ما إن يحل شهر شعبان في حضرموت شرقي اليمن حتى يبدأ الآلاف بالاستعداد لزيارة ما يعتقد أنه "قبر النبي هود" عليه السلام، في أكبر تجمع ديني تشهده حضرموت سنوياً. ويحرص كثير من أهالي حضرموت، معظمهم من "الصوفية"، لزيارة منطقة هود التي تقع إلى الشمال الشرقي من مدينة سيئون بمسافة تقدر بـ 140 كيلومتراً.
ولمدينة تريم التاريخية الحضور الأكبر في الزيارة، حيث السواد الأعظم من الزوار ينتمون لهذه المدينة وتكون منها انطلاقة وفود الجمال، غير أن الأزمة التي تمر بها البلاد من دون توافد كثير من الأجانب للزيارة، علاوة على مغادرة كثير من طلاب العلم من مناطق شرق آسيا إلى بلدانهم منذ بدايتها.
حرص على الزيارة
يحرص الشاب عبدالله بارضوان (27 عاماً)، على الذهاب إلى الزيارة منذ كان عمره ست سنوات، فقد كان والده يصطحبه معه، لكن هذا العام حالت الظروف دون ذهابه للزيارة، فهو يقيم خارج الوطن، ويرى بارضوان أن الزيارة هي بمثابة تجمع إسلامي ثقافي وعلمي يجسد الترابط الإسلامي.
ويستبعد في حديث إلى "العربي الجديد" أن تكون الأزمة الحالية قد أثرت على ذهاب الناس للزيارة، لما لها من مكانة في قلوبهم وحرص الكثير على ادخار جزء بسيط من أموالهم للذهاب للزيارة. ويشير إلى أن الزيارة باتت أحد عوامل ازدهار السياحة في حضرموت، حيث تقام للوافدين من خارج البلاد جولات سياحية للتعرف على المعالم الأثرية وحلقات نقاش وتبادل فكري.
فعاليات متعددة
يوجد قبر النبي هود على سفح جبل بطول قرابة 20 متراً إلى جهة الشرق من بئر "برهوت"، وتغطي القبر قبة بيضاء كبيرة جوار حجرة متصدعة، وللوصول إلى القبر كان لا بد عليك من السير صعوداً باتجاه هضبة وعرة، لكن مؤخراً تم تمهيد الطريق إليه.
وتذكر كتب التاريخ أن الشيخ الفقيه حكم بن عبد الله باقشير المتوفى سنة (87هـ/879م) قام بعمارة القبر عمارة تامة وبناه بالحجر والنورة، وأقام عليه قبة ومهد محيطه من جهة الغرب، ثم بنى أبو بكر بن محمد بلفقيه قبة ضخمة على جانب الحجرة المتصدعة في نحو نصف القبر عام (1097هـ/1685م)، واستمر التعمير والتجديد حتى العصر الحاضر بحسب ما ذكر المركز الوطني للمعلومات.
وتسبق الزيارة استعدادات مكثفة من خلال المحاضرات التي تحث على الزيارة وترديد ما يسمى بالتهاويد "هود يا نبي الله" في 27 من شهر رجب بعد صلاة العشاء بجانب عدد من المساجد.
وتبدأ طقوس زيارة النبي هود في الثامن من شعبان وتنتهي في الحادي عشر منه، وتتخللها زيارات أو ما يسمى بـ"الدخلات"، إذ لكل بلد غير تريم دخلة واحدة فقط، أما تريم فإن لكل بيت من بيوت العلويين دخلة وزيارة غالباً، فهناك دخلة آل بلفقيه، ودخلة آل الحدّاد، ودخلة آل شهاب وآل الحبشي.. وغيرها وتقام بنظام خاص.
كذلك يؤدي الزائرون السلام على بئر تسمى "بئر تسلوم"، إذ يعتقد أنها ملتقى أرواح الأنبياء والرسل والأولياء الصالحين، كما تتضمن الزيارة تلاوات لبعض سور القرآن والأدعية، بينما تقام في المساء بعض الفعاليات الشعبية. وما يلفت الانتباه في الزيارة خلوها تماماً من النساء حيث لا يسمح باصطحاب النساء لها، لكن في أوقات العام تزور الكثير من العوائل المنطقة بشكل عام.
اقرا أيضاً: عيد العراقيين.. بين شواهد قبور الأحبة يطفح الألم
مدينة الثلاثة أيام
شهدت منطقة "هود" خلال العشر سنوات الماضية قفزة عمرانية، فقد بنيت العمائر السكنية وازداد عدد البيوت التي تسمى "بالخدور" وتسمى بأسماء قبائل، ويطلق على البيت "خدر آل فلان" وينزلون فيه أثناء الزيارة، كما عبدت الطرق المؤدية للمنطقة، وتم شبكها بإنارة وتسوير المنطقة لحمايتها من العبث. وتعد الزيارة موسماً تجارياً لا يفوت بالنسبة للتجار، خصوصاً المتجولين منهم، إذ تنتعش التجارة بالتزامن مع الزيارة لحرص الزوار على شراء الهدايا والألعاب لإهدائها للأبناء والأقارب عند العودة. وما إن تنتهي زيارة النبي هود حتى تعود المدينة إلى سكونها المعهود، وتخلوا من السكان تماماً إلا من زيارات قليلة على سبيل التعرف على المعالم أو قضاء إجازة عائلية.
سباق الهجن
يعقب زيارة النبي هود سباق الهجن، وهو تقليد سنوي تحتضنه مدينة تريم في الـ 12 من شهر شعبان بمضمار شعبي، ويحضره الآلاف من الرجال والنساء. ويعود تاريخ السباق إلى مئات السنين، فقد كان الذهاب للزيارة يتم عبر الجمال وعند عودتهم يتم استقبالهم في ضواحي المدينة، لكن ومع تطور وسائل النقل بقي السباق كتقليد سنوي يحضره عشرات الآلاف سنوياً.
ولم يلق السباق التراثي أي اهتمام رسمي من قبل الدولة، إذ يقام في ممر "سيول" يفتقر لوجود شباك يحمي الجماهير من انحراف الجمال. وخصصت مبالغ تقدر بالملايين لإقامة مضمار للسباق في 2010 أثناء اختيار مدينة تريم عاصمة للثقافة الإسلامية، لكن المشروع تعثر ولم يعرف بعد مصير مخصصاته.
ومن ضمن التقاليد السنوية التي تشهدها مدينة تريم بعد العودة من الزيارة يوم "الشعبانية" الذي يصادف الـ 13 من شعبان من كل عام، ويخصص لزيارة القبور والدعاء لأصحابها ووضع إكليل من الرياحين عليها. وتعد الشعبانية بمثابة عيد للأطفال فيلبسون أجمل الملابس ويذهبون للتسوق بجوار المقابر التي تتحول ساحاتها إلى أسواق شعبية.
اقرأ أيضاً: اليمن السعيد.. ممالك لم يبق شيء من اسمها