*هل تحتاج الدول العربية الى عقد اجتماعي جديد؟ هل، أصلاً، نمتلك عقداً اجتماعيّاً؟ وما هي مقومات العقد الجديد؟
نعم تحتاج البلدان العربية الى عقد اجتماعي جديد بين الدولة والمواطن؛ ففي واقع الأمر يعتبر الناس في المنطقة رعايا وليسوا مواطنين، إذ أن مفهوم المواطنة يقوم على أساس الواجبات والحقوق. ومن أبسط الواجبات هي أن يدفع المواطن الضرائب كمساهمة في تمويل المالية العامة، وتقوم الدولة بدورها في توزيعها على المواطنين من خلال توفير الحقوق الأساسية كالرعاية الصحية والتربية والحماية الاجتماعية. بالنسبة الى العقد الاجتماعي الجديد، فيجب أن يقوم أولاً على أساس الدور الفاعل والأساسي للدولة التنموية الضامنة لحقوق الإنسان، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في طبيعة الدولة ومفهومها، فهي ليست، فقط، إداة للقمع ولتنفيذ القوانين، لا بل هي دولة الحقوق والمؤسسات.
*كيف تصف أثر الفساد على التنمية في الدول العربية؟ كيف هي العلاقة بين الفساد والإنتاج؟
يتخذ الفساد في الدول العربية شكلاً بنيويّاً، أي أنه يدخل في صلب البنية المؤسساتية للدولة. فعمليات الخصخصة وجذب الاستثمارات التي تمت خلال العقود الماضية تمت في ظل آليات غياب الديمقراطية وآليات الشفافية والمساءلة، فاستفاد منها عمليّاً مجموعة من رجال الأعمال المقربين من الحاكم، والذي بدوره يشرف على تقاسم الأرباح والمداخيل، فساهمت هذه الوضعية في نشوء ما يعرف برأسمالية المحسوبيات، أي تلك الرأسمالية التابعة للحاكم في مواقفها ومصالحها، وهي بالتالي لا تنفصل عنه. من جهة أخرى، فإن العلاقة بين المواطن والحاكم هي علاقة الرعايا بالراعي، أي أن الحاكم يوفر الموارد اللازمة لتقديم الخدمات للمواطنين، ما يربط مصلحة المواطنين بوجود الحاكم، والذي يبدو بالنسبة للمواطن وكأنه هو الذي يحافظ على الحقوق ويقوم بصيانتها. إن هذا الواقع أدى الى تمركز الثروات في أيدي قلة من المحاسيب المستفيدين من الوضع القائم، وهم بالتالي مستعدون للدفاع عنه.
*مشهد الدول العربية بين الأمس واليوم، ثورات ولدت مطالبة بالكرامة، المشاركة، العدالة الاجتماعية، كيف تقيّم الأوضاع قبل خروج الشباب الى الشارع؟ ماذا تحقق من هذه المطالبات الاجتماعية؟
ثار الشباب ومعهم شرائح واسعة من المجتمع عندما بلغت الأمور حد الانهيار الى غير عودة. لقد نزل الناس الى الشارع لأنهم يريدون العيش بكرامة. ينشدون الحرية والعدالة والديمقراطية. وهذه التحركات ساهمت في إسقاط رؤوس الأنظمة القائمة، إلا أنها لم تكن قادرة على رسم السياسات البديلة وإقامة النظام المنشود. لقد واجهت التحركات تشبث القيادات التقليدية بمواقعها، مستخدمة لذلك أنواع الأدوات كافة الكفيلة بقمع وإسكات الناس. وتتراوح هذه الأدوات من العمل على تقسيم الحركات ومن ثم اللجوء الى الأساليب القمعية (الشبيحة والبلطجية، الخ) أو إلى القوى الأمنية والشرطة والجيش في سبيل حماية الأمن واستقرار المواطنين. أدى هذا الواقع الى حالة من الإحباط أصيب بها الشباب ومختلف الشرائح التي شاركت في المظاهرات لا سيما وأن الأهداف المرجوة لم تتحقق. لا بل فإن الأوضاع غير المستقرة أدت الى انخفاض الإنتاجية ومعدلات النمو والجباية ما خفض المال العام المتوافر لتقديم الخدمات وتحسين الظروف المعيشية بطريقة مأسوية.
وإذا أردنا التدقيق في المشهد العربي، نلاحظ عى سبيل المثال، عودة العسكر الى السلطة في مصر، في اليمن الأمور تأخذ طابعاً مأساويّاً، حيث قام الحوثيون باحتلال المشهد العام، فأعيد خلط الأوراق ودفع البلاد باتجاه معادلة جديدة لا تبشر بأن الأمور تسير في الاتجاه السليم نحو المزيد من الحريات والديمقراطية. والحالة الوحيدة التي شهدت تحسناً في الأوضاع هي تونس، فتم إنقاذ العملية السياسية من المجتمع المدني، ورص الأطراف السياسية على معالجة الأمور بالطريقة السلمية ومن خلال الأدوات السياسية.
*أين لبنان ممّا حدث من ثورات؟ ألا يحتاج اللبناني الى العدالة الاجتماعية، لماذا لم يخرج مطالباً بهذه الحقوق؟
لبنان قام بثورته عندما نزلت الملايين الى الشارع مطالبة بالسيادة والاستقلال، وانسحاب الجيش السوري، إلا أن القوى التقليدية في لبنان تمكنت من الإمساك بزمام الأمور وإعادة تكوين السلطة على الأسس نفسها، التي قامت عليها بعد اتفاق الطائف. فكانت الانتخابات النيابية الأولى بعد الانسحاب السوري على أساس الحلف الرباعي. وتعتبر التحركات الأخيرة، التي قام بها المعلمون والأساتذة، جزءاً من الحركة المطلبية التي تطالب بتطبيق آلية من آليات إعادة توزيع الثروات على المجتمع من خلال إقرار سلم متحرك للأجور. وتمكنت هذه القوى من تحريك الشارع وتجاوز الانقسامات المذهبية والطائفية من خلال التمسك بشعارات واحدة وموحدة. وكادت هذه القوى أن تحقق أهدافها لولا تمسك السلطات بمواقفها وتمكنها من الالتفاف على المطالب وتوجيه ضربة للحراك. لبنان ليس حالة خاصة، ولكن طبيعة النظام الطائفي تجعل من مسألة التماسك الاجتماعي هشّاً وتحور الصراع الاجتماعي والاقتصادي الى صراع بين المذاهب. هذا فضلاً عن الاتجاهات المأساوية التي اتخذتها التطورات الإقلمية مما ساهم في تعميق الانقسام المذهبي على حساب وحدة التحركات المطلبية والاحتجاجية المدنية.
*مارأيك في مقاربة الأمن والسلم والتطور الاقتصادي في الدول؟
هناك ترابط قوي بين الأمن والسلام والديمقراطية والتنمية، إذ لا تنمية فعلية من دون ديمقراطية وآليات ناجحة للمساءلة والمحاسبة وتداول السلطة والمشاركة السياسية بدون أمن وسلام لأن الموارد الأساسية تذهب هدراً في مجال التسلح والأمن ناهيك عن الدمار والتخريب الذي ينشأ جراء الأعمال الحربية، لذلك فإن استمرار التهديدات الإسرائيلية الأمنية والعسكرية وبروز الأعداء الجدد في القوى المتطرفة يساهم في تدهور الأوضاع المعيشية كونه يؤدي أولاً الى تهديد الاستقرار السياسي والأمني، وبالتالي يخفف من سلامة الدورة الاقتصادية، ومن ثم يستهلك موارد في اتجاهات بعيدة عن الأهداف التنموية والخدمات. هذا بالإضافة الى العبء المترتب عن اللاجئين الذين يكاد يفوق عددهم ثلث عدد السكان المقيمين، في ظل التلكؤ الدولي الملحوظ وتخلف آليات الإغاثة الوطنية وضعف قدرتها على توفير احتياجات الحد الأدنى، كما أن استمرار انتشار السلاح غير النظامي في أيدي مليشيات متنوعة يرفع حدة التوتر ويساهم في الاضطرابات السياسية التي تؤدي بدورها الى اضطرابات أمنية، وبالتالي الى عدم استقرار اقتصادي واجتماعي.
* هل وصلت الدول العربية الى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية؟
مازالت الدول العربية بعيدة عن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، على الرغم من أن بعض المؤشرات تقول، إن بعض القطاعات حققت تقدماً كالصحة والتعليم. ولكن المؤشرات مازالت كمية تتعلق بالالتحاق بالتعليم أو بانخفاض حالات وفاة الأطفال ومعدلات حالات وفاة الأمهات عند الولادة، ولكن المؤشرات النوعية التي تقيس نوعية التعليم ونوعية الحياة لم تتقدم كثيراً، هذا إذا لم نشكك في المعطيات المتوافرة لأن المعلومات مستقاة من الأنظمة التي سقطت، وبالتالي تفتقد الى المصداقية. ويعود السبب في ذلك الى غياب الرؤية التنموية، فرأسمالية المحاسيب تعمل على مضاعفة الأرباح غير آبهة بالعدالة والمساواة والتوزيع، وهي تؤثر في القرارات السياسية والاقتصادية من خلال قربها من دوائر صنع القرار والتأثير فيها.
*كيف يمكن بناء استراتيجية اقتصادية اجتماعية للدول العربية، تحديداً لبنان؟
يقوم النموذج التنموي الجديد على أساس إعادة النظر في دور الدولة التنموية، أي الدولة الديمقراطية التي تتعزز فيها أدوات الحكم السليم، أي الدولة التي تعتمد عقداً اجتماعيّاً يقوم على أساس فصل السلطات والتداول السلمي للسلطة من خلال انتخابات حرة ونزيهة. ومن ثم اعتماد خيارات اقتصادية تقوم على الاستثمار في القطاعات المنتجة ذات القيمة المضافة والتي توفر فرصاً للعمل، لاسيما القطاعات التي تلبي احتياجات السوق المحلية والإقليمية، بالإضافة الى تعزيز الحلقات الإنتاجية الإقليمية التي تسمح بتنقل الموارد البشرية والسلع. بالإضافة الى ذلك، يقوم النموذج الجديد على مبدأ التوزيع من خلال الضريبة على الدخل التي تعيد توزيع الدخل بين مكونات المجتمع، وتطبيق سياسات الحماية الاجتماعية التي توفر التعليم والصحة والنقل وحماية البطالة والأشخاص ذوي الإعاقة والسكن والماء السليم والاستدامة البيئية، كل ذلك على أساس دور فاعل للدولة في حمايتها وتأمين مستلزمات تحقيقها بوصفها من حقوق المواطنين. لبنان يحتاج الى تعزيز العملية الديمقراطية وتقوية دور الدولة التنموية ومؤسساتها.
المطلوب أن يعيد اللبنانيون النظر في خيراتهم الاقتصادية والاجتماعية والحد من الانفلات الليبرالي في الاقتصاد والعودة الى الإنتاج في مجالات متنوعة كالخدمات والتصنيع المهني والحرفي وتطوير الزراعة. من جهة أخرى، لعب القطاع المصرفي دوراً أساسيّاً عبر التاريخ الحديث، إلا أنه الخصم والحكم، فاستفادت المصارف من الأزمات التي مر بها لبنان فساهمت في إقراض القطاع العام بفوائد عالية حققت من خلالها أرباحاً خيالية على حساب الاقتصاد الوطني. وهي حاليّاً ترفض المساهمة في حصتها من الضرائب كإحدى آليات إعادة التوزيع المفروض تطبيقها تحقيقاً للعدالة
نهب أموال النازحين
أشار المدير التنفيذي لشبكة المنظمات غير الحكومية العربية للتنمية، زياد عبد الصمد، إلى وجود هدر وسرقة في أموال النازحين السوريين، وقال: "يبدو أن الهدر الحاصل في المساعدات المخصصة لإغاثة اللاجئين السوريين في لبنان، ناتج عن سوء التنسيق والإدارة أولاً، ولكنه أساساً ناتج عن غياب الرؤية والأهداف الواضحة. فبعد إنفاق المبالغ الطائلة من قبل المنظمات الدولية والمحلية، تكشفت الأوضاع المعيشية للاجئين عن كوارث بيئية وحياتية غير مقبولة. في ظل هذه الظروف قامت الشبكة وبعض شركائها بالعمل على تأسيس مرصد لمتابعة أعمال الإغاثة للاجئين، على أن يتناول المرصد المنظمات الدولية والمحلية والحكومات المانحة وخاصة الأجهزة العامة في لبنان. وبالفعل، انكب فريق على إعداد المؤشرات وآليات عمل الفريق والهيكلية والمنهجية وكل الأدوات المطلوب استخدامها لنجاح الفكرة، إلا أن التطورات الأمنية الأخيرة وتراجع أعمال الإغاثة والأموال المخصصة لذلك، ودخول لبنان في دوامة ما يحلو لبعضهم تسميته بـ "الحرب على الإرهاب"، حال دون انطلاق المشروع. كما أن الحل الأمثل يكمن في تقوية المجتمع السوري، لاسيما اللاجئين، وتطوير أدوات وآليات للتنسيق، وخلق الفسحة الملائمة لعملهم وتسليمهم زمام الأمور من دون رعاية من أحد
بطاقة
زياد عبد الصمد، المدير التنفيذي لشبكة المنظمات غير الحكومية العربية للتنمية ورئيس المنبر الأورومتوسطي للمنظمات غير الحكومية. منخرط في عدد من الشبكات العالمية التي تركز على السياسات العامة. مشارك في مؤسسات بحوث مثل شبكة بحوث آسيا والمحيط الهادئ. ناشط في مجال الإصلاح الانتخابي في لبنان.
نعم تحتاج البلدان العربية الى عقد اجتماعي جديد بين الدولة والمواطن؛ ففي واقع الأمر يعتبر الناس في المنطقة رعايا وليسوا مواطنين، إذ أن مفهوم المواطنة يقوم على أساس الواجبات والحقوق. ومن أبسط الواجبات هي أن يدفع المواطن الضرائب كمساهمة في تمويل المالية العامة، وتقوم الدولة بدورها في توزيعها على المواطنين من خلال توفير الحقوق الأساسية كالرعاية الصحية والتربية والحماية الاجتماعية. بالنسبة الى العقد الاجتماعي الجديد، فيجب أن يقوم أولاً على أساس الدور الفاعل والأساسي للدولة التنموية الضامنة لحقوق الإنسان، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في طبيعة الدولة ومفهومها، فهي ليست، فقط، إداة للقمع ولتنفيذ القوانين، لا بل هي دولة الحقوق والمؤسسات.
*كيف تصف أثر الفساد على التنمية في الدول العربية؟ كيف هي العلاقة بين الفساد والإنتاج؟
يتخذ الفساد في الدول العربية شكلاً بنيويّاً، أي أنه يدخل في صلب البنية المؤسساتية للدولة. فعمليات الخصخصة وجذب الاستثمارات التي تمت خلال العقود الماضية تمت في ظل آليات غياب الديمقراطية وآليات الشفافية والمساءلة، فاستفاد منها عمليّاً مجموعة من رجال الأعمال المقربين من الحاكم، والذي بدوره يشرف على تقاسم الأرباح والمداخيل، فساهمت هذه الوضعية في نشوء ما يعرف برأسمالية المحسوبيات، أي تلك الرأسمالية التابعة للحاكم في مواقفها ومصالحها، وهي بالتالي لا تنفصل عنه. من جهة أخرى، فإن العلاقة بين المواطن والحاكم هي علاقة الرعايا بالراعي، أي أن الحاكم يوفر الموارد اللازمة لتقديم الخدمات للمواطنين، ما يربط مصلحة المواطنين بوجود الحاكم، والذي يبدو بالنسبة للمواطن وكأنه هو الذي يحافظ على الحقوق ويقوم بصيانتها. إن هذا الواقع أدى الى تمركز الثروات في أيدي قلة من المحاسيب المستفيدين من الوضع القائم، وهم بالتالي مستعدون للدفاع عنه.
*مشهد الدول العربية بين الأمس واليوم، ثورات ولدت مطالبة بالكرامة، المشاركة، العدالة الاجتماعية، كيف تقيّم الأوضاع قبل خروج الشباب الى الشارع؟ ماذا تحقق من هذه المطالبات الاجتماعية؟
ثار الشباب ومعهم شرائح واسعة من المجتمع عندما بلغت الأمور حد الانهيار الى غير عودة. لقد نزل الناس الى الشارع لأنهم يريدون العيش بكرامة. ينشدون الحرية والعدالة والديمقراطية. وهذه التحركات ساهمت في إسقاط رؤوس الأنظمة القائمة، إلا أنها لم تكن قادرة على رسم السياسات البديلة وإقامة النظام المنشود. لقد واجهت التحركات تشبث القيادات التقليدية بمواقعها، مستخدمة لذلك أنواع الأدوات كافة الكفيلة بقمع وإسكات الناس. وتتراوح هذه الأدوات من العمل على تقسيم الحركات ومن ثم اللجوء الى الأساليب القمعية (الشبيحة والبلطجية، الخ) أو إلى القوى الأمنية والشرطة والجيش في سبيل حماية الأمن واستقرار المواطنين. أدى هذا الواقع الى حالة من الإحباط أصيب بها الشباب ومختلف الشرائح التي شاركت في المظاهرات لا سيما وأن الأهداف المرجوة لم تتحقق. لا بل فإن الأوضاع غير المستقرة أدت الى انخفاض الإنتاجية ومعدلات النمو والجباية ما خفض المال العام المتوافر لتقديم الخدمات وتحسين الظروف المعيشية بطريقة مأسوية.
وإذا أردنا التدقيق في المشهد العربي، نلاحظ عى سبيل المثال، عودة العسكر الى السلطة في مصر، في اليمن الأمور تأخذ طابعاً مأساويّاً، حيث قام الحوثيون باحتلال المشهد العام، فأعيد خلط الأوراق ودفع البلاد باتجاه معادلة جديدة لا تبشر بأن الأمور تسير في الاتجاه السليم نحو المزيد من الحريات والديمقراطية. والحالة الوحيدة التي شهدت تحسناً في الأوضاع هي تونس، فتم إنقاذ العملية السياسية من المجتمع المدني، ورص الأطراف السياسية على معالجة الأمور بالطريقة السلمية ومن خلال الأدوات السياسية.
*أين لبنان ممّا حدث من ثورات؟ ألا يحتاج اللبناني الى العدالة الاجتماعية، لماذا لم يخرج مطالباً بهذه الحقوق؟
لبنان قام بثورته عندما نزلت الملايين الى الشارع مطالبة بالسيادة والاستقلال، وانسحاب الجيش السوري، إلا أن القوى التقليدية في لبنان تمكنت من الإمساك بزمام الأمور وإعادة تكوين السلطة على الأسس نفسها، التي قامت عليها بعد اتفاق الطائف. فكانت الانتخابات النيابية الأولى بعد الانسحاب السوري على أساس الحلف الرباعي. وتعتبر التحركات الأخيرة، التي قام بها المعلمون والأساتذة، جزءاً من الحركة المطلبية التي تطالب بتطبيق آلية من آليات إعادة توزيع الثروات على المجتمع من خلال إقرار سلم متحرك للأجور. وتمكنت هذه القوى من تحريك الشارع وتجاوز الانقسامات المذهبية والطائفية من خلال التمسك بشعارات واحدة وموحدة. وكادت هذه القوى أن تحقق أهدافها لولا تمسك السلطات بمواقفها وتمكنها من الالتفاف على المطالب وتوجيه ضربة للحراك. لبنان ليس حالة خاصة، ولكن طبيعة النظام الطائفي تجعل من مسألة التماسك الاجتماعي هشّاً وتحور الصراع الاجتماعي والاقتصادي الى صراع بين المذاهب. هذا فضلاً عن الاتجاهات المأساوية التي اتخذتها التطورات الإقلمية مما ساهم في تعميق الانقسام المذهبي على حساب وحدة التحركات المطلبية والاحتجاجية المدنية.
*مارأيك في مقاربة الأمن والسلم والتطور الاقتصادي في الدول؟
هناك ترابط قوي بين الأمن والسلام والديمقراطية والتنمية، إذ لا تنمية فعلية من دون ديمقراطية وآليات ناجحة للمساءلة والمحاسبة وتداول السلطة والمشاركة السياسية بدون أمن وسلام لأن الموارد الأساسية تذهب هدراً في مجال التسلح والأمن ناهيك عن الدمار والتخريب الذي ينشأ جراء الأعمال الحربية، لذلك فإن استمرار التهديدات الإسرائيلية الأمنية والعسكرية وبروز الأعداء الجدد في القوى المتطرفة يساهم في تدهور الأوضاع المعيشية كونه يؤدي أولاً الى تهديد الاستقرار السياسي والأمني، وبالتالي يخفف من سلامة الدورة الاقتصادية، ومن ثم يستهلك موارد في اتجاهات بعيدة عن الأهداف التنموية والخدمات. هذا بالإضافة الى العبء المترتب عن اللاجئين الذين يكاد يفوق عددهم ثلث عدد السكان المقيمين، في ظل التلكؤ الدولي الملحوظ وتخلف آليات الإغاثة الوطنية وضعف قدرتها على توفير احتياجات الحد الأدنى، كما أن استمرار انتشار السلاح غير النظامي في أيدي مليشيات متنوعة يرفع حدة التوتر ويساهم في الاضطرابات السياسية التي تؤدي بدورها الى اضطرابات أمنية، وبالتالي الى عدم استقرار اقتصادي واجتماعي.
* هل وصلت الدول العربية الى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية؟
مازالت الدول العربية بعيدة عن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، على الرغم من أن بعض المؤشرات تقول، إن بعض القطاعات حققت تقدماً كالصحة والتعليم. ولكن المؤشرات مازالت كمية تتعلق بالالتحاق بالتعليم أو بانخفاض حالات وفاة الأطفال ومعدلات حالات وفاة الأمهات عند الولادة، ولكن المؤشرات النوعية التي تقيس نوعية التعليم ونوعية الحياة لم تتقدم كثيراً، هذا إذا لم نشكك في المعطيات المتوافرة لأن المعلومات مستقاة من الأنظمة التي سقطت، وبالتالي تفتقد الى المصداقية. ويعود السبب في ذلك الى غياب الرؤية التنموية، فرأسمالية المحاسيب تعمل على مضاعفة الأرباح غير آبهة بالعدالة والمساواة والتوزيع، وهي تؤثر في القرارات السياسية والاقتصادية من خلال قربها من دوائر صنع القرار والتأثير فيها.
*كيف يمكن بناء استراتيجية اقتصادية اجتماعية للدول العربية، تحديداً لبنان؟
يقوم النموذج التنموي الجديد على أساس إعادة النظر في دور الدولة التنموية، أي الدولة الديمقراطية التي تتعزز فيها أدوات الحكم السليم، أي الدولة التي تعتمد عقداً اجتماعيّاً يقوم على أساس فصل السلطات والتداول السلمي للسلطة من خلال انتخابات حرة ونزيهة. ومن ثم اعتماد خيارات اقتصادية تقوم على الاستثمار في القطاعات المنتجة ذات القيمة المضافة والتي توفر فرصاً للعمل، لاسيما القطاعات التي تلبي احتياجات السوق المحلية والإقليمية، بالإضافة الى تعزيز الحلقات الإنتاجية الإقليمية التي تسمح بتنقل الموارد البشرية والسلع. بالإضافة الى ذلك، يقوم النموذج الجديد على مبدأ التوزيع من خلال الضريبة على الدخل التي تعيد توزيع الدخل بين مكونات المجتمع، وتطبيق سياسات الحماية الاجتماعية التي توفر التعليم والصحة والنقل وحماية البطالة والأشخاص ذوي الإعاقة والسكن والماء السليم والاستدامة البيئية، كل ذلك على أساس دور فاعل للدولة في حمايتها وتأمين مستلزمات تحقيقها بوصفها من حقوق المواطنين. لبنان يحتاج الى تعزيز العملية الديمقراطية وتقوية دور الدولة التنموية ومؤسساتها.
المطلوب أن يعيد اللبنانيون النظر في خيراتهم الاقتصادية والاجتماعية والحد من الانفلات الليبرالي في الاقتصاد والعودة الى الإنتاج في مجالات متنوعة كالخدمات والتصنيع المهني والحرفي وتطوير الزراعة. من جهة أخرى، لعب القطاع المصرفي دوراً أساسيّاً عبر التاريخ الحديث، إلا أنه الخصم والحكم، فاستفادت المصارف من الأزمات التي مر بها لبنان فساهمت في إقراض القطاع العام بفوائد عالية حققت من خلالها أرباحاً خيالية على حساب الاقتصاد الوطني. وهي حاليّاً ترفض المساهمة في حصتها من الضرائب كإحدى آليات إعادة التوزيع المفروض تطبيقها تحقيقاً للعدالة
نهب أموال النازحين
أشار المدير التنفيذي لشبكة المنظمات غير الحكومية العربية للتنمية، زياد عبد الصمد، إلى وجود هدر وسرقة في أموال النازحين السوريين، وقال: "يبدو أن الهدر الحاصل في المساعدات المخصصة لإغاثة اللاجئين السوريين في لبنان، ناتج عن سوء التنسيق والإدارة أولاً، ولكنه أساساً ناتج عن غياب الرؤية والأهداف الواضحة. فبعد إنفاق المبالغ الطائلة من قبل المنظمات الدولية والمحلية، تكشفت الأوضاع المعيشية للاجئين عن كوارث بيئية وحياتية غير مقبولة. في ظل هذه الظروف قامت الشبكة وبعض شركائها بالعمل على تأسيس مرصد لمتابعة أعمال الإغاثة للاجئين، على أن يتناول المرصد المنظمات الدولية والمحلية والحكومات المانحة وخاصة الأجهزة العامة في لبنان. وبالفعل، انكب فريق على إعداد المؤشرات وآليات عمل الفريق والهيكلية والمنهجية وكل الأدوات المطلوب استخدامها لنجاح الفكرة، إلا أن التطورات الأمنية الأخيرة وتراجع أعمال الإغاثة والأموال المخصصة لذلك، ودخول لبنان في دوامة ما يحلو لبعضهم تسميته بـ "الحرب على الإرهاب"، حال دون انطلاق المشروع. كما أن الحل الأمثل يكمن في تقوية المجتمع السوري، لاسيما اللاجئين، وتطوير أدوات وآليات للتنسيق، وخلق الفسحة الملائمة لعملهم وتسليمهم زمام الأمور من دون رعاية من أحد
بطاقة
زياد عبد الصمد، المدير التنفيذي لشبكة المنظمات غير الحكومية العربية للتنمية ورئيس المنبر الأورومتوسطي للمنظمات غير الحكومية. منخرط في عدد من الشبكات العالمية التي تركز على السياسات العامة. مشارك في مؤسسات بحوث مثل شبكة بحوث آسيا والمحيط الهادئ. ناشط في مجال الإصلاح الانتخابي في لبنان.