في هذا السياق، أعادت زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الأخيرة لمصر، النقاش القديم – الجديد إلى الواجهة. وأفسحت صحيفة "لاكروا" الفرنسية المجال لمسؤول برنامج "حريات" في منظمة العفو الدولية، نيكولا كراماير، ليتساءل عن جدوى هذه الزيارة، في وقت أحصت فيه المنظمة أكثر من مائة حالة اختفاء قسرية، شهرياً، منذ مارس/آذار 2015، فضلاً عن الإبقاء على 700 شخص معتقلين من دون محاكمة، منذ أكثر من سنتين.
بالإضافة إلى ذلك، تتحدث الإحصاءات التي يقدمها النظام المصري عن أكثر من 33 ألف شخص تم اعتقالهم، أو ملاحقتهم، ما بين يناير/كانون الثاني 2014 وسبتمبر/ أيلول 2015. وهو إحصاء تؤكد الصحيفة الفرنسية أنه "ناقص ومخفف"، كما أن الدولة المصرية أصدرت في العام الماضي 538 حكماً بالإعدام، غالباً في "محاكمة جماعية"، إضافة إلى توسيع دور المحاكم العسكرية في محاكمة العديد من المدنيين.
يعتبر كراماير، أن "القمع في مصر، لم يصل إلى هذه الدرجة في تاريخه، ويمكن مقارنته بالقمع الذي عرفته الديكتاتوريات السابقة في أميركا اللاتينية. ويتمدد هذا القمع بعد تشريع قانون نوفمبر/تشرين الثاني 2013 الذي يُحظّر كل التظاهرات، وسمح باعتقال المئات من المواطنين. كما أن قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2015 وسّع من معايير الاعتقالات، وأتاح للنظام المصري إيقاف مواطنين لا علاقة لهم بالأمن القومي".
ويعترف مسؤول منظمة العفو الدولية، بأنه "يسود صمتٌ في فرنسا عن هذه التجاوزات. كما أن فرنسا لم تتوقف أبداً عن التعاون العسكري مع مصر، في ظل ارتفاع مبيعات الأسلحة الفرنسية". ويشير إلى أن "تجهيزات عسكرية فرنسية، مثل العربات المدرعة، يستخدمها النظام المصري في القمع الداخلي. ومن هنا مناشدة منظمة العفو الدولية لوقف تسليم هذه المعدات العسكرية التي تساهم في انتهاك قانون الحرب الدولي في مصر وليبيا واليمن". وتتعلق هذه المناشدة، كما ترى المنظمة الحقوقية الدولية، بـ"تنفيذ السلطات الفرنسية للقرار الأوروبي الذي يرمي إلى وقف نقل الأسلحة، من دون ضمانات ولا أي شفافية حول استخدامها".
ولم تكتفِ "لاكروا" بكراماير، بل أجرت لقاءً مع الباحث في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية قادر عبد الرحيم، الذي يعتبر بأن "نظام السيسي هو نتيجة لانقلاب عسكري، وهو رجلٌ عسكري يمارس دوراً متسلّطاً، بينما الاحتجاج في الشارع المصري مستمر". ويشير إلى أن "الأمر لن يظلّ على هذا الحال. لأنه، وكما هو الشأن في معظم دول المنطقة، يضع العالم العربي على هامش التطور التكنولوجي في العالم، المرتكز على التحكم في وسائل الاتصالات".
كما يلفت إلى أن "مصر تعيش منذ الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013 قمعاً رهيباً يتجلّى في الانتهاك الواسع لحقوق الإنسان". كما يرى الباحث بأن "هذه الحالة (المصرية) تُذكّر بالحرب الأهلية في الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، حين استولى العسكر على السلطة بعد انتخابات فاز فيها الإسلاميون، بطريقة ديمقراطية"، ليستنتج بأن "العالم العربي يمنح الانطباع وكأنّ سيادة الشعب يمكن التشكيك فيها في أي لحظة، حين لا يُصوّت بشكل صحيح. وهذا يجري تحت ضغط الغرب".
ويصف الباحث مصر بأنها "بلد هشّ، كما أن قسماً من أراضيها، أي سيناء، خارج سيطرة الحكومة. وانعدام الاستقرار يفسّر الاعتداء الأخير على طائرة السياح الروس في سيناء. كما أن لمصر دوراً في النزاع الليبي، وهو ما دفع السيسي، إلى إبداء القلق من تسلل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) انطلاقاً من ليبيا".