"ميسي هو برشلونة وبرشلونة هو ميسي"، هي الحقيقة التي لم تتغير إلا يوم 25 آب/أغسطس، يوم أرسل النجم الأرجنتيني "فاكس" طلب فيه إنهاء عقده رسمياً مع النادي "الكتالوني". هو القرار الذي هز العالم الكروي بدون أن يتفوّه ميسي ولو بكلمة واحدة على الإعلام أو في فيديو مُسجل أو حتى منشور على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي.
وبعيداً عن التسريبات الإعلامية وكلام الصحف الذي يبقى حبراً على ورق، يبدو أن ميسي عازم على الرحيل فعلاً ويبحث عن فرصة جديدة لمتابعة ما تبقى من مسيرته الكروية. هذه هي الحقيقة اليوم وأن أسطورة برشلونة وصل إلى طريق النهاية، وربما سيخرج من الباب الضيق بسبب الظروف الحالية الصعبة، بدلاً من أن يخرج باحتفال تاريخي يليق بما قدمه للنادي "الكتالوني".
فاكس يُقابله فاكس: إنها الحرب
بحسب ما تناقلته كل الصحف الرياضية، وخصوصاً الإسبانية منها، وتأكيد إدارة برشلونة، أرسل ليونيل ميسي "فاكس" رسمياً طالباً فيه إنهاء عقده مع النادي "الكتالوني"، والاحتكام للبند رقم 24، والذي ينصُ على تفعيل خيار مغادرة ميسي من طرف واحد فقط (مجاناً).
وبعد ساعات من الفوضى الإعلامية والتسريبات من هنا وهناك حول رحيل ميسي أو عدمه وكيف سيُغادر وإلى أين؟ رد برشلونة بفاكس أيضاً وفقاً لكل التقارير الصحافية التي نُشرت. ووفقاً للمعلومات رفضت إدارة برشلونة رحيل ليونيل ميسي وطلبت منه البقاء والاعتزال هنا.
وبعيداً عن الردود والتي لم يكن واضحاً إن كانت حقيقية أو من نسج خيال الصحف الإسبانية، إلا أن البنود المُتفق عليها في عقد ميسي شائكة، وعليه فإن حسم رحيل الأرجنتيني في ظرف 24 ساعة أمر في غاية الصعوبة. أولاً هناك بند جزائي يجب أن يدفعه ميسي أو الفريق الذي يرغب بضم ميسي وقيمته 700 مليون يورو، وهذا مبلغ خيالي لا يمكن لأي فريق في العالم أن يتحمل كلفته، خصوصاً في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها الأندية بسبب فيروس "كورونا".
ثانياً، وبحسب بعض التسريبات الصحافية أيضاً، فإن بند مغادرة ميسي مجاناً والمُتفق عليه مع إدارة النادي "الكتالوني"، انتهت صلاحيته في العاشر من شهر حزيران/يونيو 2020، وبالتالي الحل الوحيد لمغادرة ميسي "قانونياً" هو دفع قيمة البند الجزائي (700 مليون).
لكن هذا الحل ليس الوحيد الذي يلوح في الأفق، فهناك أصوات من داخل بيئة ميسي، وخصوصاً محاميه، تُشير إلى أنه يمكن الاستفادة من أزمة كورونا وتمديد فترة تفعيل بند مغادرة ميسي إلى ما بعد حزيران، وتحديداً حتى نهاية شهر آب وقبل انطلاق الموسم الجديد، وذلك بحُكم أن الموسم الكروي توقف لثلاثة أشهر، وهذه الأشهر يمكن إضافتها إلى الفترة المُحددة لتفعيل خيار مغادرة ميسي مجاناً انطلاقاً من يوم عودة كرة القدم.
وعليه، فإن رحيل ميسي قد يُشعل حرباً قانونية بين برشلونة والنجم الأرجنتيني، إذ إن الأخير طلب الرحيل وتفعيل بند "المجان"، بينما إدارة برشلونة لن توافق بالتأكيد على المغادرة المجانية، وستبقى مُصرة على قانون البند الجزائي الذي تصل قيمته إلى 700 مليون يورو.
خلفيات القرار الكبير
فاجأ قرار ميسي الجميع بمن فيهم جماهير برشلونة، رغم أن البعض طالب ميسي بالمغادرة لأنه لا يستحق العمل مع إدارة بارتوميو، التي دمرت كل شيء في النادي "الكتالوني". لكن قرار ميسي له الكثير من الخلفيات وفرضيتان لا ثالث لهما يمكن البناء عليهما.
أولاً، يُطرح السؤال التالي: هل ميسي يريد ثورة في برشلونة أم أنه فعلاً يريد المغادرة؟ ويأتي هذا الكلام في إطار أن الأرجنتيني مر بظروف أصعب سابقاً ولم يُغادر بل أعلن ولاءه الأبدي لبرشلونة، فلماذا الآن؟ بعض التسريبات تُشير إلى أن ميسي مُستاء من بارتوميو وإدارته وحتى قال له في غرفة الملابس بعد فضيحة بايرن ميونخ، إنه مُنهك من عمل الإدارة ولا يريد التفاوض على أي شيء (في إشارة إلى تجديد عقده).
وعليه، فإن ميسي يقود ثورة حقيقية في برشلونة للإطاحة بالرئيس بارتوميو، الذي أوصل الفريق إلى الحضيض حرفياً بسبب سوء إدارته في السنوات الماضية. وبالتالي، لعب ميسي ورقة الخروج مُستغلاً البند رقم 24، لكي يُشكل ضغطاً مُرعباً على بارتوميو وإجباره على الاستقالة.
ثانياً، فرضية أن ميسي فعلاً يريد الرحيل والسؤال: لماذا الآن؟ هنا ووفقاً للكثير من التسريبات الإعلامية والبيئة المقربة من ميسي، فإن الأخير مُستاء من عمل إدارة بارتوميو كثيراً، ويُضاف إلى ذلك أن ميسي لم يخرج سعيداً من الاجتماع مع المدرب الهولندي الجديد رونالد كومان، الذي وبحسب المعطيات دخل بقوة ويريد تغيير الكثير من الأمور ومن بينها امتيازات بعض اللاعبين وخصوصاً ميسي، وهو لن يدخل اللاعبين الذين لا يريدون الاجتهاد والعمل في مشروعه الجديد.
هذه المعطيات سرّعت في اتخاذ ميسي لقرار المغادرة من برشلونة، خصوصاً بعد أن أعلن كومان أن لويس سواريز صديق ميسي المقرب لن يكون ضمن خططه في الموسم القادم، وأن إدارة برشلونة أطلعت المهاجم الأوروغواياني على القرار عبر مكالمة هاتفية مدتها دقيقة واحدة، وهو ربما ما أثار استياء القائد ميسي أكثر.
ميسي أو بارتوميو: البقاء للأقوى
بعد زلزال روما وزلزال ليفربول، بدا واضحاً أن انفجاراً كبيراً سيحصل في برشلونة. انفجار سيُحدث زلزالاً مُدمراً، والنتيجة "ميسي يطلب المغادرة". هذا الزلزال ليس وليد اليوم أو الساعات الأخيرة، إنما مجموعة أحداث متلاحقة تسببت في انزعاج ميسي كثيراً.
الآن المعركة واضحة، ويمكن استنتاجها بسهولة دون تحاليل مسبقة، المعركة بين ميسي وإدارة بارتوميو وليست معركة بين ميسي وبرشلونة، فهو ابن النادي المُدلل وأسطورة قدمت الكثير للفريق. المعركة الآن للأقوى، بارتوميو الذي سيتعرض لحرب شرسة في حال رحيل ميسي، بينما الأخير سيُغادر بيته وعائلته إلى فريق جديد، بطريقة لا تليق بتاريخه الكروي أبداً.
والآن ليس هناك وقت لإصلاح الأمور، خصوصاً مع تنويه الصحف الإسبانية بأن ميسي لن يتراجع عن قراره، وعليه أمام بارتوميو خياران: إما الاستقالة مقابل بقاء الأرجنتيني أو الموافقة على مغادرة ميسي (وفق تركيبة يتفق عليها الطرفان)، وهنا المعركة الحقيقية؛ إذ إن بقاء ميسي ورحيل بارتوميو سيعنيان انتصار الأرجنتيني وأنه الأقوى في برشلونة، وهذا الأمر تترتب عليه مسؤوليات كبيرة تجاه الفريق الذي يعيش فترة انتقالية صعبة جداً.
ومن جراء بقاء بارتوميو ورحيل ميسي الآن، سيترتب على الإدارة التي ستعيش أشهرها الأخيرة بسبب الانتخابات مطلع عام 2021، وضع خطة واضحة والتعاقد مع لاعبين قادرين على الالتزام بمشروع كومان وبناء فريق جديد بدون ليونيل ميسي، وعليه فإن الأقوى سيبقى في برشلونة.
أفضل سيناريو لبرشلونة
إن كان ميسي فعلاً ينوي الرحيل ولم يقتصر الأمر على ورقة ضغط على بارتوميو لكي يستقيل من منصبه وترحل إدارته الغارقة في الفساد الإداري وسوء التخطيط الرياضي، فإن أفضل سيناريو لبرشلونة هو إيجاد حل يرضي الطرفين والموافقة على رحيل ميسي.
وبناء على ما ذُكر، فإن أفضل قرار لبارتوميو هو الموافقة وتحديد سعر معقول لشراء ميسي لكي لا يقف في طريق لاعب قدّم الكثير للنادي "الكتالوني" خلال مسيرته، أو تفعيل بند مغادرة ميسي مجاناً وإغلاق القضية، ومن ثم البدء في مرحلة بناء الفريق.
وفي حال حدد برشلونة سعراً لميسي (120 -150 مليوناً، وفقاً لقيمته السوقية بحسب موقع ترانفسر ماركت)، يمكن لأي فريق التعاقد مع الأرجنتيني، وعندها يستفيد الفريق من الأموال للتعاقد مع لاعبين شباب من أجل تجديد الدماء، وتحضير فريق قادر على المنافسة في مرحلة ما بعد ميسي.
أما بقاء ميسي وإن حدث مع رحيل بارتوميو، فهو سيناريو جيد لبرشلونة أيضاً، لأن الأرجنتيني سيبدأ مشواراً جديداً مع المدرب رونالد كومان ويكون الحجر الأساسي في عملية تجديد الفريق في السنوات القادمة. لكن كل هذا يبقى رهن ميسي فقط، الذي عليه أن يخرج أمام الصحافة ويُعلن قراره النهائي والابتعاد عن كل الشائعات والتسريبات والتحليلات الصحافية.