وأسفرت الغارات الروسية عن تدمير مستشفى جديد في حي الصاخور بحلب، وإخراجه من الخدمة، إضافة إلى مقتل واصابة عدد من المدنيين جراء هذا القصف. وكانت الأمم المتحدة قد ذكرت الخميس، أن نحو 600 جريح لا يتلقون العلاج في شرق حلب بسبب النقص في الطواقم والمستلزمات الطبية.
ودعت منظمة "أطباء بلا حدود" الجمعة إلى وقف "حمام الدم" في حلب، لتضم صوتها إلى دعوات منظمات غير حكومية أخرى وحكومات عدة والأمم المتحدة، فيما أعلنت الإدارة العامة للخدمات في محافظة حلب عن توقف ضخ المياه عن جميع أحياء الجزء الشرقي من المدينة الذي تسيطر عليه قوات المعارضة، بعد استهداف قوات النظام والطائرات الروسية المحطات وتدمير الخطوط الرئيسية للشبكة.
يأتي ذلك بعد أن دمّرت الغارات الروسية دير وارطان التابع للكنيسة الأرمنية في حي بستان الباشا، في الأحياء الشرقية في حلب، المحاصرة بالصواريخ الفراغية. كما طاولت الغارات الجوية منطقة الملاح ومحيط طريق الكاستيلو، شمال حلب، فيما قصفت قوات النظام بالمدفعية عدداً من أحياء المدينة القديمة.
وامتد التصعيد الروسي - السوري إلى مناطق أخرى، بعد إلقاء مروحيات تابعة للنظام 16 برميلاً متفجراً على بلدة الديرخبية، في ريف دمشق. وذلك في إطار حملتها المتواصلة على بلدات الغوطتين الغربية والشرقية، التي تستهدف تأمين محيط العاصمة، وانتزاع المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة، سواء بالوسائل العسكرية، وفق سياسة القضم والهضم كما تفعل في الغوطة الشرقية، أم بالهدن والتسويات التي يتم بموجبها إبعاد المقاتلين إلى الشمال السوري، وأحياناً مع ذويهم أيضاً، كما حصل في مناطق داريا والمعضمية والوعر والزبداني.
وفي إطار تعزيز نهجها القائم على محاولات الحسم العسكري، أرسلت موسكو المزيد من الطائرات الحربية الحديثة إلى سورية، وفقاً لما كشفت عنه صحيفة "إزفستيا" الروسية، التي أكدت وصول عدد من قاذفات القنابل من طرازي "سوخوي-24" و"سوخوي-34" إلى قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، فيما يجري الاستعداد لإرسال طائرات هجوم أرضي أيضاً.
يأتي ذلك بعد أن أعلن المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، يوم الجمعة، أنه "لا يوجد إطار زمني لعملية روسيا العسكرية في سورية"، مانحاً الانطباع بأن روسيا ليست في عجلة من أمرها، ولا تعمل تحت ضغط الوقت، وفق ما حاولت مصادر أميركية الترويج له، معتبرة أن "روسيا تُستنزف في سورية، وهي تسعى للوصول إلى تفاهم مع الإدارة الأميركية الحالية، قبل وصول إدارة جديدة إلى البيت الأبيض قد تغير قواعد اللعبة في سورية".
وبعد سلسلة من السجالات والتراشق السياسي والإعلامي بين واشنطن وموسكو في الأيام الأخيرة، إثر انهيار الهدنة في حلب والتصعيد الروسي هناك، بدت الإدارة الأميركية خالية الوفاض حيال الكرملين، وفق تسجيلات صوتية لوزير الخارجية جون كيري، كشفت عنها صحيفة "نيويورك تايمز". وذلك على الرغم من حديث كيري مرات عدة عن وجود "خطة باء" عند إدارة أوباما في حال فشل الجهود السياسية مع روسيا لوقف العنف والتوجه لحل سياسي.
ويعترف كيري خلال تلك التسجيلات بـ"عجزه وعجز بلاده عن تقديم أي شيء أو الضغط على روسيا"، معترفاً بأن "مساعيه الدبلوماسية مع روسيا لم تأتِ بنتيجة بسبب غياب التهديد باستخدام القوة". وإذ يؤكد التسريب على حقيقة وجود خلافات داخل إدارة أوباما بشأن كيفية التعاطي مع القضية السورية، يحاول كيري تبرير ضعف سياسة بلاده بهذا الشأن بأنه ليس لدى واشنطن غطاء قانوني للتدخل العسكري، بينما روسيا تمت دعوتها من قبل نظام الأسد. وتجاهل أن أوباما طالما وصف بشار الأسد بأنه "فاقد للشرعية"، وبالتالي لا قيمة لدعوته روسيا للتدخل، ومتناسياً أيضاً أن بلاده طالما تدخلت في بلدان أخرى من دون أن يدعوها أحد لذلك.
وما يشير الى درجة كبيرة من التخبط في السياسة الاميركية حيال سورية، دعوة كيري المعارضة السورية إلى المشاركة في انتخابات رئاسية يترشح لها الأسد، معتبراً أن "الأخير وفق مصادر الاستخبارات الأميركية، خائف جداً، من تصويت السوريين في الخارج ضده"، قبل أن يستدرك بأن النظام والروس لن يسمحوا بإجراء انتخابات لا يضمنون فوز الأسد فيها".
وتوجّه كيري إلى المعارضين بالقول "عليكم أن تقاتلوا من أجلنا (قاصداً الحرب ضد تنظيمي الدولة الإسلامية "داعش" والقاعدة)، لا أن نقاتل من أجلكم". وأضاف أن "الولايات المتحدة لن تنضمّ إليكم في أي مواجهة مع حزب الله، لأن حزب الله لا يعمل ضدنا".
كلام كيري سُرّب في اجتماع عُقد في مقرّ البعثة الهولندية في الأمم المتحدة، في 22 سبتمبر/أيلول الماضي، شارك فيه نحو 20 شخصاً، يمثلون مجموعات حقوقية وإنسانية معارضة في سورية، ودبلوماسيون من ثلاث أو أربع دول، ومساعد كيري، ومبعوث خاص إلى سورية. أما الشخص الذي قام بالتسجيل فلم يكن سورياً. وقد استمرّ الاجتماع نحو 40 دقيقة.
ومع هشاشة البدائل لدى واشنطن في التعامل مع منطق القوة الروسي، تبدو مسألة استئناف أو تعليق المفاوضات مع روسيا حول سورية، هي "الورقة" الوحيدة التي تلوح بها واشنطن في وجه موسكو، التي أظهرت حتى الآن عدم مبالاتها بهذه الورقة، من خلال مواصلة قصفها لحلب والمدن الأخرى بالرغم من التهديدات الأميركية.
وباستثناء الحديث عن سماح واشنطن لدول إقليمية بتزويد فصائل المعارضة السورية ببعض الأسلحة التقليدية مثل راجمات صواريخ أكثر تطوراً، فإن امكانية التدخل العسكري الأميركي المباشر بأية صورة تبدو مستبعدة تماماً. وعلى الرغم من ذلك، حذّرت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، في تصريحات لها أمس السبت، من أنه "في حال أقدم الأميركيون على مهاجمة جيش النظام السوري، فسوف يكون لذلك نتائج مزلزلة وفظيعة ليس على سورية وحسب، بل في كل الشرق الأوسط"، وفقاً لتعبيرها. ورأت أنه "في حال سقط النظام السوري سوف يسدّ الإرهابيون الفراغ".
وكانت مصادر صحفية تحدثت عن قائمة بالخيارات الأميركية المطروحة، وتشمل الإعلان رسمياً أن روسيا ليست شريكة في البحث عن حل دبلوماسي في سورية، وبدء النظر لها على أنها "مخرب للحل"، إضافة إلى خيارات سياسية وعسكرية.
وفي أجواء الانسداد هذه، تسعى فرنسا لفتح ثغرة من خلال مشروع القرار الذي تقدمت به إلى مجلس الأمن والهادف إلى التهدئة في حلب وسورية. وبحسب دبلوماسيين، فإن الطرح الفرنسي يبدو "معتدلاً ومحدوداً" على أمل تجنّب إحباطه من جانب روسيا عبر حق النقض (الفيتو). وقال هؤلاء إن روسيا لم تبد معارضة أولية على نص مشروع القرار، يوم الجمعة، وطلبت مزيداً من الوقت لدرسه تفصيلياً.
وحسب وكالة "فرانس برس" فإن مشروع القرار الفرنسي يركز على الوضع في حلب ويدعو إلى "إعادة العمل بوقف الأعمال القتالية وفقاً للاتفاق بين روسيا والولايات المتحدة في 9 سبتمبر/أيلول الماضي، بهدف السماح بوصول المساعدات الإنسانية ووقف الطلعات الجوية للطيران الحربي فوق حلب". كما يفترض نصّ القرار "إنشاء آلية لمراقبة التهدئة، يشارك فيها خبراء من بلدان عدة أعضاء في المجموعة الدولية لدعم سورية".