14 نوفمبر 2024
زيادة رواتب الموظفين
مجرد أن تقرأ كلمة "زيادة" يخطر ببالك كلمة "رفع" أسعار المشتقات النفطية، فالزيادة غدت ملازمة لهذا الشيء، أما الرواتب فقصة أخرى، ففي بلادٍ كثيرة أصبح "الحصول" على الراتب الهدف الأسمى، لا زيادته، بل إن مجرد رؤيته، ولو كان "منقوصا"، مدعاة للاحتفال والغبطة.
زيادة الراتب حلم كل موظف، فكيف إذا كانت الزيادة مجزيةً وسخية، كما هو الحال في تركيا؟
أعلنت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية التركية رفع رواتب الموظفين والمتقاعدين بنسبة 7.5% خلال 2018 وبنسبة 9% في 2019. وتقول وزيرة العمل، صاري أر أوغلو، إن رواتب الموظفين والمتقاعدين سترتفع بحيث "ستزداد بنسبة 4% في النصف الأول من 2018 و3.5% خلال النصف الآخر. إضافة إلى ازديادها بنسبة 4% في النصف الأول من 2019 وفي النصف الآخر 5%". وبحسب هذه الزيادة، سيكون الحد الأدنى لرواتب الموظفين نهاية 2018 هو 2.929 ليرة تركية (ما يعادل حوالي 840 دولارا)، وفي نهاية 2019، سيرتفع هذا الرقم إلى 3.198 ليرة تركية (قرابة 915 دولارا). أما رواتب الموظفين المتقاعدين فسيبلغ الحد الأدنى لها نهاية 2019 حوالي 2093 ليرة تركية (598 دولارا تقريباً). وتعتبر هذه الزيادة، حسبما أعلن، الأعلى في تاريخ زيادة رواتب الموظفين في تركيا.
متى تزاد الرواتب، وعلى هذا النحو الكبير واللافت؟
يقولون لماذا "تتغزّلون" بتركيا وأهلها، وقياداتها. حسنا، اتركونا مما يجمعنا بـ "الاستعمار التركي" حسب ما يحلو لكثيرين من أصدقائنا أن يصفوا حقبة الخلافة العثمانية، ماذا عن واقع الحال؟ كيف يصعد اقتصاد بلدٍ أصبح هدفا مباشرا للتخريب والتدمير و"الإرهاب"، فيما يشهد العالم كله نوعا من الركود وتباطؤ النمو، وتآكل الأجور؟ حتى في بلاد النفط، بتنا نسمع عن موظفين لا يرون من رواتبهم شيئا إلا كل ثلاثة أو أربعة شهور، ناهيك عن تقليص الرواتب لا زيادتها طبعا، بل إننا، وفي ما يقول مغتربونا، بتنا نسمع عن تسلمهم سلفا ونتفا من رواتبهم، بعد غياب أشهر. هذا ناهيك عن الزيادات الخرافية في كلف المعيشة، وزيادة رسوم كل شيء، خصوصا رسوم الإقامات والتأشيرات، الأمر الذي ينذر بقرب عودة كثيرين من مغتربينا إلى الأردن، على شكل موجات، تذكرنا بعودة مغتربي الكويت بعد حرب صدّام.
الأرقام التي يتم تداولها هنا رهيبة، إن صحت، فالحديث هو عن مئات آلاف من الأسر تستعد لحزم أمتعتها، من السعودية خصوصا، والعودة للاستقرار في أرض الوطن، بعد أن أصبحت الغربة "مش جايبة همها" كما يقول إخوتنا المغتربون.
من حقنا أن نقارن بين الدول، وما يحدث فيها. ومن حقنا أن نسأل: لم تنجح تجربة ما، على الرغم من استهدافها والتآمر عليها، ووجود أعداء كثيرين يهدّدونها، وبين تجربة أخرى، توفرت لها كل سبل النجاح المادية والمعنوية، ومع هذا تفشل فشلا ذريعا، بل تصبح "الثروة" لعنةً ليس على أهل البلد فقط، بل على الأمة بأسرها.
بالمناسبة... قبل فترة ليست قصيرة، جاءتني حوالة مالية متواضعة من تركيا، لا تزيد عن ثلاثمائة دينار أردني. ويومها اتصل بي البنك، طالبا مني "تفسيرا منطقيا وموثقا" لوصول هذه الحوالة المالية من تركيا. استغربت في بداية الحديث، فسألت عن ماهية هذا التفسير المطلوب؟ فقال لي الموظف إن علي أن أرسل وثيقةً للبنك تبرّر تحويل هذا المبلغ "الضخم!" لي، فقلت: وإن لم يكن لدي ما يعزّز هذا التحويل؟ فقال لي: في هذه الحالة، سنعيد المبلغ إلى من حوّله، والحقيقة أن هذا التحويل كان لقاء إدلاء برأي طلبه هاتفيا رئيس تحرير منبر إعلامي، ولم تكن بالطبع عن تركيا، وهذا ما أخبرت به البنك، فقال لي إنه يريد "وثائق"، فقلت إنه فاتني أن أسجل مكالمة الرجل لي، ولكن في المرة المقبلة، إن كان هناك مرة مقبلة، سأفعل!
وبالطبع، نكتب في صحف ومنابر في بلاد أخرى، ولكن لا يطلب أحد "تعزيزا" أو وثائق تبرر أي تحويلات، فلم تركيا تحديدا؟ هكذا سألت، فقيل إن لتركيا، من ضمن عدة دول، معاملة خاصة. وهذا بالفعل ما واجهته حينما كنت عائدا قبل أشهر من اسطنبول، حيث سمعت بأذني من يقول لمن يفتش حقائب المسافرين: ركّزوا على ركاب الطائرة القادمة من تركيا.
والصحيح أن بلدا تزاد فيه رواتب موظفيه بتلك النسب، يستحق التركيز عليه، ويستحق معاملة خاصة جدا.
زيادة الراتب حلم كل موظف، فكيف إذا كانت الزيادة مجزيةً وسخية، كما هو الحال في تركيا؟
أعلنت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية التركية رفع رواتب الموظفين والمتقاعدين بنسبة 7.5% خلال 2018 وبنسبة 9% في 2019. وتقول وزيرة العمل، صاري أر أوغلو، إن رواتب الموظفين والمتقاعدين سترتفع بحيث "ستزداد بنسبة 4% في النصف الأول من 2018 و3.5% خلال النصف الآخر. إضافة إلى ازديادها بنسبة 4% في النصف الأول من 2019 وفي النصف الآخر 5%". وبحسب هذه الزيادة، سيكون الحد الأدنى لرواتب الموظفين نهاية 2018 هو 2.929 ليرة تركية (ما يعادل حوالي 840 دولارا)، وفي نهاية 2019، سيرتفع هذا الرقم إلى 3.198 ليرة تركية (قرابة 915 دولارا). أما رواتب الموظفين المتقاعدين فسيبلغ الحد الأدنى لها نهاية 2019 حوالي 2093 ليرة تركية (598 دولارا تقريباً). وتعتبر هذه الزيادة، حسبما أعلن، الأعلى في تاريخ زيادة رواتب الموظفين في تركيا.
متى تزاد الرواتب، وعلى هذا النحو الكبير واللافت؟
يقولون لماذا "تتغزّلون" بتركيا وأهلها، وقياداتها. حسنا، اتركونا مما يجمعنا بـ "الاستعمار التركي" حسب ما يحلو لكثيرين من أصدقائنا أن يصفوا حقبة الخلافة العثمانية، ماذا عن واقع الحال؟ كيف يصعد اقتصاد بلدٍ أصبح هدفا مباشرا للتخريب والتدمير و"الإرهاب"، فيما يشهد العالم كله نوعا من الركود وتباطؤ النمو، وتآكل الأجور؟ حتى في بلاد النفط، بتنا نسمع عن موظفين لا يرون من رواتبهم شيئا إلا كل ثلاثة أو أربعة شهور، ناهيك عن تقليص الرواتب لا زيادتها طبعا، بل إننا، وفي ما يقول مغتربونا، بتنا نسمع عن تسلمهم سلفا ونتفا من رواتبهم، بعد غياب أشهر. هذا ناهيك عن الزيادات الخرافية في كلف المعيشة، وزيادة رسوم كل شيء، خصوصا رسوم الإقامات والتأشيرات، الأمر الذي ينذر بقرب عودة كثيرين من مغتربينا إلى الأردن، على شكل موجات، تذكرنا بعودة مغتربي الكويت بعد حرب صدّام.
الأرقام التي يتم تداولها هنا رهيبة، إن صحت، فالحديث هو عن مئات آلاف من الأسر تستعد لحزم أمتعتها، من السعودية خصوصا، والعودة للاستقرار في أرض الوطن، بعد أن أصبحت الغربة "مش جايبة همها" كما يقول إخوتنا المغتربون.
من حقنا أن نقارن بين الدول، وما يحدث فيها. ومن حقنا أن نسأل: لم تنجح تجربة ما، على الرغم من استهدافها والتآمر عليها، ووجود أعداء كثيرين يهدّدونها، وبين تجربة أخرى، توفرت لها كل سبل النجاح المادية والمعنوية، ومع هذا تفشل فشلا ذريعا، بل تصبح "الثروة" لعنةً ليس على أهل البلد فقط، بل على الأمة بأسرها.
بالمناسبة... قبل فترة ليست قصيرة، جاءتني حوالة مالية متواضعة من تركيا، لا تزيد عن ثلاثمائة دينار أردني. ويومها اتصل بي البنك، طالبا مني "تفسيرا منطقيا وموثقا" لوصول هذه الحوالة المالية من تركيا. استغربت في بداية الحديث، فسألت عن ماهية هذا التفسير المطلوب؟ فقال لي الموظف إن علي أن أرسل وثيقةً للبنك تبرّر تحويل هذا المبلغ "الضخم!" لي، فقلت: وإن لم يكن لدي ما يعزّز هذا التحويل؟ فقال لي: في هذه الحالة، سنعيد المبلغ إلى من حوّله، والحقيقة أن هذا التحويل كان لقاء إدلاء برأي طلبه هاتفيا رئيس تحرير منبر إعلامي، ولم تكن بالطبع عن تركيا، وهذا ما أخبرت به البنك، فقال لي إنه يريد "وثائق"، فقلت إنه فاتني أن أسجل مكالمة الرجل لي، ولكن في المرة المقبلة، إن كان هناك مرة مقبلة، سأفعل!
وبالطبع، نكتب في صحف ومنابر في بلاد أخرى، ولكن لا يطلب أحد "تعزيزا" أو وثائق تبرر أي تحويلات، فلم تركيا تحديدا؟ هكذا سألت، فقيل إن لتركيا، من ضمن عدة دول، معاملة خاصة. وهذا بالفعل ما واجهته حينما كنت عائدا قبل أشهر من اسطنبول، حيث سمعت بأذني من يقول لمن يفتش حقائب المسافرين: ركّزوا على ركاب الطائرة القادمة من تركيا.
والصحيح أن بلدا تزاد فيه رواتب موظفيه بتلك النسب، يستحق التركيز عليه، ويستحق معاملة خاصة جدا.