31 أكتوبر 2024
روسيا تسترد هيبتها بقتل السوريين
من التنبيهات التي أرسلتها روسيا إلى إسرائيل في أعقاب غارات الأخيرة على مواقع قرب دمشق، تأكيدها أن هذا الفعل يضر بما أسمته موسكو تصفية الجيب الإسلامي شرق الغوطة، ما يوضح مخططاً روسياً لإنهاء عملية خفض التصعيد التي رعتها مع تركيا وإيران في أستانة بعد السيطرة على حلب. والواضح أن النية معقودة على إخراج الغوطة الشرقية وشمال حمص وجنوب حماة بالدرجة الأولى من قائمة خفض التصعيد، وهي مناطق ليس لها ظهير إقليمي، ولا طرف دولي ضامن. وبالنسبة لروسيا، تجاوزت الوقائع عملية أستانة، كما أن الأهداف التكتيكية التي جرى من أجلها إبرام اتفاق خفض التصعيد تحققت، وخصوصاً هدف تفريغ جزء كبير من المليشيات للمشاركة في معارك دير الزور، ولم يعد في شمال شرق سورية ما يستدعي بقاء مزيد من القوات، بعد أن تأكدت روسيا، بعد المذبحة التي تعرّضت لها قواتها والمليشيات المشتركة، أن أميركا جادة في حماية مناطقها ومستعدة للذهاب بعيداً، ولا داعي لإعادة اختبارها.
يضاف إلى ما سبق أن روسيا لم تعد معنيةً بالوقوف على خاطر المعارضة، بعد رفض الأخيرة الذهاب إلى مؤتمر سوتشي، وبعد فشل المؤتمر بالأصل، وإدراك روسيا أن هذا الباب أغلق نهائياً، ولم يعد ثمّة أهمية لعملية أستانة برمتها، خصوصاً وأن علاقاتها مع تركيا لن تتأثر، طالما سمحت لأنقرة بدور في إدلب، وبالتحرك تجاه عفرين. وبالتالي، هي لم تعد ملزمة تجاهها في مناطق أخرى. أما منطقة الجنوب فهي خارج اتفاقات أستانة، وتخضع لترتيبات وتفاهمات مشتركة مع الأردن وإسرائيل وأميركا.
غير أن السبب الأهم الذي يدفع روسيا إلى اتخاذ قرار السيطرة على الغوطة الشرقية وأرياف حمص وحماة، التعقيدات الجديدة التي ظهرت على المشهد السوري في الآونة الاخيرة، وما
اعتبرته موسكو استهتاراً بنفوذها وهيمنتها على سورية، وخصوصاً بعد إقدام إسرائيل على شن حرب مصغرة، شملت مساحة واسعة من سورية، واستهدفت خلالها أهدافاً استراتيجية، تتبع نظام الأسد والإيرانيين.
وكانت روسيا، قبل ذلك، قد تعرّضت، لجملةٍ من الصفعات المؤلمة، عبر تدمير عدد من طائراتها في قاعدة حميميم، وإسقاط فخر صناعاتها "سو 25" الجوية في ريف إدلب، وثالثة الأثافي مقتل وجرح المئات من المقاتلين الروس، وعلى يد القوات الأميركية في دير الزور، وهو ما وضع مقولة إن روسيا صاحبة الأمر في سورية موضع شك، أو على الأقل عكست هذه الحوادث مدى هشاشة الوضع الروسي في سورية، وبطلان مزاعم الانتصار التي بشر بها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، نهاية العام الماضي.
تدرك روسيا أن الطريقة التي صنعت بها إنجازها السوري تنطوي على ضعف وهشاشة خطيرتين، وهي ليست سوى توليفةٍ من تفاهماتٍ وتنازلاتٍ لأطراف إقليمية ودولية، وألعاب دهاء ضد قوى المعارضة السورية، المسلحة والسياسية، مع مزيج من أساليب حروب الإبادة وسياسات الأرض المحروقة التي أجرتها تحت ستار إعلامي، يدمج إدعاءات الحرب على الإرهاب ومحاولات إعادة الاستقرار لبلدٍ مزقته الحرب الأهلية، والوعد بتحقيق سلام متوازن، يرضي جميع الأطراف.
لكن، ومن أجل تمرير هذه التوليفة المتناقضة، اضطرت روسيا إلى الانخراط في تفاهماتٍ
متناقضة ومتعاكسة، وتبدت هذه المسألة بوضوح في عدم قدرة موسكو على صياغة قواعد اشتباك صريحة وواضحة، جعلت الأطراف المتصارعة تمارس لعبة حافة الهاوية إلى أقصاها، من دون ضابط أو رقيب، وكانت النتيجة أن أغلب الأطراف مارست لعبة ابتزاز روسيا، ووضعت الأولوية لتحقيق مصالحها، ولم تستطع روسيا سوى ابتلاع الإهانات، ومحاولة لعب دور الساعي إلى تحقيق الأمن والاستقرار الإقليميين، والمتفهم لمصالح الجميع والمراعي هواجسهم. وبالطبع، باستثناء العرب الذين لم تهتم روسيا لمصالحهم الأمنية، بدليل أن الغوطة الشرقية وريف حمص كانت مصر ضامنتهما.
وعلى الرغم من كل ما فعلته روسيا، إلا أنها وجدت نفسها في وضعٍ لا يليق بالمكانة التي تتصوّرها عن نفسها، ولا بالوضع الذي تطرح نفسها من خلاله، بصفتها دولةً قابضةً على سورية، ومتحكمة بالتفاعلات في شرق البحر الأبيض المتوسط، والصانعة لتأثيرات ما بعد هذه المنطقة، فلا أحد من الدول المعنية احترم دعوتها إلى مؤتمر سوتشي، ولولا حضور المبعوث الأممي، دي ميستورا، لظهر كما لو أنه مؤتمر بعثي لأعضاء من الدرجة الثانية، كما أن أي طرفٍ لم يحترم خطوطها الحمراء في سورية، هل لروسيا أصلاً خطوط حمراء؟.
إلى ذلك، روسيا بصدد تعديل طريقة إدارتها الحرب السورية، وبما أن قدرتها على ضبط اللاعبين الآخرين منخفضة، وبالكاد تتوّسط بينهم في حال الاختلاف، إيران وإسرائيل، أو تحاول النفخ في النيران، كما في الخلاف الأميركي – التركي، فإن خياراتها في التعديل تبدو منحصرةً في الاستقواء على المعارضة السورية، وستحاول في المرحلة المقبلة إعادة صيانة هيبتها ومكانتها، باستخدام أقصى درجات العنف تجاه المعارضة السورية، وعبر استعادة السيطرة على مناطق جديدة، وتحديداً في الغوطة وأرياف حمص وحماة.
لكن لماذا الاستغراب والحرب في سورية ليست سوى صراع على النفوذ والحصص من جميع الأطراف، وهم جميعاً رحماء فيما بينهم وأشداء على السوريين، ثم إن روسيا لم تفعل شيئاً منذ تدخلها سوى القتل والحرق، وحتى اقتراحها المسمى مناطق خفض التصعيد لم يكن سوى إقامة معازل مرحلية، إلى حين التفرغ لاجتثاثها، وقد حان الوقت.
يضاف إلى ما سبق أن روسيا لم تعد معنيةً بالوقوف على خاطر المعارضة، بعد رفض الأخيرة الذهاب إلى مؤتمر سوتشي، وبعد فشل المؤتمر بالأصل، وإدراك روسيا أن هذا الباب أغلق نهائياً، ولم يعد ثمّة أهمية لعملية أستانة برمتها، خصوصاً وأن علاقاتها مع تركيا لن تتأثر، طالما سمحت لأنقرة بدور في إدلب، وبالتحرك تجاه عفرين. وبالتالي، هي لم تعد ملزمة تجاهها في مناطق أخرى. أما منطقة الجنوب فهي خارج اتفاقات أستانة، وتخضع لترتيبات وتفاهمات مشتركة مع الأردن وإسرائيل وأميركا.
غير أن السبب الأهم الذي يدفع روسيا إلى اتخاذ قرار السيطرة على الغوطة الشرقية وأرياف حمص وحماة، التعقيدات الجديدة التي ظهرت على المشهد السوري في الآونة الاخيرة، وما
وكانت روسيا، قبل ذلك، قد تعرّضت، لجملةٍ من الصفعات المؤلمة، عبر تدمير عدد من طائراتها في قاعدة حميميم، وإسقاط فخر صناعاتها "سو 25" الجوية في ريف إدلب، وثالثة الأثافي مقتل وجرح المئات من المقاتلين الروس، وعلى يد القوات الأميركية في دير الزور، وهو ما وضع مقولة إن روسيا صاحبة الأمر في سورية موضع شك، أو على الأقل عكست هذه الحوادث مدى هشاشة الوضع الروسي في سورية، وبطلان مزاعم الانتصار التي بشر بها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، نهاية العام الماضي.
تدرك روسيا أن الطريقة التي صنعت بها إنجازها السوري تنطوي على ضعف وهشاشة خطيرتين، وهي ليست سوى توليفةٍ من تفاهماتٍ وتنازلاتٍ لأطراف إقليمية ودولية، وألعاب دهاء ضد قوى المعارضة السورية، المسلحة والسياسية، مع مزيج من أساليب حروب الإبادة وسياسات الأرض المحروقة التي أجرتها تحت ستار إعلامي، يدمج إدعاءات الحرب على الإرهاب ومحاولات إعادة الاستقرار لبلدٍ مزقته الحرب الأهلية، والوعد بتحقيق سلام متوازن، يرضي جميع الأطراف.
لكن، ومن أجل تمرير هذه التوليفة المتناقضة، اضطرت روسيا إلى الانخراط في تفاهماتٍ
وعلى الرغم من كل ما فعلته روسيا، إلا أنها وجدت نفسها في وضعٍ لا يليق بالمكانة التي تتصوّرها عن نفسها، ولا بالوضع الذي تطرح نفسها من خلاله، بصفتها دولةً قابضةً على سورية، ومتحكمة بالتفاعلات في شرق البحر الأبيض المتوسط، والصانعة لتأثيرات ما بعد هذه المنطقة، فلا أحد من الدول المعنية احترم دعوتها إلى مؤتمر سوتشي، ولولا حضور المبعوث الأممي، دي ميستورا، لظهر كما لو أنه مؤتمر بعثي لأعضاء من الدرجة الثانية، كما أن أي طرفٍ لم يحترم خطوطها الحمراء في سورية، هل لروسيا أصلاً خطوط حمراء؟.
إلى ذلك، روسيا بصدد تعديل طريقة إدارتها الحرب السورية، وبما أن قدرتها على ضبط اللاعبين الآخرين منخفضة، وبالكاد تتوّسط بينهم في حال الاختلاف، إيران وإسرائيل، أو تحاول النفخ في النيران، كما في الخلاف الأميركي – التركي، فإن خياراتها في التعديل تبدو منحصرةً في الاستقواء على المعارضة السورية، وستحاول في المرحلة المقبلة إعادة صيانة هيبتها ومكانتها، باستخدام أقصى درجات العنف تجاه المعارضة السورية، وعبر استعادة السيطرة على مناطق جديدة، وتحديداً في الغوطة وأرياف حمص وحماة.
لكن لماذا الاستغراب والحرب في سورية ليست سوى صراع على النفوذ والحصص من جميع الأطراف، وهم جميعاً رحماء فيما بينهم وأشداء على السوريين، ثم إن روسيا لم تفعل شيئاً منذ تدخلها سوى القتل والحرق، وحتى اقتراحها المسمى مناطق خفض التصعيد لم يكن سوى إقامة معازل مرحلية، إلى حين التفرغ لاجتثاثها، وقد حان الوقت.