تدخل زيارة وفد من حركة "حماس" إلى مصر ولقاؤه مسؤولين في الاستخبارات المصرية، في إطار خطة تحرك للحركة خلال الفترة المقبلة على الصعيدين العربي والإسلامي، ستشمل جولة خارجية لوفد مكوّن من أعضاء المكتب السياسي للحركة داخل الأراضي المحتلة، وفي الخارج، وفق ما يكشف قيادي في الحركة لـ"العربي الجديد". في مقابل ذلك، يعبّر لقاء وفد "حماس" مع قيادات في الاستخبارات المصرية، عن حلقة جديدة من صراع الأجنحة والدوائر داخل أجهزة النظام المصري، كما تقول مصادر أمنية مصرية.
أما عن خطة تحرك "حماس"، فيكشف القيادي أن الوفد الذي زار القاهرة والتقى المسؤولين في جهاز الاستخبارات المصرية، سيقوم بجولة خارجية، تنتهي بزيارة لبنان، مشيراً إلى أن الوفد عقب الانتهاء من زيارته للقاهرة سيتوجه إلى السعودية ومنها إلى العاصمة التركية أنقرة، قبل أن يلتقي مسؤولين إيرانيين، من دون أن يوضح إذا كان اللقاء مع المسؤولين الإيرانيين سيجري في طهران أم على الأراضي التركية. ويلفت إلى أن مسؤولين بالحركة قاموا بوضع الترتيبات النهائية لزيارة وفد "حماس" إلى السعودية ولقاء الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن نايف، إضافة إلى وزير الدفاع، ولي ولي العهد محمد بن سلمان، للتباحث بشأن المصالحة الداخلية مع حركة "فتح"، وقضايا أخرى متعلقة بقطاع غزة وأزمات المنطقة.
من جهة أخرى، يكشف المصدر أن النقاشات بين وفد الحركة والجانب المصري تطرّقت إلى كيفية إزالة التأثيرات السلبية، لإعلان وزارة الداخلية المصرية، "تورّط" الحركة في اغتيال النائب العام المصري هشام بركات، وما خلّفه ذلك من آثار سلبية أخيراً. فيما أوضحت مصادر أخرى أن هناك وعوداً مصرية بوقف الحملة الإعلامية على الحركة في وسائل الإعلام المصرية، مشيراً إلى أن هذا بدا واضحاً مع قدوم وفد الحركة إلى القاهرة.
وحول ما سماه مراقبون تناقضا في موقف مصر بشأن استقبالها لوفد من الحركة، في الوقت الذي تتهم فيه مؤسسة مثل وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني الحركةَ "بالتورط في أعمال إرهابية"، يقول مصدر رسمي مصري مسؤول لـ"العربي الجديد"، إن "القاهرة لا تتعامل مع مقتضيات الأمن القومي بالقطعة"، معتبراً أنه "يجب على الجميع النظر للصورة بشكل أوسع، فلا التاريخ أو الجغرافيا يستطيعان أن يتغيرا، وقطاع غزة سيظل جزءاً مهماً من مقتضيات الأمن القومي المصري، والقضية الفلسطينية ستظل محور اهتمام العالم العربي أجمع وليست القاهرة فقط".
وفي السياق، تشير مصادر أمنية مصرية رفيعة إلى أن اللقاء في مصر يعبّر عن حلقة جديدة من صراع الأجنحة والدوائر داخل أجهزة النظام المصري، وجرى التعتيم عليه بصورة متعمدة حتى لا تعرف وزارة الداخلية ووزارة الخارجية أي تفاصيل عنه. ووفقاً للمصادر، فإن أمراً صدر من الاستخبارات لكل وسائل الإعلام المصرية بعدم نشر أي تفاصيل عن اللقاء، أو حتى محاولة السؤال عن سببه ومناسبته، غير أن بعض المواقع الإلكترونية المصرية نشرت الخبر قبل وصول التحذير إليها.
وتبرر المصادر الأمنية هذا التصرف بأن الدائرة الاستخباراتية-الرقابية التي يديرها عباس كامل، مدير مكتب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ترغب في ألا يظهر على الملأ صراع أجنحة ودوائر السلطة أكثر من ذلك، وهو ما يعتبره السيسي أحد مؤشرات فشل أجهزته في السيطرة على وسائل الإعلام والتحكم بما يصل إلى الرأي العام من معلومات.
اقرأ أيضاً: معبرا رفح وسيناء يتصدران لقاء وفد "حماس" بالاستخبارات المصرية
وتكشف المصادر أن السيسي تلقى تقريراً سرياً منذ أسابيع يثير مخاوف النظام بسبب شعور الرأي العام بأن الدولة المصرية ليست محكومة بسياسة واحدة، وأن هناك خلافات بين دوائر النظام، وذلك على خلفية الصراعات الدائرة على شاشات الفضائيات بين عدد من الإعلاميين والنواب والمعروف كل منهم بالانتماء أو التبعية لإحدى دوائر النظام، وذلك من خلال الترويج لأفكار ومشروعات وسياسات مختلفة عن الآخرين. وتضيف المصادر أن اللقاء فاجأ المسؤولين بالأجهزة الأمنية الميدانية، لكن الاستخبارات الحربية المتحكمة ميدانياً في شمال سيناء حالياً كانت على علم بالزيارة، وسهلت تحرك قيادات الحركة.
ويأتي لقاء قيادات "حماس" بجهاز الاستخبارات تأكيداً لما ذكرته مصادر حكومية أخرى من قبل لـ"العربي الجديد" بعد توجيه وزير الداخلية المصري مجدي عبدالغفار اتهاماً للحركة، وهو أن عبدالغفار يتحرك بإيعاز من دائرة معينة داخل النظام، تنتمي على الأرجح إلى جهاز الأمن الوطني أو إلى دائرة مناوئة لقيادة جهاز الاستخبارات، أرادت في هذا التوقيت قطع طريق التقارب الذي تتبناه قيادة الاستخبارات العامة لإصلاح ما أفسدته المياه الكثيرة التي سارت في مجرى العلاقات بين مصر و"حماس" منذ الإطاحة بحكم جماعة "الإخوان المسلمين" في يوليو/تموز 2013.
وتلقى النظام المصري على مدار العام الماضي إشارات واضحة من دول كبرى في المنطقة، يعتبرها حليفة له، على رأسها السعودية، مفادها أنه لا بديل عن التعاون مع حركة "حماس" لمعرفة الأوضاع في غزة والسيطرة عليها، وأنه لا طائل من سياسة السيسي التي كان قد انتهجها في شهور حكمه الأولى بمساندة سلطة محمود عباس في رام الله ومحاولة طرحها كحكومة شرعية وحيدة من دون الاعتداد بالوضع القائم في غزة أو الانتخابات التي جاءت بـ"حماس" على رأس الحكومة الفلسطينية.
وتؤكد مصادر دبلوماسية مصرية في هذا السياق، أن "النظام المصري يعي جيداً أنه لا بديل للتنسيق مع حماس في الوقت الحالي، حتى إذا اعتبرتها أجنحة داخل النظام حركة معادية لموقفها المعلن من جماعة الإخوان، ذلك لأن الدولة لا تستطيع التحكم بشكل كامل في شمال سيناء (محور الحرب المصرية على الجماعات التكفيرية) من دون مساعدات معلوماتية واستراتيجية وأمنية من حماس، على الأقل لمنع إيواء المطلوبين في غزة والتعرف على تحركاتهم السرية".
وتعتبر المصادر ذاتها أن العلاقات مع مصر مهمة أيضاً لـ"حماس"، نظراً للأضرار الاستراتيجية والاقتصادية الواقعة على غزة بسبب الحرب المصرية في شمال سيناء، وعملية إغراق الحدود التي اعتبر السيسي أنها قرار استراتيجي، خصوصاً في ظل التنسيق المصري الإسرائيلي المتنامي أمنياً.
وتشدد المصادر على أن "التنسيق الثنائي بين الطرفين ضروري للغاية لكل منهما، ولا يمكن الاستغناء عنه، حتى إذا كانا متناقضين سياسياً"، مشيرة إلى أن "التخريب المتعمد من دوائر في النظام المصري لهذه العلاقة أمر داخلي بحت، يرتبط فقط بصراع هذه الدوائر على تسيير البلاد، ويعبر أحياناً عن رغبة بعض الأطراف داخل الأجهزة السيادية في إفساد مخططات القيادات لإحراجهم أو إضعاف صورتهم".
لكن المصادر الأمنية لها رأي آخر في هذه المسألة، فهي ترى أن "هناك دوائر داخل كل جهاز أمني مصري، لها علاقات ممتدة بالخارج، وتحديداً بدول في محيط مصر الإقليمي، وبعض هذه الدول لا تريد تحقيق أي تقارب بين مصر وحركة حماس"، مشيرة بذلك إلى دولة الإمارات التي ما زالت أكبر داعم سياسي واقتصادي لنظام السيسي، وفق المصادر.
اقرأ أيضاً: وفد "حماس" يزور القاهرة ويلتقي مسؤولين في الاستخبارات