تغوص زهرة ظريف في الذكريات، وتسرد حكايات شهداء ارتوت الأرض بدمائهم.. شهداء كافحوا من أجل جزائر حرة مستقلة، ولم تكن لهم فرصة رؤية حلمهم وهو يتحقق.
تحاول أن تنقل يوميات الجيل الذي تنتمي إليه. وتؤكد، في الوقت نفسه، أنّ الثورة التي اندلعت في نوفمبر/تشرين الثاني 1954، كانت محصلة كفاح أجيال تعاقبت منذ 1830.
وعن مشاركتها الشخصية في الثورة، تقول: "اتخذت قرار الالتحاق بصفوف الثورة. واقترحت على الثوار، برفقة صديقة لي، أن نعاونهم في مهام زرع القنابل في أوساط المدن، فشكلنا القريب من الفرنسيين، بالإضافة إلى تكويننا ودراستنا معهم، ومعرفتنا بعقليتهم، يسهل علينا تنفيذ العمليات، والرجوع سالمتين من دون إثارة أدنى شك. وهو ما كان فعلاً".
زهرة ظريف بيطاط، من مواليد 1934 في مدينة تسمسيلت. يعود نسب عائلتها إلى الأدارسة، الذين حكموا المغرب الأقصى طوال قرون، وينتسبون إلى النبي محمد. جدها كان إماماً لزاوية سيدي عباس بن عمار. أما والدها فقد تخرّج في كلية الآداب، بجامعة الجزائر، بإجازة في القانون الإسلامي، وعمل قاضيا في ولاية تيارت.
بدأت دراستها في العاصمة، في ثانوية "فرومونتان"، التي تحمل اليوم اسم "بوعمامة". هناك لم يكن معها سوى فتاة جزائرية وحيدة، هي سامية لخضاري، وهي أيضاً ابنة قاضي العاصمة.
عام 1955، بعد أحداث أغسطس/آب في سكيكدة، بدأت الفتاتان البحث عن طريقة للاتصال بقادة جبهة التحرير، بهدف تنفيذ عمليات ثورية في الأحياء الأوروبية.
وعلى وقع الضربات الشرسة للاستعمار الفرنسي، تركت زهرة مقاعد الدراسة، وانضمت إلى صفوف المقاومة. ولم تقتصر مساهمتها على العمل الثوري الميداني في حرب التحرير، بل امتدت إلى لعبها دوراً رئيسياً في جمعية النساء الجزائرية، حتى عام 1957.
وبالتزامن مع دراستها الحقوق في جامعة الجزائر، كانت أول امرأة تشارك في زرع القنابل أثناء ثورة التحرير. وفي 30 سبتمبر/أيلول 1956 وضعت قنبلة في مقهى "ميلك بار"، أسفرت عن مقتل 3 فرنسيين، وإصابة العشرات.
واعتقلت مع ياسف سعدي، القائد المعروف في حرب التحرير، في القصبة بالجزائر العاصمة، في أكتوبر/تشرين الأول 1957. وحُكم عليها في أغسطس/آب 1958 بالسجن لمدة 20 عاماً، مع الأشغال الشاقة.
سُجنت زهرة ظريف في قسم النساء بسجن بربروس، ثم نُقلت إلى السجون الفرنسية، وبقيت هناك من عام 1957 حتى أطلق سراحها في 5 يوليو/تموز 1962، وهو تاريخ استقلال الجزائر. وداخل السجن الفرنسي، سعت إلى إكمال دراستها الحقوق، بعد العديد من الإضرابات عن الطعام، بهدف الحصول على حق التعلم والحقوق الأساسية.
وعن فترة ما قبل اعتقالها، تروي ظريف: "في يناير/كانون الثاني 1957، كنت طالبة مطاردة. وكانت جبهة التحرير الوطني تطلب من الناشطين مغادرة الأماكن التي يرتادونها عادة، والتوجه إلى القصبة التي كانت القاعدة الخلفية لشبكاتهم".
وتؤكد أنّ الجبهة "كانت صارمة جدا في تنظيمها، ومتشددة أيضا في تطبيق قواعدها المتعلقة بالعمل السري، لأنّ فاعلية التحركات مرتبطة بذلك إلى حد كبير". وتتابع: "في مواجهة عنف العسكريين الفرنسيين نظمنا أنفسنا لتحديد هويات المفقودين وتسجيلها في دفاتر صفراء. كانت فرقنا تجوب القصبة وأحياء بلكور وسالامبييه لجمع هذه الأسماء التي نشرت في فرنسا بعد ذلك".
وتقول: "مع أن الجيش الفرنسي نجح في تفكيك شبكات جبهة التحرير الوطني في العاصمة، إلا أنّ الحركة لم تتوقف، رغم الوسائل الهائلة التي تم حشدها وخبرة العسكريين الذين كلفوا بالتعذيب".
وتؤكد زهرة ظريف، أنّ معركة العاصمة كشفت أنّ الحرب في الجزائر، لم تكن "حرب لصوص ومجرمين" كما كانت الإدارة الفرنسية تدّعي، بل "حركة شعب بأكمله". كانت ظريف يومها مساعدة لسعدي، الذي كان يتولى قيادة الثورة في العاصمة.
اليوم، تبلغ المحامية زهرة ظريف بيطاط، السبعين، وتشغل منصب نائب رئيس مجلس الأمة الجزائري. وهي أرملة رابح بيطاط، أحد القادة التاريخيين لجبهة التحرير الوطني.
وعلى الرغم من اسمها الكبير في الثورة الجزائرية، فقد كان لظريف نصيب من الاتهامات أخيراً. ففي يناير/كانون الثاني الماضي، اتهمها ياسف سعدي، بشكل غير مباشر، بالتعاون مع الفرنسيين خلال حرب التحرير.
وقال إنّها راسلت الشهيدة حسيبة بن بوعلي تنصحها بعدم التضحية بنفسها، والتخلي عن رفاقها. واستغرب سعدي كيف استطاعت ظريف مراسلة حسيبة في مكان اختفائها، قبل أن يقرر المستعمر الفرنسي، نسف المبنى الذي كانت تختبئ فيه حسيبة، برفقة مناضلين آخرين، يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول 1957.