يبدو أن روسيا باشرت تنفيذ تهديداتها بتفعيل الخيار العسكري على الأرض ضد المعارضة السورية، المقاطعة لمؤتمر "الحوار الوطني السوري"، الذي بدأ أعماله في سوتشي أمس الإثنين، إذ ارتكب طيرانها الحربي، إلى جانب طيران النظام السوري، خلال اليومين الماضيين، عدة مجازر بحق المدنيين، خصوصاً في إدلب، سقط ضحيتها عشرات القتلى والجرحى.
وقالت مصادر من "الدفاع المدني في إدلب"، لـ"العربي الجديد"، إن "قصفاً جوياً، يعتقد أنه عبر طائرات حربية روسية، استهدف سوق البطاطا شمال مدينة سراقب، تسبب بمقتل 11 شخصاً، وإصابة أكثر من 10، في حصيلة أولية"، مبيناً أن "القصف تسبب أيضاً بأضرار مادية كبيرة، إذ احترقت العديد من السيارات والأغذية الموجودة في السوق، المعروف أنه مكان لتسويق محصول المنطقة من البطاطا". وأفاد "الدفاع المدني" في إدلب أن مزارع بلدة التمانعة تعرضت لغارتين جويتين من قبل الطيران الحربي، كما استهدفت قوات النظام الموجودة في معسكر جورين مدينة جسر الشغور بالصواريخ، من دون تسجيل ضحايا.
وتعرض ريف إدلب، حتى ظهر أمس الإثنين، لأكثر من 55 غارة جوية، أدت إلى مقتل 16 شخصاً، بالإضافة إلى إصابة العشرات، ودمار في منازل المدنيين وبعض المستشفيات والمدارس والأفران. وقالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إن "الطيران الروسي، وبعد مجزرة سوق البطاطا، استهدف أيضاً مستشفى في مدينة سراقب، وهو المستشفى الذي نقل إليه جرحى قصف السوق، ما تسبب في مقتل 3 مدنيين وإصابة 6 آخرين، بينهم 3 ناشطين إعلاميين و3 من الكادر الطبي، في حين قتل مدني باستهداف الطيران الروسي لسيارة تقل نازحين". وأشارت المصادر إلى أن الناشطين الإعلاميين المصابين، هم مراسلا وكالة "سمارت" المحلية للأنباء أبو يزن الحمصي وباسل حوا، ومراسل قناة "أورينت" السورية، شاهر سماق.
وذكرت "مديرية صحة إدلب"، التابعة للمعارضة السورية، إن غارة جوية استهدفت بشكل مباشر "مستشفى الشهيد عدي أبو حسين" (الإحسان سابقاً) في مدينة سراقب، وأدت إلى وقوع ثلاث إصابات في صفوف الكادر، بالإضافة إلى مقتل طفل وامرأتين من المراجعين. وأوضحت أن هذا الاستهداف هو الثاني للمستشفى خلال أسبوع، مشيرة إلى أن "مستشفى الشهيد عدي" هو الوحيد الموجود في مدينة سراقب ويقدم الخدمات الصحية، رغم العديد من الاستهدافات سابقاً. في غضون ذلك، قالت مصادر محلية، إن الطيران الروسي استهدف سيارة يستقلها نازحون على أطراف سراقب، ما أدى لمقتل مدني وسقوط عدد من الجرحى. وشهدت مدينة سراقب تصعيداً من قبل الطيران الروسي، وسط محاولات تقدم من قوات النظام على محور بلدة أبو الظهور في ريف إدلب الشرقي.
من جانبه، أكد "المرصد السوري لحقوق الإنسان" وقوع 4 مجازر في ريف إدلب. وأشار، في تقرير أمس الإثنين، إلى أن سراقب شهدت مجزرتين خلال 24 ساعة، ذهب ضحيتهما 20 قتيلاً، بالإضافة إلى إصابة العشرات بجراح متفاوتة الخطورة، فيما وقعت مجزرتان في بلدة معصران، حيث قتل 11 مواطناً، بينهم نساء وأطفال. كما قُتل طفل في استهداف طائرات حربية قرية الشيخ مصطفى، إضافة لمقتل رجل في الغارات على بلدة كفرنبل. ولا تزال أعداد الضحايا قابلة للازدياد لوجود جرحى في حالات خطرة. وكان 22 مدنياً قد قتلوا وجُرح أكثر من 50، أول من أمس، جراء قصف جوي روسي ومدفعي من قوات النظام السوري على الأحياء السكنية في الغوطة الشرقية وفي مدن بريف إدلب، وقصف على ريفي درعا وحمص. ويأتي هذا التصعيد الروسي، غداة إعلان الهيئة العليا للمفاوضات السورية، مقاطعتها مؤتمر سوتشي الذي بدأ أعماله أمس. وربط محللون ومتابعون بين تصعيد القصف الروسي على إدلب، مع تأكيد هيئة المفاوضات عدم مشاركتها في جلسات سوتشي. وكان مركز قاعدة حميميم الروسية توعّد المعارضة بالتصعيد العسكري، إن رفضت المشاركة في سوتشي. وحاولت موسكو، أمس، التبرؤ من المجازر التي ترتكبها قوات النظام في الغوطة الشرقية لدمشق. واعتبرت وزارة الدفاع الروسية أن انتهاكات نظام "وقف الأعمال القتالية" في ريف دمشق أصبحت تتسم بطابع فردي. وأشارت إلى أن "مركز المصالحة الروسي في سورية يدعو القوات الحكومية السورية في الغوطة الشرقية لعدم الخضوع لاستفزازات التشكيلات المسلحة، كما يدعو دمشق لمفاوضات مباشرة مع المعارضة في الغوطة الشرقية لتنظيم إجلاء المرضى".
معارك عفرين
وفي عفرين، هاجمت فصائل الجيش السوري الحر والطيران التركي فجر أمس الإثنين مواقع خاضعة إلى "وحدات حماية الشعب" الكردية في محور قطمة شمال شرق عفرين، في حين شنت الأخيرة هجوماً معاكساً على محور تل قسطل وجبل برصايا. وقال مصدر ميداني، لـ"العربي الجديد"، إن الجيش السوري الحر شن هجوماً على مواقع "الوحدات" الكردية في ناحية قطمة شمال شرق عفرين، بالتزامن مع شن الطيران الحربي التركي غارات على طريق الإمداد الواصلة بين قطمة وقاعدة كفرجنة العسكرية. وتسعى القوات المهاجمة، وفق المصدر، للوصول إلى كفرجنة، وذلك بهدف قطع الطريق الواصل بين عفرين ونواحي شنكال وبلبل الواقعة شمال عفرين. وتبعد كفرجنة نحو 9 كيلومترات عن مدينة عفرين.
في غضون ذلك، شنت "الوحدات" الكردية هجوماً معاكساً على محور تل قسطل، في أطراف بلدة فشل جندو، بالتزامن مع محاولة تسلل إلى جبل برصايا الاستراتيجي، حيث دارت معارك عنيفة مع الجيش السوري الحر والقوات التركية التي تمركزت على الجبل، بعد السيطرة عليه بشكل كامل. ودخلت عملية "غصن الزيتون" التي يشنها الجيش التركي والفصائل المسلحة ضد "وحدات حماية الشعب" الكردية يومها العاشر، وذلك بهدف طرد المليشيات الكردية من المنطقة. وزعم "المكتب الإعلامي لوحدات حماية الشعب"، أمس، استعادة السيطرة على تلة "كفري كر" في ناحية راجو شمال غرب عفرين بعد معارك مع الجيش التركي، فيما قالت "القيادة العامة لقوات سورية الديمقراطية"، في بيان، إن مقاتلة في صفوف "وحدات حماية الشعب" الكردية نفذت عملية انتحارية، استهدفت بها دبابة للجيش التركي في محور قرية حمام بناحية جنديرس جنوب غرب عفرين.
وزار رئيس عمليات "غصن الزيتون" وقائد الجيش الثاني التركي، الجنرال إسماعيل تِمل، مواقع الجيش التركي والمعارضة السورية في جبل برصايا شرق إعزاز، في زيارة تعد الأرفع من نوعها لجنرال تركي للأراضي السورية منذ عمليات "درع الفرات". يأتي هذا بينما جدد وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، نفي بلاده لوجود أي مطمع لها في الأراضي السورية. وقال "هناك أهداف وأجندات خاصة للدول الأخرى في سورية. يريدون البقاء فيها لتمزيقها". إلى ذلك، نقلت محطة "سي إن إن" أمس عن قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال جوزيف فوتيل، قوله إن الولايات المتحدة لا تخطط لسحب قواتها المتمركزة قرب مدينة منبج رغم تحذيرات من تركيا بلنقلهم "فوراً". وقال فوتيل إن سحب القوات الأميركية من منبج "أمر لا نفكر فيه".