو أن روسيا حققت نجاحات لافتة في مجال الاستغناء عن التكنولوجيا الأوكرانية، من مارس/آذار حتى اليوم. فقد باتت جاهزة لتصنيع 700 نوع من القطع المختلفة، التي تدخل في تصنيع أسلحتها، وكانت تصنعها سابقاً بالتعاون مع المصانع الأوكرانية، أو تستوردها من أوكرانيا. ووفقاً لما نقله موقع "لينتا.رو" عن شويغو، فإنه "مع نهاية عام 2015، سيتم الاستغناء عملياً عن 70 في المائة مما كان يستورد لأغراض الصناعة الحربية الروسية".
كما أنه سيتم تغطية حاجة الجيش الروسي من المقاتلين خلال العام الجاري بنسبة 95 في المائة. ونقلت وكالة "تاس" عن شويغو قوله "أريد التذكير بأن الرئيس فلاديمير بوتين، وقّع في الثاني من يناير مرسوماً يقضي بقبول وثائق خدمة المواطنين الروس العسكرية (السابقة) في القرم وسيفاستوبول، واعتبارها خدمة في الجيش الروسي".
ولفت إلى أن "ذلك سيتيح، في وقت قريب، قبول 1700 مقاتل من القرم باختصاصات مختلفة، مع الحفاظ على رتبهم وقدمهم العسكري. كما أن رفد القوات البحرية بمقاتلين محترفين، جار على قدم وساق". علماً أن عدد المتعاقدين مع الجيش الروسي يمكن أن يبلغ مع نهاية هذا العام 352 ألف مقاتل.
وأشار شويغو إلى أنه "سيكون علينا وضع خطة جديدة للدفاع عن روسيا الاتحادية، للفترة بين الأعوام 2016 و2020، وضمان انتشار القوات في الوقت المناسب، والتنفيذ الصارم للحجوزات العسكرية من مؤسسة معامل الدفاع للعام 2015".
يُذكر أنه لم يمضِ وقت طويل على اعتماد خطة الدفاع الحالية عن البلاد، والتي يجري العمل على تعديلها، لكن تسارع الأحداث حول روسيا، ضغط باتجاه إجراء تعديلات تستجيب للتحديات الجديدة التي تواجهها موسكو.
وكان شويغو ورئيس هيئة الأركان فاليري غيراسيموف قد وضعا، في 29 يناير/كانون الثاني 2013، أمام بوتين، بوصفه قائداً عاماً للقوات المسلحة الروسية، وثيقة عسكرية عمل على إنجازها 49 وزارة ومؤسسة حكومية، كما يذكر موقع "إس في بريسا.رو". وأفاد شويغو حينها بأن "أهم التفاصيل المتعلقة بالدفاع عن روسيا للسنوات العشر المقبلة، مأخوذة بعين الاعتبار في هذه الخطة، مع حساب جميع المخاطر المحتملة".
وفي السياق، نقل الموقع المذكور عن الخبير العسكري فيكتور مياسنيكوف، قوله، إن "خطة الدفاع الجديدة عن البلاد ضرورية لسبب بسيط، هو أن القرم عادت إلى روسيا، وفي الوقت نفسه ظهرت نقطة ساخنة جديدة بالقرب من حدودنا". الحديث يدور عن إقليم دونباس (الذي يضم مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك الأوكرانيتين). وأضاف مياسنيكوف "نقوم الآن بتعزيز حدودنا الشمالية. فقد تم إنشاء قيادة عمليات استراتيجية في المنطقة القطبية. ويجب إعادة النظر في خطة الدفاع عن روسيا، لأن جميع العلاقات مع حلف الأطلسي تم قطعها. وبات الحلف بمثابة عدو محتمل لنا. وطبيعي أن يستدعي هذا تغيرات هائلة في خططنا".