وناقش الاجتماع الروسي السعودي، إشكاليتين أساسيتين؛ كيفية محاربة الإرهاب في سورية، وصياغة حلّ في هذا البلد. وبعد اللقاء، جاءت تصريحات الجبير، لتؤكد أمرين؛ وجود السعودية ضمن التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، ورحيل الرئيس السوري بشار الأسد بعد عملية انتقالية تحفظ وحدة سورية وبقاء مؤسساتها.
وقال الجبير، إنّ "المملكة العربية السعودية كانت من الدول الأولى التي طالبت بتشكيل تحالف دولي لمواجهة الإرهاب، والتي انضمت إلى التحالف الدولي الذي تم تشكيله لمواجهة داعش في سورية والعراق، وكانت من الدول الأولى التي شاركت طائراتها العسكرية في هذا التحالف ولا تزال". وأكد الجبير أنّ السعودية قلقة من أن يُفهم التدخل الروسي على أنه "تحالف مع إيران وحزب الله والأسد"، مشيراً إلى أن "السعودية ستزيد تعاونها مع روسيا في مكافحة الإرهاب".
من جهته، أشار لافروف إلى أن موقف السعودية يتطابق مع الموقف الروسي، في ما يخصّ هزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سورية. وأشار إلى أن روسيا تتفهم قلق السعودية من التدخل الروسي، مؤكداً أن هذا التدخل هو ضد "داعش" و"جبهة النصرة" ومجموعات إرهابية أخرى.
أوحت هذه التصريحات، وفقاً لبعض المراقبين، أنّ السعودية قبلت بالتدخل الروسي في سورية، ومتحالفة مع روسيا في مواجهة الإرهاب، مقابل أن الأهداف المعلنة للتدخل الروسي تمثّلت في محاربة الإرهاب ودعم نظام الأسد، ما يناقض موقفاً سعودياً صارماً في شقه الثاني، المتعلق برحيل الأسد، وإن تطلب تدخلاً عسكرياً، كما صرّح الجبير قبل أسابيع.
لاحقاً، أكدت وسائل الإعلام السعودية وبشكل قطعي وواضح، أن ولي ولي العهد السعودي أوصل إلى الرئيس الروسي رفض المملكة الصريح لتدخل روسيا العسكري في سورية. كما أكّد مصدر سعودي في تصريح لوكالة "رويترز"، أمس الإثنين، أنّه "يجب على الأسد أن يرحل، وأن الرياض تواصل تعزيز ودعم المعارضة السورية المعتدلة"، لافتاً إلى أنّ السعودية أبلغت روسيا أن تدخلها في سورية سيكون له عواقب وخيمة.
ويرى مراقبون في تصريحات الطرفين المعلنة أنّها تعكس ارتباكاً في التعاطي مع اجتماع الرئيس الروسي وولي ولي العهد. الطرف الروسي، مهتم بإظهار السعودية بمظهر المتفهم للتدخل العسكري الروسي في سورية، فهو لا يريد أن يبدو وكأنه في حرب دينية ضد العالم الإسلامي، ولا يريد أن يستثير مشاعر مواطنيه المسلمين. وبحسب البعض، ربما تفكر روسيا هنا، مدفوعة بخبرات الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، عندما حشدت السعودية بالتحالف مع باكستان والولايات المتحدة، الجهاديين من أقطار العالم الإسلامي لمواجهة الشيوعية، وفقاً للمراقبين أنفسهم.
اقرأ أيضاً: السعودية متمسّكة بحكومة انتقالية تؤدّي لرحيل الأسد
من جهة ثانية، يعتبر محللون سياسيون أنّ السعودية لا تريد أن تتعامل مع روسيا كعدو، في سياق الهزة التي تتعرض لها العلاقة السعودية – الأميركية، والتدخل السعودي العسكري في اليمن، وخصوصاً بعد تلميح الجبير، من نيويورك، إلى أنه على الأسد أن يرحل، أو يواجه خياراً عسكرياً، ما أوحى أنّه قد يقود إلى تصادم عسكري مع روسيا على الأراضي السورية.
ويقرأ هؤلاء المحللون الموقف السعودي من التدخل الروسي كالتالي: "أنتم ضد الإرهاب، ونحن ضد الإرهاب أيضاً، ونحن أول من حاربه في سورية، لكننا لا نثق بكم وبتحالفكم مع إيران وحزب الله والأسد". السعودية لا تثق في التدخل الروسي لسببين؛ أولاً لأنّه لم يستهدف التنظيمات التي تعتبرها الرياض إرهابية، أي "داعش" و"جبهة النصرة"، بل استهدف فصائل تعتبرها السعودية معتدلة، وتقوم بدعمها سياسياً وربما عسكرياً، وفقاً للمحللين.
ويعيد المحللون أنفسهم السبب الآخر إلى إعلان روسيا صراحة انحيازها لنظام الأسد، ما جعل الرياض تعتبر أن موسكو تتدخل عسكرياً لدعم محور يعمل ضدها في المنطقة، أي إيران، سورية، وحزب الله اللبناني.
ويعتبر خبراء سياسيون أنّ لافروف حاول تجيير الاتفاق مع السعودية، مبدئياً، حول محاربة الإرهاب في سورية، وكأنه قبول بالتدخل الروسي، بينما يمكن قراءة تصريحات الجبير، على أنّها دعوة لدخول روسيا مع التحالف القائم الذي تقوده الولايات المتحدة ضد "داعش"، بدلاً من دخولها بشكل منفرد.
أما على صعيد الموقف من النظام السوري، يرى البعض أنّ التصريحات تمثّل تغيراً في الرؤية السعودية تجاه الحل في سورية، إذ قبلت ببقاء النظام (مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية) ورحيل الأسد أثناء أو بعد عملية انتقالية.
في المقابل، يجد آخرون أنّ هذا الموقف السعودي معلن منذ العام 2012 على الأقل. فالرياض كانت تدعو إلى رحيل الأسد، ومن تسميهم "المتورطين في دماء الشعب السوري"، من دون رحيل النظام، وهذا جزء من التفاهمات الدولية المنصوص عليها في "جنيف1"، في يونيو/حزيران 2012، والذي تعتبره السعودية أرضية لتحركاتها الدولية ضد الأسد. لكن المتغير السعودي الوحيد الذي يمكن تسجيله هنا، أن المملكة تخلّت عن شرط رحيل الأسد الفوري، وصارت قابلة لبقائه بشكل رمزي في مرحلة انتقالية تنتهي برحيله، بحسب ما يرى البعض. فالسعودية تصرّ على رحيل الرئيس السوري، لكنها تعرض اليوم التفاوض مع روسيا وإيران على التوقيت.
ويكفل "جنيف1" وحدة الأراضي السورية والبدء في عملية انتقالية، وتشكيل حكومة مؤقتة تشمل أطرافاً من النظام والمعارضة، بالإضافة إلى الحفاظ على مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية، وقيادة مرحلة تحوُّل ديمقراطية تتعالى على الطائفية وترسّخ الهوية الوطنية السورية.
اقرأ أيضاً: 12 يوماً على الهجوم الروسي...استنزاف النظام بخسائر غير مسبوقة