زهوة ابنة أبو عمّار: فلسطين الحلوة كأنثى مثقّفة

13 نوفمبر 2014
زهوة عرفات مع والدتها سهى (ماثيو ميرابيللي/AFP/Getty)
+ الخط -

كثيرون انتقدوا ظهور زهوة عرفات، ابنة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، أبو عمّار، في مقابلة مصوّرة، بدا واضحاً خلالها أنّها لا تتقن اللغة العربية. 

معظم الذين كتبوا منتقدين كانوا يسقطون صورة أبو عمّار على صورة فتاة لم تتخطّ الـ25 من عمرها. صورة عملاقة لرجل جمع الأمجاد من أطرافها السياسية والشخصية والنضالية والعسكرية، لا شكّ ستبدو "مبهبطة" على رؤساء حتّى، فكيف بفتاة لم تعاشره ومات قبل أن تنهي عامها التاسع؟

كثيرون انتقدوا كيف أنّها تتحدّث ثلاث لغات، ليس بينها إتقان العربية. وكيف قالت إنّها تحب "الـpapa"، وتحبّ "فلستين".

ليس ذكياً الدفاع عمّن لا يتقن لغته الأولى. لكن في فيديو أقلّ من 100 ثانية كان هناك الكثير للإضاءة عليه. كان هناك الأثاث العادي، بل الأقلّ من عادي. كان هناك الصالون الصغير، الأصغر من صالونات أبناء الطبقات العادية في العالم العربي. المطبخ الصغير جدّا. الشاي والتفّاح والبيض والمعجّنات. الأكل الذي يأكله معظم العرب كلّ يوم. وكان هناك البيانو.

فتاة عمرها 25 عاماً، في هذا الشرق الذي يئد نساءه، أو على الأكثر يسجنهنّ في مهمّات عائلية ضيّقة، تعزف على البيانو. بلا حجاب. بلا تكلّف. تريد أن تكمل مشوار والدها، الذي بالكاد تعرفه. تبحث عن الطرق الأقرب. تدرس العلوم السياسية. وتقول إنّها تعبّر عن شوقها إلى والدها "بالبيانو".

جميلةٌ هي كما هي. فتاة عادية، تدرس العلوم السياسية والفلسفة في مالطا. بعيدة عن فلسطين. مثل آلاف الناشطين العرب، يحاولون شقّ الطرق إلى بلادهم من بلاد أخرى. يدرسون ويدّخرون الجهد والمعرفة والمال والحبّ والمهارات، ويحلمون بالعودة.

كم كانت هذه الفتاة تشبه الثوّار أيضاً. بلغتها العربية الركيكة، ما يليق بمهاجرة أو مهاجر، أو هارب من وجه وطنه خوفاً على نفسه أو على أولاده وأهله. كم كانت تشبه المستقبل العربي الذي نحلم به، بعزفها الرقيق على البيانو، ورغبتها في "إكمال مشوار البابا".

ليس مطلوباً منها أكثر من ذلك. ولا يكلّف الله نفساً إلا وسعها. من الظلم أن ينتظر البعض منها أن تكون في وزن أبو عمّار. وكثيرون ممّن انتقدوها كانوا سينتقدونها لو كانت تلبس الكوفية وتصرخ باللهجة الفلسطينية المحكية، وتسعى نحو السلطة.

هي ابنة أبو عمّار. تماماً كم أنّ ملايين الفلسطينيين كانوا ولا يزالون أبناءه. تماماً كما أنّ ملايين العرب هم أبناء تجربة أبو عمّار، هم وآباؤهم وأجدادهم. ليس المطلوب منّا كلّنا أن نتقن العربية، وأن نحمل السلاح، أو نكون خطباء على المنابر.

هي جميلة كما هي. فتاة عربية في الـ25 من عمرها. تحبّ والدها وقضيته. تعزف البيانو. تُحاوِلُ ملكاً. تلبس الأسود في ذكرى وفاته. بتنّورة تعبّر عن انتمائها إلى الطبقة الوسطى، في العادات والتقاليد والحالة المالية، وبشعر مفلوت كما يليق بفتاة جميلة.

هي مثلنا، ليست إلا ابنة أبو عمّار. وهي شابة عربية مثقّفة، تشبه فلسطين، والوطن العربي كما نتمنّاه ونعمل من أجله. 

المساهمون