ضخت الأندية الأوروبية الملايين من الأموال، ودفعت الغالي والنفيس في سبيل إثبات جدارتها أوروبياً، في الوقت الذي يعيش فيه العالم أزمة مالية واقتصادية خانقة حكمت بالإفلاس على مؤسسات مالية وصناعية عملاقة في أوروبا، ولم تجد ثقافة البذخ والإسراف المادي المفرط نفعاً مع كبار الأندية الأوروبية، في حين أثبتت تجربة فريق أتلتيكو مدريد نجاحها مُجدداً في ظل المعرفة بأنّ المال لا يصنع السعادة في عالم كرة القدم.
وأجبر الفريق الإسباني الذي يقوده المدرب الأرجنتيني دييجو سيميوني، جمهور كرة القدم على رفع القبعة له احتراما، سيّما بعد تتويجه ببطولة كأس السوبر الإسباني، بعدما فاز بلقب بطولة الدوري الإسباني وصعد لنهائي بطولة دوري أبطال أوروبا الموسم الماضي.
ولم يكن أكثر المتفائلين من عشاق فريق "الروخيبلانكوس" يتوقع هذا النجاح المستحق الذي حققه أبناء المدرب سيميوني هذا الموسم، وذلك في ظل المنافسة التقليدية الشرسة لقطبي الكرة الإسبانية (ريال مدريد، وبرشلونة) على لقب "الليجا"، وفي ظل وجود نخبة كبيرة من الأندية العريقة صاحبة الصولات والجولات في بطولة دوري أبطال أوروبا.
ونجح المدرب الأرجنتيني -الذي يمتلك "كاريزما" خاصة وروحا معنوية عالية قريبة من اللاعبين باعتباره لاعباً سابقاً-في قيادة فريقه للصعود إلى نهائي البطولة الأوروبية للمرّة الأولى منذ 40 عاماً، وهي البطولة التي خسر فيها المباراة النهائية المعادة على يد فريق بايرن ميونيخ الألماني، ثم عاد سيميوني ليقود فريقه لتحقيق لقب كأس السوبر الإسباني للمرّة الثانية في تاريخه، واستطاع أبناء المدرب "سيميوني" قهر أبناء المدير الفني لنادي ريال مدريد، الإيطالي كارلو أنشيلوتي، وذلك رغم الإمكانيات الهائلة بين الفريقين من الناحية المادية، حيث تقل ميزانية نادي العاصمة الإسبانية، عن جاره اللدود، وغريمه ريال مدريد، بثلاثة أضعاف
فوارق مالية شاسعة
أبهر فريق "الروخيبلانكوس" عُشاق كرة القدم الأوروبية في نهاية الموسم الماضي، بعدما نجح في الصعود إلى المباراة النهائية لبطولة دوري أبطال أوروبا، حيث لم يُكلفه الوصول إلى نهائي لشبونة "آنذاك" سوى مبلغ 79 مليون يورو.
وعلى النقيض من ذلك، فقد أنفق رئيس نادي ريال مدريد الإسباني، فلورنتينو بيريز، أكثر من نصف مليار يورو لتدعيم صفوف الفريق الحالي بحثاً عن اللقب الأوروبي العاشر الذي طال انتظاره، وهو ما حدث حينما تُوج الريال "آنذاك" ونجح بالفوز بلقب دوري أبطال أوروبا.
واضطر "بيريز" لدفع مبلغ 650 مليون يورو منذ عودته لمنصبه عام 2009، من أجل الوصول للخطوة الأخيرة نحو تحقيق الحلم الذي لطالما انتظرته جماهير النادي الملكي، والمتمثل في التتويج بالكأس العاشرة، وتعزيز الرقم القياسي في عدد مرات الفوز في البطولة.
ولم تُجدِ سياسة "البذخ" نفعاً على مدار السنوات الخمس الماضية، فقد دفع بيريز مبلغ "258" مليون يورو في موسمه الأول للتعاقد مع المدرب التشيلي مانويل بيليجريني، فضلاً عن سبعة لاعبين هم: كريستيانو رونالدو -ريكاردو كاكا -بنزيمة – تشابي ألونسو-أربيلوا-ألبيول –جرانيرو، لكنه فشل آنذاك في تجاوز عقبة ليون الفرنسي، وخرج من البطولة الأوروبية مبكراً في دور الـ 16.
وفي المواسم الثلاثة السابقة، أثبتت هذه السياسة فشلها الذريع مجدداً، فقد أجبر الهوس بالكأس العاشرة "بيريز" على إنفاق مبلغ 198 مليون يورو لجلب المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو، إضافة إلى 16 لاعباً هم: كاناليس-أوزيل -دي ماريا -كارفاليو-خضيرة -بيدرو ليون -أديبايور-نوري شاهين -فاران -كاييخون -كوينتراو-ألتينتوب -مودريتش -إيسيان -دييجو لوبيز.
ولم تمنح هذه المبالغ الطائلة الريال فرصة تخطي الدور نصف النهائي، فقد ودّع الفريق منافسات البطولة من الدور نصف النهائي في عام 2011، بعد أن خسر أمام غريمه التقليدي برشلونة الإسباني في مباراة الذهاب التي أقيمت على ملعب "سانتياجو بيرنابيو" بهدفين نظيفين، قبل أن يتعادل بهدف لمثله في مباراة الإياب التي جرت على ملعب "كامب نو".
أما في العام الحالي، فقد أثمرت الصفقات المدوية التي أبرمها "بيريز" هذا الموسم والتي بلغت 191 مليون يورو، للتعاقد مع المدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي، إضافة إلى كل من: غاريث بيل - كاسيميرو - كارباخال - إياراميندي - إيسكو، فقد نجح الفريق بالتتويج بلقب دوري أبطال أوروبا، للمرّة الأولى منذ 12 عاماً.
وبالنظر للغة الأرقام، نجد أن "النادي الملكي" قد دفع مبلغ 521.9 مليون يورو في تشكيلته الحالية لتحقيق اللقب، حيث دفع مبلغ 10 مليون يورو للظفر بخدمات مدافعه الفرنسي رافائيل فاران، فيما عزّز صفوفه بضم البرتغالي بيبي نظير 30 مليون يورو، وهو نفس المبلغ الذي دفعه لضم مواطنه فابيو كوينتراو.
فيما نجح بالظفر بخدمات المدافع الإسباني، سيرجيو راموس، نظير 28 مليون يورو، بينما دفع مبلغ 6.7 مليون يورو، للحصول على خدمات مدافعه البرازيلي مارسيلو، وهو المبلغ ذاته الذي دفعه لاستقطاب ظهيره الأيمن دانييل كارباخال.
واضطر النادي الملكي لإنفاق مبالغ طائلة جداً لتعزيز وسط ميدانه، فقد دفع مبلغ 38 مليون يورو من أجل ضم آسيير إياراماندي، ومبلغ 35.4 مليون يورو من أجل الحصول على خدمات تشابي ألونسو، ومبلغ 30 مليون يورو للظفر بخدمات الأرجنتيني انخيل دي ماريا، و12 مليون يورو للحصول على خدمات الألماني سامي خضيرة، و30 مليون يورو لضم الكرواتي لوكا مودريتش، و27 مليون يورو للحصول على خدمات إيسكو، و6 ملايين لضم البرازيلي كاسيميرو.
فيما يُعد الثنائي بيل ورونالدو الأكثر قيمة مالية بـ 100 مليون يورو للويلزي، و94 مليون يورو للبرتغالي، بينما دفع الريال مبلغ 35 مليون يورو من أجل الحصول على خدمات مهاجمه الفرنسي كريم بنزيمة، ودفع الريال مبلغ 4 ملايين يورو لاستقطاب حارس مرماه البديل دييجو لوبيز، و4.5 مليون يورو، لجلب مدافعه ألفارو أربيلوا، فيما لم يُكلف أبناء أكاديمية مدريد (إيكر كاسياس، والفارو موراتا، وخيسي رودريجيز، وناتشو فيرنانديز) خزينة النادي الملكي يورو واحداً.
سياسة متواصلة
ولم تختلف سياسة ريال مدريد هذا الموسم عن المواسم السابقة، فقد تعاقد نادي العاصمة الإسبانية مع رودريجيز وتوني كروس مقابل 100 مليون يورو، فيما تعاقد "الروخيبلانكوس" مع ثمانية لاعبين مقابل 95 مليون، الأمر الذي أثار سخرية "سيميوني" نفسه، الذي أكّد أن ريال مدريد أهدر أمواله لضم لاعبين فقط، في حين أن أتلتيكو مدريد تعاقد مع ثمانية لاعبين مقابل نفس المبلغ.
وتعاقد "الريال" مع الثلاثي الكولومبي جيمس رودريجز والألماني توني كروس والكوستاريكي نافاس مقابل 120 مليون يورو، فيما نجح "أتلتيكو مدريد" في ضم الحارس السلوفيني يان أوبلاك من بنفيكا البرتغالي مقابل 16 مليون يورو، والمكسيكي خيمينيز، قادماً من فريق أميركا المكسيكي مقابل نحو 20 مليون يورو، والكرواتي ماريو ماندزوكيتش والفرنسي أنطوان جريزمان.